اعتداء واغادوغو … ورأس الأفعى
أتى هجوم واغادوغو يوم الجمعة، ليعزز مخاوف أمنية لدى الأجهزة في الدول المجاورة من معلومات يتم تداولها عن نشاط غير اعتيادي لمسلحين متشددين يتلقون دعماً من تنظيمات إرهابية ويتحركون في المنطقة الممتدة من جنوب ليبيا إلى مالي وموريتانيا مروراً بالنيجر. وكانت الأجهزة الأمنية المصرية الأكثر وضوحاً وشفافية في الأيام الأخيرة بتحذيرها من موجة هجرة محتملة لمسلحي تنظيم «داعش» من سورية والعراق إلى شمال أفريقيا ومنطقة جنوب الصحراء، مستغلين فوضى أمنية واسعة في ليبيا وبؤر مشبوهة في سيناء.
شهدت بوركينا فاسو سلسلة هجمات في السنتين الماضيتين، لعل أبرزها اعتداء على مطعم تركي يرتاده أجانب أواسط آب (أغسطس) الماضي، في المنطقة ذاتها التي كانت الجمعة، مسرح هجمات متزامنة استهدفت السفارة السفارة الفرنسية ومباني رسمية، من بينها مقر قيادة الجيش. لكن المحققين في واغادوغو تحدثوا هذه المرة عن «درجة تنظيم مميزة» في هجوم أول من أمس، ما يدل على أن منفذيه تلقوا تدريبات باحترافية عالية.
ولعل الهجوم الذي استهدف قوات بوركينية نظامية على الحدود مع مالي وأدى إلى مقتل 12 من عناصرها في اشتباكات مع مسلحين متشددين، يشير بوضوح إلى مصدر الدعم التنظيمي واللوجيستي للمسلحين الذين نقلوا في ما يبدو مسرح نشاطهم بعيداً من مركز عملية «برخان» الفرنسية لمكافحة الإرهاب في تمبكتو وضواحيها، ولجأوا جنوباً نحو مناطق صحراوية أكثر وعورة. ووقعت على كاهل قوات فرنسية موجودة في واغادوغو، مهمة الدفاع عن السفارة وصد المهاجمين.
ولا شك في أن فرنسا فهمت الاعتداء على أنه رسالة رد على اجتماع دولي عقد في بروكسيل قبل أيام، تعهد خلاله المشاركون بتخصيص مبالغ ضخمة لدعم قوة مشتركة لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل تشارك فيها دول المنطقة الخمس: بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، وتدعمها فرنسا بأربعة آلاف جندي.
كانت لدى المصالح الأميركية والأوروبية في بداية الألفية، طموحات بإقامة مرافئ ومناطق تجارة حرة على ساحل البحر الأبيض المتوسط لتدشين حركة نقل بضائع براً من شمال القارة السمراء إلى جنوبها، لكن السحر انقلب على الساحر وتحولت الطرق ذاتها التي كان مأمولاً تعبيدها للتبادل التجاري، إلى ممرات غير شرعية لحركة عصابات الإتجار بالبشر والمخدرات والأسلحة في اتجاه معاكس صعوداً، حتى اضطرت إيطاليا إلى الاستعانة بقوتها البحرية لصد طوفان بشري من لاجئي القوارب عبر المتوسط في اتجاه شواطئها. وفي هذا المشهد، استعادة لاستراتيجية استخدمها العقيد معمر القذافي مرات عدة في التسعينات للضغط على الغرب بإغراق شواطئ الحوض الشمالي للمتوسط بموجات من طالبي الهجرة غير الشرعية من دول أفريقية معدمة. لا بل أضيف إلى المشكلة تدفق لاجئين فارين من أتون الحرب في سورية والعراق عبر بحر إيجة، الأمر الذي فرض على الأوروبيين الخضوع لمساومات تركيا من أجل إغلاق حدودها وإبقائهم على أراضيها. غير أن المشكلة قد لا تقتصر على اللاجئين إذا أخذنا في الاعتبار تسلل إرهابيين بينهم.
ولا يزال تجاوب عواصم الغرب مع تمدد حركة الإرهاب بالتوازي مع نشاطات المنظمات الإجرامية، كمن يبحث عن رأس الأفعي فلا يجد سوى ذيلها.
مسؤول أمني مصري بارز تحدث إلى «الحياة» قبل يومين عن «عودة لافتة لنشاط تنظيم داعش الإرهابي في الأراضي الليبية»، وشدد على أن الأمر «يؤكد صحة الترجيحات الأمنية بأن عناصر التنظيم تقوم بحركة عابرة للحدود بهدف الانتقال من معاقله الرئيسية في سورية والعراق إلى الصحراء الجنوبية لليبيا، وبعض البؤر الرخوة في أفريقيا»… وهذا تحذير يستحق بلا شك التوقف عنده.
سمير السعداوي- المقال للحياة