انسحاب إيران من الاتفاق النووي الوَشيك وإعادة فَرض العُقوبات على طِهران قد يُحوّلها إلى “كوريا شماليّة ثانية” وبِزِرٍّ نَوويٍّ وشيك وأكثر خُطورة.. ظريف رَمى الكُرة في المَلعب الأُوروبي.. والأيّام الثّلاثة المُقبلة حاسِمة
خَرجت إيران من أزمةِ الاحتجاجات الضّخمة التي استمرّت أكثر من عَشرة أيّام احتجاجًا على الأوضاع المَعيشيّة الصّعبة لتَدخُل في أزمةٍ جديدة، هذهِ المَرّة مع الولايات المتحدة الأمريكيّة التي دَعمت هذهِ الاحتجاجات علانية، وتَمنّت استمرارها حتى إطاحة النّظام في طِهران.
غدًا الجمعة من المُفترض أن يُقرّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لم يُصادِق على الاتفاق النووي مع إيران، ما إذا كان سيُعيد فَرضْ العُقوبات الاقتصاديّة التي جَرى رَفعها بعد توقيع الاتفاق، وكذلك احتمال إعلان انسحاب بِلاده مِنه، ووَقف أي التزام بِبُنوده.
إقدام ترامب على إعادة العُقوبات الاقتصاديّة يَعني وَضع الدّول الأُوروبيّة التي تَفاوضت للوصول إلى هذا الاتفاق ما يُقارِب الأربع سنوات، أمام مأزقٍ خَطير يَتمثّل في عَودة “التوتّر النووي” إلى مِنطقة الشرق الأوسط، وبِما يُهدّد الأمن الأُوروبي.
وزراء خارجيّة دُول الاتحاد الأُوروبي الذين التقاهُم التقاها السيد محمد جود ظريف، وزير الخارجيّة، في بروكسل اليوم الخميس أكّدوا تَمسّكهم بالاتفاق لأنّه وَضع إيران تحت السيطرة، وكذلك برامِجها النوويّة حسب السيدة فريدريكا موغريني، وزيرة خارجيّة الاتحاد الأُوروبي، “ويَجعل العالم أكثر أمانًا” على حَد تَوصيف بوريس جونسون، وزير الخارجيّة البريطاني.
السلطات الإيرانيّة هَدّدت بالانسحاب من الاتفاق إذا انسحبت مِنه الولايات المتحدة، وقالت أنّها جاهِزة لجَميع الخِيارات، أبرزها العَودة لتَخصيب اليورانيوم بدرجاتٍ عالية، ولا نَستبعد أن تَجد في أيِّ قرار لترامب بإعادة فَرضْ العُقوبات الاقتصاديّة مُجدّدًا “ذَريعة” للتنصّل مِنه، لأن هذا الاتفاق لم يُحقّق طُموحاتِها وتوقّعاتِها في العَودة إلى المُجتمع الدولي اقتصاديًّا، وتَخفيف حِدّة الأزمة الاقتصاديّة التي تُعاني مِنها بسبب الحِصار المَفروض عليها مُنذ ثلاثين عامًا، وكان سَببًا رئيسيًّا في غَلاء المَعيشة والاحتجاجات الضّخمة التي انفجرتْ في المُدن والبَلدات الإيرانيّة قبل أُسبوعين.
الرئيس الأمريكي ترامب مُني بهَزيمة مَعنويّة وسياسيّة كُبرى عندما فَشِل رِهانه على استمرار الاحتجاجات وتَحوّلها إلى صِدامات عَسكريّة مع قوّات الأمن الإيرانيّة، وبِما يَزيديها اشتعالاً، وزَعزعة لاستقرار إيران وحُكومَتها بالتّالي، ولذلك من غير المُستبعد أن يُقدِم على الثّأر لهذهِ الهَزيمة بإعادة فَرضْ العُقوبات والانسحاب من الاتفاق النوويّ، وإذا فَعل فإنّه كَمن يُطلِق النّار على قَدمِه، وسيُواجِه هَزيمةً أكثر قَسوةً هذهِ المَرّة، لأن إيران قد لا تَخضع لابتزازه واستفزازتِه.
الكُرة الآن في مَلعب دُول الاتحاد الأُوروبي، التي تُعارض إلغاء الاتفاق النووي حِفاظًا على أمنِها باعتبارِها جارةً لإيران ومِنطقة الشّرق الأوسط، فإذا نَجحت في إثناء الرئيس ترامب عن المُضِي قُدمًا في حَماقَتِه هذه، فإنّها تَكون أنقذت الاتفاق وأمنها واستقرارها في الوَقت نفسه، أمّا إذا فَشِلت فإنّ العَواقِب سَتكون وخيمةً عليها في المُستقبل.
وَضع السّلطة الإيرانيّة مُريح جدًّا، ولا نَستبعد أن يكون الجَناح المُتشدّد فيها الأكثر سعادة في حالِ انسحاب ترامب من الاتفاق، والشيء نَفسه يَنطبِق على مُعظَم الإيرانيين الذين خابت آمالهم فيه، وسيَجد الرئيس ترامب نفسه يُواجِه كوريا شماليّة ثانية في الشّرق الأوسط، وكيم جونغ أون أكثر تَطرّفًا في العَداء له ولبِلاده، وربّما يَملُك “كيم” الإيراني في المُستقبل القَريب زِرًّا نَوويًّا أكبَر مِن الزّر الكوري الشمالي.. والله أعلم.
“رأي اليوم”
98 تعليقات