دور المثقف العربي في ظل الواقع المأزوم/ د. نزار الحرباوي
تقف عجلة التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم اليوم عن الدوران ، تفتح مع كل جديد من مستجداتها باباً جديداً للعصف الفكري والذهني ، ومنفذاً للمفكرين والساسة والاُدباء أن يدلوا بدلوهم فيه أو تتركهم الأيام على هامش الطريق وقد سبقهم غيرهم لصدارة المشهد.
وما بين حراب النزاعات المستعرة وبين تطلعات الشعوب بون شاسع ، وتطلعات يمكن للإنسان أن يقف أمامها طويلاً ، فالمؤامرات الدولية على المشرق مستمرة في توسعها شكلاً ومضمونًا ، وظاهرة الجهل والاستهداف الاعلامي والاجتماعي على أشدها ،وساسة متنافسون ، وإعلام مسيس ، وهدر للطاقات والأموال والكوادر البشرية ، وتعقيدات جديدة في المشهد كل يوم تعطي ظلالا تحتاج لبيان ورؤى ، وقبل ذلك تثبت الحاجة لمن يحمل الأمل قبل الألم .
وفِي ظل هذا الواقع المعقد أظن أنه من المنطقي أن يتساءل الإنسان عن أهل التخصص من العلماء والكفاءات العلمية والفكرية ، تلك القامات العلمية التي لطالما نظر لها المجتمع نظرة تقدير واحترام ، وبنى عليها أملاً مستقبلياً كبيراً ، وكان لحضورها معنى ولغيابها معانٍ .
هؤلاء الذين تخصصوا في علومهم الفرعية ، حملة الشهادات العلمية العليا ، أصحاب البحث العلمي ورواد المعارف والعلوم ،أولئك الذين يملكون مفاتيح المعرفة والقدرة على التعريف والتأهيل والتكوين والتوجيه والتحليل ، ما هو دورهم الحقيقي في هذا الواقع الذي تتعالى فيه أمواج التغريب والتيه ، ويتصدر للحديث فيه جهلة وأرباع رجال وأخماس علماء وأسداس رجال !
إن من حق المجتمعات علينا كنخب مثقفة واعية احتضنتها مجتمعاتها لسنوات وسنوات أن نكون مع مجتمعاتنا الجريحة هذه في ظل الأزمات ، أن يشعر المواطن أننا مواطنون مثله ، أن يلجأ العامة لحصاد العقول التي قام كل مثقف بجمعها في مجال تخصصه ، فأهل السياسة في مجالهم ،وأهل الاقتصاد في ميدانهم ، وعلماء الاجتماع في ساحاتهم ، وخبراء الحروب في خنادقهم ،ورواد العمل الأهلي في مؤسساتهم ، بعيداً عن عالم الكسب الآني والذاتي وامتصاص دماء المجتمعات من خلال الاحتكام إلى ذوي النفوذ والسلطة والجاه طمعاً ببعض المكاسب على حساب المجموع .
إن الأمانة العلمية التي حملها الأكاديميون أمانة عظيمة ، وحمل ثقيل ولا ريب ، ولذلك على هذه النخب أن تكون مستعدة للتلاحم مع مجتمعها والوقوف معه في السراء والضراء وشدة الكروب والنوازل ، وأن لا تقف موقف المتفرج على ما يجري في العالم بانتظار أن ينقشع الضباب
إن غياب الأكاديميين اليوم عن المشهد غياب قاتل مؤلم ، واكتفاء القامات العلمية الكبرى بالكتابة في مجلة مهجورة أو صحيفة إلكترونية محدودة الأثر ، أو الاعتماد على كتاب يؤلف أو بحث علمي لا يخدم الواقع هو من باب الفلسفة التي لا طائل تحتها في ظل الأزمات ، وترف فكري لا جدوى منه ، وهو لا يعفي المثقف الأكاديمي من مسؤوليته ، ولا يعذره المجتمع في حال غيابه ، بل سيكون عليه الاستعداد لمواجهة محكمة التاريخ بعد نظرات مجتمعه التي لطالما حدقت فيه بانتظار حراكه المنشود .