الأسد عدوّ لعدوّ السوريين / حازم الامين
أصاب إسقاط الطائرة الإسرائيلية معارضين سوريين وغير سوريين للنظام السوري بإرباك كبير، ذاك أنهم يزعمون انهم يحبون أن تسقط طائرة إسرائيلية، لكنهم لا يشعرون بالارتياح لقيام النظام السوري بإسقاطها. عدو عدوهم ليس صديقهم، لا بل هو عدوهم أيضاً، وهذه معضلة يجب تفكيكها، والخلوص منها بنتائج.
المعارضة تزعم أن نظام البعث مخاتل في عداوته لإسرائيل، وهو لا يريد قتالها بقدر ما يريد قتال الشعب السوري. وهذا زعم فيه من الصحة قدر كبير، وثمة قرائن لا تحصى لإثباته. لكن، في مقابل هذه القرائن ثمة قرائن أخرى تكشف عن عداوة بين النظام وإسرائيل، وآخرها إسقاط طائرة الـ «أف 16» يوم أول من أمس. فهل يعني ذلك أن معارضي بشار الأسد خسروا جولة في السجال، وبالتالي في الحرب عليه؟ وهل يغفر للأسد ذنوباً إسقاطُ طائرة لإسرائيل؟
يبدو أن الوعي المعارض الذي لم يرق له سقوط الطائرة الإسرائيلية على يد عدوه، أي الأسد، يشعر أن الأسد كسب جولة في إسقاطه الطائرة! كثيرون منهم قالوا بالأمس أنهم ضده «حتى» لو حرر القدس، وهذه الـ «حتى» كاشفة وتنطوي على قدر كبير من المعاني. فهي ألغت، بحسب مطلقيها، شرطاً يعتقدونه شارطاً وملازماً لأنظمة الشر. فهل يعقل أن يُسقِط شرير طائرة إسرائيلية؟ لكنه فعلها أول من أمس! فما العمل؟
نظام البعث نظام شرير ودموي وقاتل، لكنه أقدم على إسقاط طائرة إسرائيلية. هذه معضلة كبرى سقط فيها وعي يعيش فصاماً هائلاً بين حقيقة أنه ضحية هذا النظام الجائر، وبين عيشه في صلب الموقع الذي حدده له هذا النظام. فالبعث قال لمعارضيه السوريين أنا على حق، وأنتم عملاء لإسرائيل، فجاءت «حتى» كاستجابة لدعوة النظام إلى الرقص في حلبته.
والحال أن النظام في سورية جعل من قضية صراعه مع إسرائيل ديدن حكمه وموضوع تسلّطه على السوريين. علق المجتمع وقضى على أي خصم في الداخل مستحضراً هذا الصراع، وعاش الناس في سورية حال طوارئ منذ خمسة عقود، منتظرين حرباً لم تقع على هذا العدو. لكن النظام، وفي سياق مساعيه المتواصلة لقتل أي رغبة لدى السوريين في أن يكون بلدهم طبيعياً، أنشأ حالاً من العداء الواقعي المعلق مع إسرائيل، سقط خصومه في الداخل ضحيته. فالنظام مثلاً قاتل الإسرائيليين في لبنان عبر مساعدة «حزب الله» على قتالهم، وهذا كان جزءاً من رعايته مصالحه في لبنان وفي سورية. في حرب تموز (يوليو) 2006 كان للنظام في سورية دور في تحصين موقع من يقاتلون إسرائيل. فهل الاعتراف بهذا يمثّل اعترافاً بشرعية النظام؟
بعد أكثر من نصف مليون قتيل سوري تسبّب النظام بمقتل معظمهم، ما زال صعباً نقل الصراع مع النظام إلى خارج الحلبة التي حددها لخصومه. الصراع مع إسرائيل مصدر رئيس لشرعيته، وما على الخصوم إلا إثبات عدم إخلاصه لهذا الصراع. واحتمال فشلهم في هذه المهمة كبير، ذاك أن المصالح والأحلاف التي تحرك النظام وضعته فعلاً في مواجهة إسرائيل. قد يكون في موقع الضعيف والمتردّد والخانع في هذا الصراع، لكنه في موقع الصدام مع الـ «عدو»، وهو في أحيانٍ كثيرة في موقع المستهدف من هذا العدو.
النظام ومنذ استيلائه على السلطة تقمّص الدور الصراعي لمعرفته بقدرة هذه القضية على مده بـ «شرعية» تخوله قتل أي محاولة للتشكيك بحقه في السلطة. وأول من أمس، عندما أسقط الـ «أف 16»، جدّد «شرعية» ساعده عليها هذه المرة ضحاياه، ذاك أنهم هبّوا هبّة الرجل الواحد مستهولين إسقاطه الطائرة وعاجزين عن دحض الاعتراف الإسرائيلي بسقوطها.
المأساة السورية أكبر من هذه المعضلة. جريمة النظام أكبر من جريمة إسرائيل. الإحصاءات تقول ذلك، والحقائق وحجم الدمار وعدد النازحين. والقضية السورية اختبار أخلاقي يفوق بحجمه أي اختبارٍ في المنطقة. وما لم يؤمن السوريون بذلك، فإن قدرة النظام على اجتراح شرعية من خارج سورية ستبقى قائمة، وسيجدد البعث حكمه لهم، ودليله على «حقه» بحكمهم أنه عدو لعدوهم.