إلى أي حد يمكن لقطر أن تصمد تحت ضغط المقاطَعة (تحليل)
19 سبتمبر 2017، 20:01 مساءً
وقوف السيد عادل الجبير، وزير خارجية المملكة العربية السعودية جنبًا إلى جنب، مع نَظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في الصورة الجماعيّة التي التقطت في نيويورك على هامش اجتماعات الدّورة 72 للجمعيّة العامّة للأمم المتحدة، وبحث الأزمة السورية، كانت هذهِ اللّقطة لافتةً للنّظر وتَعكس تناقضات المَوقف العربي، فالرّجلان يَقفان في خَندق واحد تُجاه هذهِ الأزمة السوريّة، وخَندقين مُتقابلين مُتصارعين في الأزمة الخليجيّة.
ثلاثة تطوّرات رئيسية تُؤكّد أن احتمالات التصعيد في الأزمة الأخيرة، أي الخليجيّة، التي انتقلت ولو جُزئيًّا إلى نيويورك، أكبر بكثير من احتمالات الانفراج، ولكن هذا لا يَعني أن الأمل مُعدومٌ تمامًا في حُدوثِ “اختراقٍ ما”.
الأول: تصاعد الضّغط السعودي على الحكومة القطريّة الذي انعكس في انشقاق أحد رُموز الأجنحة المُعارضة في الأُسرة القطريّة الحاكمة، ونَقصد بذلك انضمام الشيخ سلطان بن سحيم آل ثاني إلى مُعسكر الشيخ عبد الله آل ثاني “أمير الظّل”، ودَعمه لدعوته إلى اجتماعٍ لعُقلاء الأُسرة الحاكمة وأعيان الشعب القطري لبحث الأزمة، وكيفيّة الخُروج منها.
الثاني: الاجتماع المُتوقّع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والشيخ تميم بن حمد آل ثاني على هامش اجتماعات الجمعيّة العامّة، الذي سيتركّز حتمًا على الأزمة القطريّة، ومن غير المُستبعد أن يُطالب الرئيس ترامب الأمير القطري بالإقدام على مُبادرةٍ جديدةٍ تُجاه الدّول الأربع المُقاطِعة (بكَسر الطّاء) لبلاده، أو أن يَعمل على ترتيب اجتماعٍ لأطراف الأزمة تحت رعايته، أو وزير خارجيّته ريكس تيلرسون، لبِدء حِوارٍ يَقود إلى حل.
الثالث: المُشاورات التي أجرتها الدّول الأربع في نيويورك لبَحث الأزمة وتطوّراتها مُنذ اجتماعهم الأخير في المنامة قبل شهر، والاتفاق على خُطواتٍ عمليّةٍ جديدة.
انشقاق الشيخ سلطان بن سحيم الذي يُقيم حاليًّا في باريس، ويُعتبر عم السيدة جواهر، الزوجة الأولى للشيخ تميم وأم أولاده، ونجل الشيخ سحيم الذي احتل منصب وزير الخارجية لعدّة سنوات، وكان صديقًا للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، هذا الانشقاق يُشكّل ضربةً مُؤلمةً للحُكومة القطريّة، وللشيخ تميم شخصيًّا لا يَجب التّقليل من شأنها، وستُوسّع شَرخ الانقسام في الأُسرة الحاكمة، بدعمٍ سعودي، فهذا انشقاقٌ ليس لشخصٍ واحد، وإنّما لجناحٍ مُهم في الأسرة، كان يَشتكي من التهميش، ويُعتبر مُقرّبًا جدًّا من الأُسرة السعوديّة الحاكمة، مُضافًا إلى ذلك أن شقيق الشيخ سلطان، أي الشيخ حمد بن سحيم، يُوصف بأنه “صديق” للأمير الوالد حمد بن خليفة، وتولّى وزارة الإعلام لبِضعة سنوات، إلى جانب مناصب وزاريّة أُخرى، في عَهد الشيخ خليفة بن حمد جد الشيخ تميم قبل إطاحته في انقلابٍ أبيضٍ عام 1995.
خُطورة “حَرب الانشقاقات” هذه، وتكثيف استخدام “دعم المُعارضات” من قِبل المُعسكرين المُتخاصِمين ضد بعضهما البعض، تَكمن في كَونها تَلعب دورًا كبيرًا في تَعميق الجُروح والأحقاد بما يُؤدّي إلى الانتقال إلى مرحلة “كَسر العِظام”، وإحكام إغلاق الأبواب في وَجه الحُلول السياسيّة، وتَقديم الحُلول العسكريّة عليها بهَدف تغيير النّظام.
