ملاحظات على “جيش الإسلام ” وتجربته في الغوطة الشرقية
تكاد تطوى صفحة جيش الإسلام في الغوطة الشرقية، فمع الساعات الأولى ليوم الأول من نيسان تناقلت جميع وكالات الأنباء توصل روسيا لاتفاق مع هذا الفصيل الذي حكم أجزاءً واسعة من غوطة دمشق الشرقية منذ نهاية العام 2011 وحتى اليوم.
الإتفاق الذي توصل اليه الروس مع جيش الإسلام يبدو إلى الأن أنه جزئي وغير شامل، إذ مازالت المعلومات متضاربة حول مصير مقاتلي التنظيم ، خصوصاً مع رفض تركيا والفصائل المتحالفة معها من أحرار الشام وجبهة النصرة وفيلق الرحمن اسستقباله في مناطق سيطرتهم شمال سوريا في إدلب وريف حلب.
لكن بعيداً عن مجريات ماتحمله الأيام المقبلة لتنظيم جيش الإسلام ومقاتليه، فإن حاجة ماسة تقودنا لتناول تجربة هذا التنظيم بشئ من الشمول، خصوصاً وأنه يكثف بذاته تجربة بقية الفصائل الإسلامية التي حكمت مناطق عديدة من سوريا. وتبدو أهمية هذا التناول وضرورته في أن جيش الإسلام غير مدرج كتنظيم إرهابي على قوائم الأمم المتحدة على غرار جبهة النصرة وتنظيم داعش. وبالتالي، كان جيش الإسلام ومازال يُقدم في الغرب على أنه نموذج مقبول ومدعوم من قبلهم مباشرةً أو مداورةً. فاذا استثنينا جبهة النصرة وتنظيم داعش، فإن بقية الفصائل الإسلامية التي تقاتل الحكومة السورية توضع كلها في سلة واحدة من قبل الغرب وتركيا والخليج ، على أنها ” الجيش السوري الحر” الذي يحارب الحكومة الديكتاتورية ويحارب الإرهاب الداعشي وجبهة النصرة، هذا في الوقت الذي لم يخف فيه جيش الإسلام فكره ونهجه الذي يحارب ويعادي الديمقراطية والحريات بأنواعها وصولاً إلى هدفه بقيام دولة دينية في سوريا.
لقد استفاد جيش الإسلام ونظرائه من فصائل إسلامية من هذه الإزدواجية الغربية/الخليجية في التعاطي مع الملف السوري. فرغبة تلك الدول باسقاط النظام جعلها تتعامى قصداً عن الهوية الأيديولوجية لأي بندقية تحاربه. لكن ومنذ أواسط العام 2012 تباعاً ، لم يعد بمقدور تلك الدول التعامي أمام نفسها وأمام الرأي العام الدولي الذي بات يأخذ بعين الإعتبار حجم وتمدد الفصائل الإسلامية التي تحمل مشروعاً لاديمقراطياً ولاتقدمياً بكافة المعايير بما في ذلك معايير منطقة الشرق الأوسط وماتوصلت إليه شعوبها التي لايناسبها تمكن تلك الفصائل من الحكم في سوريا. لذلك قامت تلك الدول باتباع سياسة التمويه، إذ لايمكنها وهي تريد اسقاط الأسد اعتبار كل من يقاتله ارهابياً ، فكان أن تم اختصار الأمر بجبهة النصرة وتنظيم داعش، و وفق ذلك تستطيع تلك الدول مواجهة الرأي العام الداخلي فيها وإيجاد مادة تساعد البروباغندا خاصتها التي مفادها: الجهاد الإسلامي الرجعي يتجلى فقط بداعش وجبهة النصرة ونحن نحاربه، وماعدا ذلك هي فصائل معتدلة تريد إسقاط الأسد لإحلال الديمقراطية وحقوق الإنسان الخ. وكانت هذه السياسة الغربية كانت إلى جانب ذلك أيضاً تهدف لتقديم تنازلات أمام الطرف الروسي في المعادلة السورية. فالضغط من أجل عدم استهداف مناطق خارج سيطرة الحكومة السورية كان يتطلب من الطرف الأميركي الإتفاق على لوائح إرهاب محددة، وهي ماكانت تجد في داعش والنصرة ضالتها.
من هنا، فقد تمتع جيش الإسلام ونظرائه على امتداد الجغرافية السورية بهامش مناورة كبير، وبغطاء دولي جعل من اي استهداف كبير لهم بمثابة خط دولي أحمر تتحاشه الحكومة السورية وحليفها الروسي، خصوصاً في حالة جيش الإسلام كونه متمكن من مناطق هي تماماً في خاصرة العاصمة دمشق وعلى مرمى صاروخ هاون من القصر الجمهوري ومؤسسات الحكم، وهذا تماماً مايحتاجه الغرب لزيادة الضغط على الحكومة وحليفهم الروسي. وبالنهاية، فقد تمتع جيش الإسلام وبسبب من هذه السياسة الغربية برفاهية العيش دون هاجس الإجتثاث والمعارك المصيرية كما كان حاصلاً في الشمال السوري.
