كتاب عرب
أيجوز التعاطف مع غزة؟ / فهمي هويدي
هل يجوز لنا أن نتعاطف مع غزة حين تتعرض للقصف الإسرائيلى؟.. السؤال له ما يبرره. إذ بعدما صنفت حركة حماس ضمن المنظمات الإرهابية كما ذكر وزير الخارجية السعودى، ولأن الحركة قائمة على الأمر فى غزة، وبعدما صار التعاطف مع الأشقاء جريمة يعاقب مرتكبها بالسجن لمدة تصل إلى ١٥ عاما، فليس مستبعدا أن يتهم التضامن مع غزة ضد الغارة الإسرائيلية دعما للإرهاب.
إذا اعتبرت مجرد طرح السؤال أمرا عبثيا، فأنت محق لا ريب وملاحظتك صائبة تماما. لكن التساؤل الذى ما كان له أن يخطر على قلب عربى لم يتلوث ضميره أصبح يكتسب مشروعية فى زماننا، حتى صار العبث السياسى من عناوينه البارزة. إن شئت فقل إنه السؤال المناسب للطقس السياسى المناسب. ذلك أنه حين تصبح المقاومة إرهابا فى عرف بعض التيارات العربية، وحين يصبح التعاطف مع الأشقاء جريمة تعرض صاحبها للسجن، فلماذا يستغرب تجريم التعاطف مع غزة، ولماذا لا نستبعد «تفهم» بعض العرب للتصرف الإسرائيلى، واعتباره من قبيل الدفاع المشروع عن النفس كما يقول المسئولون الأمريكيون عادة؟!
لقد صدمنا حصار بعض العرب لغزة حينا من الدهر، لكننا اعتدنا على ذلك، ولم تعد تفاجئنا النتائج الكارثية التى ترتبت عليه، إذ أسهمت فى تدمير حياة الغزيين وتعذيب المرضى وانهيار الخدمات فى القطاع. كما صدمنا حين علمنا بخبر «التنسيق الأمنى» مع الإسرائيليين، الذى كان ولا يزال تجسسا من جانب السلطة الفلسطينية على المقاومين الرافضين للاحتلال. وكان قيام قياديين فى منظمة «التحرير» بهذا الدور القذر الذى يستهدف تصفية العناصر الساعية إلى «التحرير»، تعبيرا عن شيوع العبث وانتصاره. لكن ذلك الخلل الفادح استمر وتعايشنا معه، حتى أصبح التنسيق الأمنى أمرا عاديا لا يستنكره أحد، بل صار وباء انتشر فى بعض أرجاء العالم العربى. وهو ما أعجب به الرئيس الأمريكى دونالد ترامب حين زار إسرائيل، فباركه وتمنى له الاستمرار والازدهار!.
ما ينبغى أن نلاحظه ونعترف به أن الموقف من القضية الفلسطينية ظل دائما أحد المؤشرات الكاشفة عن التدهور الحاصل فى العالم العربى. ففى البدء حظيت «المقاومة» باحتفاء عربى مشهود. ولأجل ذلك أنشئت منظمة تحرير فلسطين فى عام ١٩٦٤ لتقود الكفاح المسلح، وهو ما اعترفت به القمة العربية والجامعة العربية حينذاك. تزامنت «المقاطعة» مع المقاومة، ومن رحم هذه الأجواء ظهرت فكرة «الممانعة»، التى كانت بمثابة خطوة إلى الوراء، أجلت الكفاح المسلح لكنها ظلت عنوانا لمخاصمة العدو. بعد ذلك حدثت أولى مؤشرات الانكسار، إذ تمثلت فى اتفاقية الصلح مع إسرائيل التى عقدها الرئيس السادات فى عام ٧٩. وهذا الاختراق أفضى إلى تجميد المقاطعة وفتح باب التنازلات التى كانت مبادرة السلام السعودية من أبرز علاماتها، وحين تبنت قمة بيروت العربية المبادرة المذكورة، أضيف مصطلح «التطبيع» إلى لغة الخطاب السياسى العربى. ورغم أن التطبيع كان مشروطا فى البداية بالانسحاب الكامل من الأراضى العربية، إلا أن مؤشر الانكسار استمر فى الهبوط حتى وصلنا إلى التطبيع الخجول والمقنع ثم التطبيع المجانى وغير المشروط. والحبل على الجرار كما يقال.
