بوتين والعرب.. تقاطعات السلاح والمصالح
يخطئ من يظن أن تزايد نغمة الحديث عن السلاح الروسى والصفقات التى تعقدها الدول العربيه مع الدب الروسى والتى بلغت عشرات المليارات الدولارات حتى الآن ، هو محض تفوق روسى فى مجال التقنيه العسكريه على العتاد العسكرى الأمريكى صاحب الهيمنه فى المنطقه العربيه فقط ، ولكنها فى الحقيقه ليست إلا تعبيرا عن حاله فريده فى العلاقات الدوليه ، فقد أصبح السلاح هو مفتاح العلاقات العربيه الروسيه فى لحظات تاريخيه مفصليه ، ثم جاءت المصالح الإقتصاديه والإستراتيجيه كمرحله تاليه تزيد وتهبط على حسب الإحتياجات العسكريه الروسيه .
من المعروف أن الدول العربيه حتى أوائل الخمسينيات من القرن العشرين كانت عباره عن محميه طبيعيه للمصالح الغربيه لا يجوز لأى قوى خارجها أن تتدخل فى شئونها ، حتى بدأت إرهاصات الدوله الوطنيه تظهر وأصبحت هناك بوادر إراده حقيقيه فى الدول العربيه للتخلص من المحتل الغربى ( إنجلترا – فرنسا ) ، هنا بدأ الحديث عن البدايات الأولى للعلاقات الحديثه مع الدب الروسى ، فمثلا طالبت مصر بالحصول على مشتروات سلاح فى أواخرعهد الملك فاروق ولكن رفض طلبها من قبل إنجلترا ، فما كان أن تم التفكير ولأول مره فى شراء سلاح روسى ، ولكن لم تتم الصفقه نتيجة الأحداث السياسيه وحريق القاهرة ، وتأخر موعد دخول السلاح الروسى إلى المنطقه إلى ما بعد الإنعطاف التاريخى وبداية تاريخ جديد فى المنطقه مع إستقلال الدول العربيه ، والتى كانت حتى سنوات قليله بعد الإستقلال ما تزال تعتمد على السلاح الغربى ، ولكن مع تعنت الدول الغربيه مع الدول العربيه المستقله حديثا ورفضها تسليم صفقات سلاح جديده لتلك الدول فى مقابل إمداد إسرائيل بأحدث أنواع الأسلحه ، هنا كان لزاما على الدول العربيه وفى القلب مصر أن تبحث عن بديل جاهز لتعويض جيوشها من السلاح الحديث ، فكانت الصفقه الشهيره التى تمت عبر الوسيط التشيكى بين مصر والإتحاد السوفيتى – أنذاك – والتى أعتبرت بمثابة قفزه مهوله للدول العربيه فى صراعها مع إسرائيل ومع دخول عالم التسليح الحديث ، وأصبح السلاح الروسى المطلب الأساسى للدول العربيه المستقله حديثا مما مهد الطريق للمصالح الإقتصاديه الروسيه أن تتمدد فى الدول العربيه على الرغم من أن المنطقه العربيه قد وقعت بالكامل تحت النفوذ المريكى الوريث الغربى بعد الحرب العالميه الثانيه . ولكن دخول السلاح الروسى أصبح عبئا على المصالح الغربيه والأمريكيه فى المنطقه فكانت حرب يونيو1967 بين العرب وإسرائيل التى كان من ضمن أسبابها عدم السماح للعرب بإمتلاك سلاح روسى متقدم وإخراج الروس من المنطقه ، ولكن قامت روسيا بتعويض الدول العربيه عن خسائر السلاح بكميات كبيره جدا تعادل إعادة تسليح جيوش بأكملها . حتى وصلت الدول العربيه إلى حرب أكتوبر 1973 وحدث الإحتكاك المباشر بين السلاح الأمريكى والروسى على أرض المعركه فى سيناء وحدث أن تقاطعت خطوط السلاح الروسى الذى يمد مصر بالسلاح وقطع الغيار مع خط الإمداد الأمريكى لإسرائيل بنفس الكيفيه فوق مياه البحر المتوسط ، وأنتهت المعركه بتفوق واضح للسلاح الروسى على الأمريكى وإنتصارا للقضايا العربيه فى مواجهة أمريكا وإسرائيل . ولكن مع إنتهاء العمليات العسكريه فقد بدا أن هناك تحالفا عربيا أصبح لا يرغب فى وجود روسيا فى المنطقه بل وتقليل الإعتماد على السلاح الروسى فى مقابل زيادة الطلب على السلاح الأمريكى ، بل وجرى التخلص من مخزونات السلاح الروسى دعما للأفغان فى محاربتهم للروس أنفسهم ، وكما جرى من تقليل الإعتماد على السلاح جرى تقليل التعاون الإقتصادى إلى حدود حرجه .
