حدود الرهان على القمة المرتقبة بين ترامب وكيم
يترقب العالم باهتمام بالغ انعقاد القمة التي تعد الأولى من نوعها بين أميركا وكوريا الشمالية، منذ انتهاء الحرب الكورية عام 1953 بتوقيع اتفاق هدنة وليس معاهدة سلام، ما أبقى أطرافها قانونياً في حال حرب حتى اليوم. فبينما تتطلع واشنطن وحلفاؤها في طوكيو وسول إلى أن تمهد تلك القمة لنزع أسلحة بيونغيانغ النووية والصاروخية، تأمل الأخيرة بانتزاع ضمانات أمنية واقتناص حوافز ومساعدات اقتصادية، علاوة على إنهاء عزلتها الدولية.
وحرص ترامب منذ مجيئه إلى البيت الأبيض على أن يرتكن موقفه حيال كوريا الشمالية على تشدد لافت إزاء نظامها. ومن ثم، اعتبر الرئيس الأميركي أن دعوة نظيره الكوري الشمالي للحوار إنما انبعثت من وطأة الحصار الأميركي والدولي الخانق لبلاده عبر عقوبات وصفت بالأقسى من نوعها في التاريخ الحديث، فضلاً عن تهديد ترامب بمحوه وبلاده من الوجود إذا فكَّر في الاعتداء على الولايات المتحدة. فقبل نهاية العام الماضي، ورداً على إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً عابراً للقارات، أقرّ مجلس الأمن الدولي، الحزمة الثالثة والأشد قسوة من العقوبات على بوينغيانغ، بموجب مشروع قرار أميركي ينص على إعادة عشرات الآلاف من العمال الكوريين الشماليين في روسيا والصين إلى بلادهم قبل نهاية العام 2019، والذين يشكلون مصدر دخل لا يستهان به لاقتصاد البلاد الذي أنهكته العقوبات، كما يتيح لجميع الدول مصادرة وتفتيش وتجميد وحجز أي شحنة بحرية يشتبه في احتوائها على مواد غير قانونية من وإلى بيونغيانغ، وهي العقوبات التي من شأنها أن تخنق الاقتصاد الكوري الشمالي كما تقلص من المخزون النفطي الحيوي لبرنامجي بيونغيانغ الصاروخي والنووي، خصوصاً بعدما طالب ترامب نظيره الصيني شي جينبينغ بوقف تزويد كوريا الشمالية بالنفط.
وإبان حوار أجرته لقناة «سي أن أن» قبل نحو عام، أعلنت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، أن واشنطن لا تنوي العودة إلى المفاوضات السداسية مع كوريا الشمالية، معتبرة أنها غير فعالة. ولفتت هايلي إلى أن واشنطن تعتزم بدلاً من ذلك مناشدة روسيا والصين لإرغام كوريا الشمالية على التخلي عن مساعيها الرامية إلى تطوير برامجها النووية والصاروخية. ورداً على سؤال حول إمكان توجيه ضربة استباقية إلى كوريا الشمالية في حال لم تضغط موسكو وبكين على بيونغيانغ، أكدت هايلي أن بلادها تضع الخيارات كافة على الطاولة.
وبينما أكد ترامب أن العقوبات لن ترفع عن بيونغيانغ حتى يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بين الطرفين يكفل تخلي الأخيرة عن برامجها النووية والصاروخية، أعلنت الناطقة باسم البيت الأبيض إن ترامب لن يعقد القمة المرتقبة مع نظيره الكوري الشمالي قبل أن يرى خطوات وأفعالاً إيجابية من جانب ذلك الأخير، جاءت موافقة ترامب على لقاء القمة بعدما تعهد الرئيس الكوري الشمالي بوقف إجراء التجارب النووية والصاروخية طيلة مدة المباحثات. وفي السياق ذاته، أتت إشارات مستشار الأمن القومي الكوري الجنوبي، تشونغ أوي يونغ عقب محادثات أجراها مع كبار المسؤولين الكوريين الشماليين، إلى تأكيد بيونغيانغ رغبتها في نزع سلاحها النووي، انطلاقاً من قناعتها بعدم وجود مبرر لحيازته إذا انقشعت التهديدات التي تتربص بأمن كوريا الشمالية وتلاحق نظامها.