الزميل جمال خاشقجي الصّحافي السعودي الذي “انشق” عن حُكومة بلاده، بعد الانخراط في خِدمتها كإعلامي ومُوظّف سام، كتب مقالةً في صحيفة “الواشنطن بوست”، لمّح فيها إلى أن أكثر من 30 شخصيّةً من الشخصيات السعوديّة التي جَرى اعتقالها في الأسابيع الماضية، وتَضم أكاديميين ودُعاة واقتصاديين، وشُعراء، جَرى توجيه اتهامات لها بتلقّي أموال من دولة قطر، أو رفض دَعمها للحُكومة وسياستها في مُواجهة ما تُطلق عليه (أي الحكومة) المُؤامرة القطريّة، والسيد خاشقجي نَفسه مَعروفٌ بعلاقاته القويّة مع الدوحة، وتوصّل إلى اتفاقٍ مع حُكومتها لنقل محطّة تلفزيون “العرب” التي كان يُديرها ويَملكها الأمير الوليد بن طلال، إلى العاصمة القطريّة.
قطر مُتّهمة أيضًا بدَعم المُعارضة السعوديّة أيضًا، والوقوف خَلف الدّعوة للحِراك الاحتجاجي الذي كان مُقرّرًا يوم 15 سبتمبر الحالي، وهناك تقارير غير مُؤكّدة حول وقوفها خلف قبائل سعوديّة مُعارضة للنّظام الحاكم، مثل قبيلة آل الرشيد وآل تميم.
لا نَعرف هويّة، أو نوعيّة الخُطوة، أو الخَطوات، التي ستُقدم عليها الدّول الأربع المُخاصمة لدولة قطر، بعد عَودة وزراء خارجيتها من اجتماعات الجمعيّة العامّة، لكن يُمكن التكهّن ببعضها من خلال ما وَرد على لِسان السيد الجبير، ونَنقل هُنا حرفيًّا “إن تحالف الدّول الأربع لن يَخسر شيئًا باستمرار مُقاطعتها لدولة قطر، في حين تَخسر قطر لأنها غير قادرة أن تعيش في “قدر الضّغط” الذي وُضعت فيه تحت درجة حرارةٍ عالية، فرغم أن الميناء والمطار مَفتوحان، فإنّ سلطات قطر تشعر بالاختناق نتيجة القطيعة التي لا يُمكن أن تَحتملها”.
ما أراد السيد الجبير قَوله أن الدّول الأربع ستزيد من وضع الحَطب تحت قدر الضّغط، على أمل أن تستسلم دولة قطر وتَقبل بالشّروط الـ13 لخَصمها، ولكن لا تُوجد حاليًّا مُؤشّرات تُفيد بأنّها مُستعدّةٌ لذلك، رَغم “صفير” هذا القدر ودُخانه المُتصاعد مُنذ مِئة يوم من عُمر الأزمة، ودُخولها في المِئة الثانية، بعنادٍ أكبر على صعيد التمسّك بسيادتها ورَفض أي مَطالب تتعارض معها، ولكن لا شيء مُستبعد، والطّرفان يَظلّان يَبحثان عن السّلم للنّزول عن شَجرة الأزمة العالية التي صَعدا إليها.
هُناك فُرصة قد تكون ذهبيّة لحُدوث “انفراجٍ ما” تتمثّل في لقاء القمّة بين الرئيس ترامب والشيخ تميم في السّاعات المُقبلة في نيويورك، فالرئيس ترامب هو الذي أوعز للشيخ تميم بالاتصال هاتفيًّا بالأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، لبِدء حِوار لحَل الأزمة، ولكن هذهِ المُبادرة انهارت، ربّما للكَشف عنها وتصويرها على أنها استسلام كامل، وعدم التكتّم على تفاصيلها، وتسريبها إلى الإعلام بالطّريقة المَعروفة.
هل سيَضع ترامب الخُطوط العريضة والصّلبة لمُبادرة جديدة تُنقذ ماء وَجه جميع الأطراف بطريقةٍ لائقة، وتَفتح الطّريق أمام حوارٍ حقيقيٍّ يَنزع فَتيل الانفجار؟
لا نَملك بلورةً سحريّةً، ولا نَقرأ الطّالع، ولا نَشرب القهوة العربيّة أو التركيّة، للبَحلقة في قُعر فناجينها، وما عَلينا إلا مُتابعة حَرب دَعم “المُعارضات” والانشقاقات صُعودًا، أو هُبوطًا، بحثًا عن إجابةً شافية.
تعليق واحد