إن هذه السياسة الغربية مزدوجة المعايير، وان كانت واضحة للمراقبين، إلا أنها لم تظهر للعلن بشكل فاقع إلا ذات تصريح لجون كيري وزير خارجية الرئيس الأميركي باراك أوباما في دورته الثانية. ففي تموز من العام 2016، تحدث كيري عن هذه السياسة خلال مؤتمر صحفي في مدينة آسبن الألمانية، لكن بدل أن يقتصر حديثه عن جبهة النصرة وداعش، فقد أضاف إليهما كل من جيش الإسلام وأحرار الشام كمنظمتين إرهابيتين تعتبران فروعاً لداعش والنصرة. هذه الإضافة من قبل كيري جعلت البيت الأبيض يحتد ويتخبط محاولاً مداراة الموضوع. وقد نقلت عقب ذلك صحيفة الواشنطن بوست في مقال رأي لـ ” جوش روغين ” عن مسؤولين اثنين في إدارة أوباما يعملان على الملف السوري، قولهما أن تصريح كيري في آسبن لا يعبر عن سياسة البيت الأبيض الذي لايعتبر جيش الإسلام وأحرار الشام تنظيمين إرهابيين ، وأن تصريحه يقوض جهود أميركا في إقناع روسيا والنظام السوري بعدم استهداف تينك التنظيمين.
طبعاً، إن هذه الرعاية الدولية لجيش الإسلام قد تلاقت مع وجود شخصية قيادية بارزة في صفوفه وهو زهران علوش. فقد استطاع علوش استثمار هذه الرعاية الدولية ، مضافاً إليها الدعم المالي السعودي، لترسيخ أركان حكمه في الغوطة الشرقية من جهة، وتمدده على حساب الفصائل الأخرى التي تجاور معقله في مدينة دوما من جهة ثانية. فقد أبان علوش عن شخصية قيادية افتقدت إليها بقية الفصائل المسلحة ولاتزال بمافي ذلك جبهة النصرة، وهذه أكثر ميزة تمتع بها جيش الإسلام في مسيرة الحرب السورية. وما يؤكد ذلك هو انحدار مسيرة جيش الإسلام بعد مقتل زهران علوش بغارة جوية روسية نهاية كانون الأول 2015، حيث أخذت فصائل الغوطة الأخرى تتمدد على حسابه وخصوصاً فيلق الرحمن بالدرجة الأولى وأحرار الشام بالدرجة الثانية، هذا عدا طبعاً عن إعادة اعتبار لحضور جبهة النصرة في الغوطة بعد سنوات من افتقادها له بوجود علوش. ويضاف إلى ذلك بطبيعة الحال تراجع التمويل السعودي عما كان عليه زمن قيادة علوش للتنظيم، والذي وصل ذات مرة الى 12 مليون دولار.
إن المفارقة الرئيسية مما ورد أعلاه تكمن تماماً في أن جيش الإسلام لم يعمل على خطب ود الغرب وإرضاءه من خلال تجميل خطابه السياسي وممارساته على من حكمهم، بل على العكس، فقد عادى علناً الديمقراطية والحريات الشخصية وأعلن عديد المرات نيته باقامة حكم ديني اسلامي متشدد قائم على الجهاد، أي نفس خطاب وممارسات جبهة النصرة (راجع خطاب زهران علوش أثناء تخريج جيش الإسلام لدفعة من المقاتلين في 30/نيسان/2015). لكن ورغم ذلك فقد استظل التنظيم بالرعاية الدولية الدبلوماسية والسياسية والمالية !!
ويقدم جيش الإسلام في ممارسته للحكم نموذجاً لفشل العقلية الأيديولوجية في الإدارة وهوسها ومفارقتها للواقع. إذ على الرغم من أن المناطق التي سيطر عليها هي مناطق محافظة دينياً واجتماعياً، إلا أنه لم يتوانَ عن إصدار لوائح زجرية سلوكية للمواطنين، هي بطبيعة الحال قائمة ومعمول بها بقوة المجتمع وأعرافه ولاتحتاج لسلطة إلى تطبيقها. ومنها على سبيل المثال قيامه باصدار تعميم على المواطنين في الغوطة الشرقية يتوعد فيه بإغلاق صالات الأعراس التي تقيم أعراساً مختلطة وتغريمها ومحاسبة أصحاب العرس!! فلو كان جيش الإسلام قد أصدر هذا التعميم في منطقة مثل جرمانا أو باب توما لكان ” مفهوماً ” أكثر من صدوره في منطقة سكانها أساساً لايقيمون الأعراس المختلطة بحكم العرف الإجتماعي، ولايحتاجون لسلطة قهرية وأوامر زجرية ليفعلون ذلك. وهذا المثال يختصر حجم التعبئة الأيديولوجية والهوس الديني الذي يحمله جيش الإسلام والذي طبقه على الغوطة الشرقية، ولحسن الحظ لم يستطع تطبيقها على باقي سوريا.
وتشير قضية مختطفي عدرا العمالية ( الذين اختطفهم جيش الإسلام في شهر كانون الاول 2013 من بيوتهم) بدورها إلى النموذج الذي كان سيدير به جيش الإسلام سوريا والسوريين لو قدر له وحكم البلاد. فقد عمل التنظيم على ايداع المختطفين سجناً سماه سجن ” التوبة ” كونهم في معظمهم من أبناء الأقليات الدينية أو أبناء المذهب السني لكن موالون للحكومة السورية. وفي أكثر من شريط فيديو قاغم جيش الإسلام بعرض بعضاً من هؤلاء المختطفين، لكن دائماً كان يجري تقديمهم وفق هوياتهم الدينية والمذهبية، وهو مالم يعتد السوريون عليه سابقاً.
إذاً، نلمح في كل ماحاولنا تكثيفه أعلاه ، صورة قاتمة ورجعية ومتخلفة لجيش الإسلام وتجربته في حكم دوما والغوطة الشرقية على امتداد أكثر من ستة أعوام. وعلى الرغم من الغطاء الدولي الدبلوماسي والسياسي والمالي الذي حاول تجميل هذا القبح والإستثمار به، وعلى الرغم من فزع السوريين من تعميم هذه التجربة الظلامية عليهم، إلا أن الضحايا الحقيقيين لجيش الإسلام قد كانوا بالدرجة الأولى هم أبناء دوما والغوطة الشرقية عموماً الذين استثمر بهم أيما استثمار.