ومع إنهيار الإتحاد السوفيتى فقد بدا أن هناك دوله وريثه له ستنتهج نهجا مغايرا يعتمد على لغة المصالح بعيدا عن الإيديولوجيا وهى روسيا الإتحاديه ، وأتسمت العلاقات العربيه الروسيه الجديده بنوع من التباعد والنفور ربما خوفا من النفوذ الأمريكى أو عدم إدارك العرب لحدود القدره الروسيه الجديده ، حتى تكررت اللحظه التاريخيه وأصبحت المنطقه والعالم مع إنعطافه تاريخيه جديده مع إندلاع ثورات الربيع العربى 2011 والتى أحدثت إختلالات جوهريه وعميقه فى العلاقات الإستراتيجيه فى المنطقه ، مما أشعل الصراع العسكرى فى دول المنطقه مع تراجع للدور الأمريكى الأمر الذى حدا بروسيا إلى أن تاخذ الأمور بمحمل الجد وتتدخل عسكريا للدفاع عن مصالحها فى آخر معاقلها فى المنطقه العربيه فى سوريا بعدما فقدت موطأ قدمها قبل الأخير لها فى المنطقه مع سقوط نظام العقيد القذافى فى ليبيا تحت ضربات الناتو . وأصبح الحديث عن السلاح الروسى الداعم للقضايا العربيه والذى يقف ضد محاولات غربيه وأمريكيه لتقسيم المنطقه هو الشغل الشاغل للمواطن العربى الذى أثارت تكنولوجيا السلاح الجديد فى نفسه ذكريات لمواطن إنتصارعلى العدو متعدده ، وهنا عادت الصفقات السلاح الروسيه تطال تقريبا كل الدول العربيه بمنظوماتها المختلفه وأصبح الحديث عن صفقات سلاح ضخمه هو أمر عادى ، بل ودخل السلاح الروسى مناطق تسليح كانت حكرا على السلاح الأمريكى فى دول الخليج العربى ,
وكما كان السلاح قديما مقدمه للتعاون الإقتصادى والإستراتيجى ، كمشاريع السد العالى والحديد والصلب ومشروعات أخرى فى المنطقه ، أصبح الأن الحديث عن التعاون فى بناء المحطات النوويه الروسيه فى الدول العربيه كتتويج لمشاريع إقتصاديه أخرى تدعم النفوذ الروسى المتنامى فى المنطقه ، وتقاطع السلاح الروسى ومصالحه مع تقاطع السلاح الأمريكى ومصالحه فيما يبدوا أنه مقدمه لصدام قادم لا ندرى إلى الأن اين سيجرى إختبار قدرات وكميات السلاح الروسى الجديده فى المنطقه .
ويبقى السؤال هل سيسمح الرئيس الروسى بوتين بتكرار نفس السيناريو القديم ويترك للعرب حرية الإختيار مرة أخرى ويتركون السياسه الروسيه فى العراء بعدما وضعهم السلاح الروسى على أرضيه صلبه فى مواجهة أعداؤهم أم ستكون تقاطعات السلاح والمصالح الروسيه مع السلاح والمصالح الأمريكيه هو مقدمه لوجود روسى ممتد يعتمد على إستراتيجيه واضحة المعالم أم الإكتفاء بوجود على سواحل سوريا دونما الإهتمام بباقى المنطقه العربيه .
إلى قادم الأيام
ياسر رافع والمقال لرأي اليوم
113 تعليقات