كتاب عرب
اتفاق سري: عفرين مقابل الغوطة الشرقية؟
منذ بدء العملية العسكرية التي اطلقها الجيش العربي السوري في الغوطة و قبل و بعد تباكي مؤسسات الامم المتحدة على اهل الغوطة فتح الجيش السوري معابراً لاجلاء المواطنين الراغبين بالخروج بعدة معابر منها الوافدين و حمورية و لكن لم يسجل خروجاً للمواطنين الا عندما نضج الاتفاق بين تركيا الراعي للمجموعات في الغوطة و النظام السوري. فما الشواهد التي دفعتنا لهذا الاستنتاج؟
اولاً، بدء توافد المواطنين و سماح المسلحين لهم بالخروج تزامن مع خروج المدنيين من عفرين بعد ما يقارب الخمسة عشر يوماً على فتح الجيش المعابر منذ ساعات الصباح حتى الثانية ظهراً و بعد ما يقارب الخمسين يوماً على بدء عملية غصن الزيتون التركية، كان فيها العفرينيون ثابتون و واثقون من انفسهم.
ثانياً، و منذ بدء الاحداث السورية، خرج النطام من عفرين و سلم مقراته لوحدات الحماية بعد اتفاق على ما يظهر، اخلّ به الجانب الكردي حسب وجهة نظرنا و حاول اعتماد نظام جديد على المدينة و على ريفها(وفق تقارير اعلامية من المدينة)، نظاماً كان سيصعب على الدولة السورية تغييره و انتزاعه الا بتفريغ المدينة من جديد و تدمير الاركان التي بنيت عليها و اتلاف القوانين و هذه طبعاً مهمة سهلة للمجموعات المسلحة التابعة لتركيا و التي دخلت مع جيشها الى المدينة و لها، اي تلك المجموعات، تاريخ حافل تشهد له العديد من المدن و البلدات السورية.
ثالثاً، ان عفرين و ريفها،كما و كل منطقة غرب الفرات، لم تستطع ان تصله اليد الاميركية بشكل عسكري مباشر، لذا فانه من السهل على الدولة و على تركيا تغيير وجه المنطقة السياسي، ولا نقول ان التغيير سيكون ديموغرافياً ، فلا نعتقد انه بامكان اي جانب تغيير ديموغرافية المنطقة. كل ما في الامر ان مصلحة تركيا،و سوريا ايضاً، هي بان ترجع الامور الى ما قبل العام ٢٠١١.
رابعاً، ان عفرين كانت منطقة خالية من اي وجود عسكري او امني سوري، بعكس الحسكة مثلاً او القامشلي فالوجود الامني السوري ما زال قائماً و ما زالت الدولة تمارس سلطتها الامنية هناك بغض النظر عن وجود بؤر امنية و مربعات لوحدات الحماية، كفرض رسوم و اعطاء رخص قيادة … الخ بعكس عفرين.
خامساً، ان عفرين هي منطقة ذات اغلبية ساحقة كردية عكس الحسكة و القامشلي و ريفيهما لذا و بعد اعلان الاكراد فيدراليتهم سيكون ارجاع الامور الى حالتها الاولى من الصعب تحقيقه الا من خلال خلط الاوراق.و خلطها لم و لن يكون الا من خلال تدخل تركي فالدولة لا تستطيع محاربة مواطنيها اذا لم يشهروا سلاحاً تجاهها و لن يكون من السهل على الدولة ان تفرض سلطتها الا بالقوة و لن يقبل بذلك الرأي العام العالمي.
سادساً، لم يدخل الجيش العربي السوري على خط المواجهة و لم يزج بقواته الى المدينة و هذا حقه الطبيعي بالمدافعة عن ارضه و ان المجموعات الشعبية و بعددها المتواضع لن تمثل الجيش السوري كما يمثل الاخير نفسه. كما ولم يكن هنالك غطاءاً جوياً روسياً لها و لا للاكراد كما يفعل عادة مع حلفائه بدليل على ان النظام يريد لتركيا المصي قدماً بعمليتها العسكرية.
كل الشواهد تدعونا الى استلخاص التالي: هنالك اتفاقات سرية في آستانا حول عفرين برعاية المارد الروسي، الذي احسن التخطيط و يحسنه في سوريا، ستكون الدولة السورية و النظام فيها هما الرابح الاكبر من خلال تأمين عاصمتها و ايقاف القذائف التي كانت تنهال عليها بين فترة و أخرى و فتح العاصمة على ريفها اقتصادياً و اجتماعياً و امنياً و توسيع رقعة سيطرة الدولة و تامين المطار و المرافق الحيوية. اما عن عفرين فنعتقد بان الاتفاقات و المصالحات ستطالها و أن تركيا ستخرج منها، بعد ان تثبت مواقع مسلحيها ليصار الى المصالحة مع نظامهم كخطوة ثانية و برعاية روسية. أما الخاسر الاكبر، كما توقعنا قبلُ، هم الاكراد الذين حلموا باستقلال فعلي او ذاتي. فهل جنت على نفسها براقش؟ و هل ستصدق توقعاتنا؟ و هل سيعطي ذلك دفعاً معنوياً للجيش السوري و للنظام باسترجاع كامل التراب السوري؟ و ماذا عن الرقة او حتى عن الجنوب؟ اسئلة سيكشفها القادم من الايام. أما المؤكد ان الرياح تمشي بما تشتهيه سفن النظام السوري و ان التاريخ سيثبت بان الكف الروسي حليفاً افضل من الكف الاميركي ، قديماً بما قبل و بعد حرب تشرين الى يومنا هذا!
يعقوب الاسعد والمقال من رأي اليوم