الجنرال إذ يختبر سِحرهُ!
لا يُعرف على وجه اليقين ما دار خلف أبواب اجتماع ليلة السبت الماضي الذي نقلت الأنباء أنه جمع رئيس الوزراء العراقي بقيادات الحشد الشعبي وقيل أن زعيم فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني حضره أو على الأقل رعاه وخط مساراته، لينتج صباح الأحد تحالفاً باسم «نصر العراق»، سارعت عشرات الأحزاب إلى ركوب سفينته المتخمة، قبل أن ينفرط الإثنين بانسحاب الحشد.
سياق الصفقة، كان يشير ابتداء إلى رغبة إيرانية في إعادة ترتيب الأوراق السياسية الشيعية بما يضمن تصدر «الخط الشيعي الرابع» ممثلاً بفصائل الحشد الأكثر ارتباطاً بإيران، وأن تضحي طهران بخط نوري المالكي لإرضاء حيدر العبادي، مقابل أن يضحي هو بمقتدى الصدر وعمار الحكيم، اللذين ساهما مع مرجعية السيستاني عام 2014 في صعود العبادي إلى منصب رئاسة الحكومة.
واقع الحال، أن تلك الصفقة العجيبة التي جمعت أنداداً لطالما اتهموا بعضهم بعضاً، ضمناً وعلناً خلال الشهور الماضية، كانت بمثابة رغبة ملحة لأن يختبر الجنرال سليماني مساحة نفوذ بلاده في قرار القوى الشيعية، فقرأ الخريطة الشيعية وربما العراقية باعتبارها تقوم على رافعتين: الأولى تمثل العبادي الذي طرح نفسه زعيماً منتصراً وأعلن رغبته في استخدام هزيمة «داعش» عنواناً انتخابياً، والثانية «الحشد الشعبي» التي ستترجم ثقلها العسكري على الأرض بطاقاتٍ انتخابية على رغم دعوات المرجع الأعلى علي السيستاني إلى عدم استخدام «الحشد» سياسياً.
كان متوقعاً قبل ليلة السبت أن تجمع التحالفات الانتخابية المالكي بالحشد، والعبادي بالصدر والحكيم وبعض القوى السنية، وكان ذلك ليكون طبيعياً ومتسقاً، غير أن سياق تلك الليلة الغامضة كان مغايراً، فطهران لطالما افترضت أن بإمكانها وفي كل المراحل استحضار خبرة صانع السجاد التبريزي الهادئ لنسج الخيوط أو تفريقها، وما دام العبادي الذي يتهمه بعض خصومه الشيعة بأنه «أميركي» و «علماني متخفٍ» و «ميال للعرب» قد تحوّل رافعةً انتخابية، فلا بأس من استخدامه لرفع الخط الجديد من السياسيين الشيعة الذين يفتقر معظمهم إلى الخبرة السياسية الكافية وإلى الماكينة الانتخابية، مقابل أبعاد تيارات بدت خلال العامين الماضيين وكأنها غير متسقة مع «خط المقاومة» فتتحدث بصراحة عن تحييد العراق في الصراع الإقليمي المحتدم!
كانت المفاجئة قد فجرها مقتدى الصدر في بيان ناري مساء الأحد، حيث هاجم صفقة العبادي– سليماني، وكشف انه دُعي بالفعل إلى الانضمام إلى تلك الصفقة، وهي الدعوة التي قبلها الحكيم في اليوم ذاته، ولم تمض سوى ساعات حتى أعلنت فصائل الحشد أبطال تحالفها.
هل فعلاً وعد العبادي الجنرال بإبعاد الصدر والحكيم، ثم فاوضهما، لتخفيف الضغوط عنه، وإجبار الحشد على الانسحاب، أم أنه لم يعد أحداً بشيء؟، هل كانت واشنطن عبر ممثلها ماكغورك الذي يطلق عليه في الكواليس «سليماني أميركا» قد شاركت بالفعل في الصفقة؟ أم أنها فوجئت بها؟ هل صمت السيستاني قبولاً أم استياءً؟ هل رفض الصدر لأنه صدم بتشكيلة «طائفية بغيضة» كما قال، أم لأنه احس بنية تصفيته سياسياً؟ وهل وافق الحكيم، منسجماً مع خطة العبادي، أم قلقاً من ترتيبات الجيران؟.
لا يمكن الإجابة عن كل تلك الأسئلة اليوم، فالتحالفات والحوارات حول الانتخابات العراقية ما زالت مشتبكة وغير واضحة، بل أن الانتخابات ذاتها في مهب التأجيل، مثلما أن الطبخة التي انتجت الحكومات العراقية السابقة تمت عبر تحالفات ما بعد نتائج الانتخابات، وليس قبلها، وقد تكون محاولة حسم الأمور حتى قبل تحديد موعد الاقتراع برلمانياً مغامرة ورعونة وإهانة للناخبين وتوجهاتهم.
اختبر الجنرال سحره في تلك الليلة الطويلة، وربما جازف في محاولة إثبات أنه ما زال يمتلك تلك الطلة الأخاذة التي لا يمكن للسياسيين العراقيين مقاومتها، ناهيك برفضها، أو حتى التلاعب معها، لكنه لا يبدو مستعداً للاعتراف بقدرة العراقيين على إدارة تحالفاتهم أو صراعاتهم من دون ظلال نجوم كتفيه ونياشينه!
مشرق عباس والمقال للحياة
تعليق واحد