الملاحظة المهمة أن ما جرى لم يكن تفريطا فى القضية وتضييعا لها، ولكنه كان تعبيرا دقيقا عن ضياعنا نحن. وإذ لا أعرف مآل المستنقع الذى صرنا فى قلبه، فإن ما أعرفه جيدا أن ما صار مهددا ليس قضية فلسطين وحدها، وإنما مصير الأمة العربية بأسرها. وهذا العبث المخيم على الفضاء العربى له رسالته البليغة التى ينبغى أن تقرأ جيدا قبل فوات الأوان.
إذا اعتبرت مجرد طرح السؤال أمرا عبثيا، فأنت محق لا ريب وملاحظتك صائبة تماما. لكن التساؤل الذى ما كان له أن يخطر على قلب عربى لم يتلوث ضميره أصبح يكتسب مشروعية فى زماننا، حتى صار العبث السياسى من عناوينه البارزة. إن شئت فقل إنه السؤال المناسب للطقس السياسى المناسب. ذلك أنه حين تصبح المقاومة إرهابا فى عرف بعض التيارات العربية، وحين يصبح التعاطف مع الأشقاء جريمة تعرض صاحبها للسجن، فلماذا يستغرب تجريم التعاطف مع غزة، ولماذا لا نستبعد «تفهم» بعض العرب للتصرف الإسرائيلى، واعتباره من قبيل الدفاع المشروع عن النفس كما يقول المسئولون الأمريكيون عادة؟!
لقد صدمنا حصار بعض العرب لغزة حينا من الدهر، لكننا اعتدنا على ذلك، ولم تعد تفاجئنا النتائج الكارثية التى ترتبت عليه، إذ أسهمت فى تدمير حياة الغزيين وتعذيب المرضى وانهيار الخدمات فى القطاع. كما صدمنا حين علمنا بخبر «التنسيق الأمنى» مع الإسرائيليين، الذى كان ولا يزال تجسسا من جانب السلطة الفلسطينية على المقاومين الرافضين للاحتلال. وكان قيام قياديين فى منظمة «التحرير» بهذا الدور القذر الذى يستهدف تصفية العناصر الساعية إلى «التحرير»، تعبيرا عن شيوع العبث وانتصاره. لكن ذلك الخلل الفادح استمر وتعايشنا معه، حتى أصبح التنسيق الأمنى أمرا عاديا لا يستنكره أحد، بل صار وباء انتشر فى بعض أرجاء العالم العربى. وهو ما أعجب به الرئيس الأمريكى دونالد ترامب حين زار إسرائيل، فباركه وتمنى له الاستمرار والازدهار!.
ما ينبغى أن نلاحظه ونعترف به أن الموقف من القضية الفلسطينية ظل دائما أحد المؤشرات الكاشفة عن التدهور الحاصل فى العالم العربى. ففى البدء حظيت «المقاومة» باحتفاء عربى مشهود. ولأجل ذلك أنشئت منظمة تحرير فلسطين فى عام ١٩٦٤ لتقود الكفاح المسلح، وهو ما اعترفت به القمة العربية والجامعة العربية حينذاك. تزامنت «المقاطعة» مع المقاومة، ومن رحم هذه الأجواء ظهرت فكرة «الممانعة»، التى كانت بمثابة خطوة إلى الوراء، أجلت الكفاح المسلح لكنها ظلت عنوانا لمخاصمة العدو. بعد ذلك حدثت أولى مؤشرات الانكسار، إذ تمثلت فى اتفاقية الصلح مع إسرائيل التى عقدها الرئيس السادات فى عام ٧٩. وهذا الاختراق أفضى إلى تجميد المقاطعة وفتح باب التنازلات التى كانت مبادرة السلام السعودية من أبرز علاماتها، وحين تبنت قمة بيروت العربية المبادرة المذكورة، أضيف مصطلح «التطبيع» إلى لغة الخطاب السياسى العربى. ورغم أن التطبيع كان مشروطا فى البداية بالانسحاب الكامل من الأراضى العربية، إلا أن مؤشر الانكسار استمر فى الهبوط حتى وصلنا إلى التطبيع الخجول والمقنع ثم التطبيع المجانى وغير المشروط. والحبل على الجرار كما يقال.
الملاحظة المهمة أن ما جرى لم يكن تفريطا فى القضية وتضييعا لها، ولكنه كان تعبيرا دقيقا عن ضياعنا نحن. وإذ لا أعرف مآل المستنقع الذى صرنا فى قلبه، فإن ما أعرفه جيدا أن ما صار مهددا ليس قضية فلسطين وحدها، وإنما مصير الأمة العربية بأسرها. وهذا العبث المخيم على الفضاء العربى له رسالته البليغة التى ينبغى أن تقرأ جيدا قبل فوات الأوان.