وعلى رغم ما تنطوي عليه دعوة رئيس كوريا الشمالية نظيره الأميركي للقاء والحوار المباشرين ومسارعة الأخير للترحيب، من إشارات إيجابية، تبقى تلك الفرصة التاريخية النادرة، والمفاجئة في آن، محفوفة بالتحديات، التي يمكن أن تقلص سقف التوقعات بشأن جدواها. فمن جهة، تطل برأسها خبرات بيونغيانغ المريرة في نقض الالتزامات والحنث بالتعهدات الدولية والالتفاف على الجهود الأميركية في إقناعها بالتخلي عن ترسانتها الصاروخية وأسلحتها النووية. كما يشكل إصرار كوريا الشمالية على ضرورة سحب الولايات المتحدة قواتها المتمركزة في شبه الجزيرة الكورية منذ عام 1953، حجر عثرة أمام نجاح أية مفاوضات لتسوية الأزمة. كذلك، لم تكن تجربة المفاوضات السداسية التي استضافتها الصين من 2003 إلى 2009، لإقناع بيونغيانغ بالتخلي عن سلاحها النووي، مثمرة. فما كادت كوريا الشمالية توافق على تجميد برنامجها النووي، حتى تعثرت العملية التفاوضية في نيسان (أبريل) 2009، بعدما أجرت بوينغيانغ تجربة صاروخية دفعت مجلس الأمن الدولي إلى فرض عقوبات جديدة عليها، الأمر الذي حضّها على استئناف عمليات معالجة قضبان الوقود النووي المستنفد لإنتاج البلوتونيوم الذي يمكن استخدامه في صنع الأسلحة النووية إلى جانب اليورانيوم المخصب، كما طردت مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقاطعت المحادثات السداسية، وأعلنت إعادة تشغيل جميع منشآتها النووية، وجمّدت الحوار مع الولايات المتحدة.
ولم تحل قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة والتي شددت العقوبات الدولية ضد كوريا الشمالية، دون إجراء الأخيرة قرابة تسعين تجربة نووية جديدة مكّنتها من تخصيب اليورانيوم بنسب تخولها إنتاج قنابل نووية بالتوازي مع الاعتماد على البلوتونيوم، فضلاً عن اختبار قنبلة هيدروجينية وإجراء عشرات الاختبارات على عدد من الصواريخ البالستية متعددة المديات. وهو الأمر الذي غذى المخاوف الدولية من أن تكون دعوة بيونغيانغ، المقلقة وغير المتوقعة، إلى حوار مع واشنطن محاولة جديدة من قبل نظامها الغامض والمراوغ لكسب الوقت الذي يمكنه من استكمال مساعيه الرامية إلى امتلاك قدرات نووية وصاروخية تتيح له شن هجوم صاروخي نووي ضد الأراضي الأميركية.
وبرأسها تطل الإشكالية المتعلقة بمدى جهوزية إدارة ترامب للاضطلاع بهذه المهمة الشاقة على النحو الأمثل وبما يحمل بيونغيانغ على نزع أسلحتها النووية والصاروخية. ففي مقابلة لها أخيراً مع صحيفة «الغيمين داغبلاد» الهولندية الشعبية، حذرت هيلاري كلينتون من الأخطار التي قد تتمخض عنها القمة المرتقبة بين ترامب وكيم، في ظل افتقاد الإدارة الأميركية الحالية لديبلوماسيين متخصصين وملمين بتفاصيل وخبايا القضايا والملفات ويعرفون الكوريين الشماليين ويجيدون لغتهم ويمتلكون الخبرة اللازمة لإدارة محادثات مثمرة معهم. ولفتت كلينتون إلى أن وزارة الخارجية الأميركية «تتآكل» وسط تقلص أعداد الديبلوماسيين ذوي الخبرة في الملف الكوري الشمالي بعد استقالة العديد منهم من مناصبهم. وفي السياق ذاته، رأى المندوب الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة بيل ريتشاردسون، أن التفاوض مع كوريا الشمالية، يعد فرصة تاريخية، لكنه يبقى محفوفاً بالأخطار، ما لم يعد له جيداً.
وبعدما هرول ترامب لاستقبال مستشار الأمن القومي الكوري الجنوبي تشونغ يوي- يونغ، الذي جاء إلى البيت الأبيض حاملاً دعوة من الرئيس الكوري الشمالي للقاء والحوار، لم يتورع الرئيس الأميركي عن إظهار شغفه للقاء نظيره الكوري الشمالي في أقرب وقت ممكن، من دون تفكير أو حتى تشاور مع مستشاريه وطاقمه الرئاسي، غير أن الكوريين الجنوبيين نصحوه بالتريث وتأجيل موعد القمة المزمعة إلى ما بعد انعقاد القمة المرتقبة بين رئيسي الكوريتين الشهر المقبل، والتي سيكون لمخرجاتها إلى جانب اعتبارات ومعطيات أخرى، دور محوري في تحديد ملامح القمة التاريخية المنتظرة.
بشير عبدالفتاح – كاتب مصري والمقال للحياة