المجادلون حول حالنا قبل الصحوة!
في ظل تحديد الظروف والأوضاع التي أعطت الفرصة لتيارات الإسلام السياسي أن تختطف مجتمعنا بعد عام 1979، والتي عليها شبه إجماع من جميع المتابعين وآخرها تصريحات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لوسائل إعلام أميركية، وقبلها كان له حوارات مع وسائل إعلام محلية، بأن مرحلة الثمانينات ولظروف محلية وإقليمية ودولية كان لها انعكاساتها السلبية على مجتمعنا، منها حادثة الحرم، والثورة الإيرانية، والحالة الأفغانية.
تلك الحالة مكنت الحركات «الإسلاموية» من الهيمنة على المجتمع ولا زالت تهيمن على بعض المفاصل الرسمية كما هو الحال في قطاع التعليم، والذي خصصت له البليونات لتطوير المناهج، إلا أننا ندور في حلقة مفرغة في هذه القضية، وأعتقد أن السبب الرئيس أن التيارات الإخوانية هي من وضع المناهج التعليمية وهذه الجيوب الإخوانية ما زالت متمرسة في قطاع التعليم، فلا يمكن أن تسند قضية تطوير المناهج لهذه اللجان التي يسيطرون عليها، والغريب أن الإقرار بهذه الحالة لم تأتي إلا بعد تصريحات ولي العهد الأخيرة.
بعض رموز التيار الإخواني من ناشطين وإعلاميين، انبروا لوصف الحالة التي كنا عليها قبل عام 79، وأنه لم يكن فيها بداية لمظاهر الحداثة في حياتنا الاجتماعية والثقافية، في محاولة للتنصل من المسؤولية التاريخية لتشويه وتكبيل التطور الاجتماعي الطبيعي الذي مرت به بعض المجتمعات المجاورة، فأحدهم يشكك في وجود دور للسينما في مرحلة قبل الصحوة، ويصف دور السينما أنها كانت عبارة عن أكشاك بسيطة ومتناثرة في بعض المدن، وأن المرأة السعودية لم يكن لها حضور في المشهد الاجتماعي، كما يدعون ولكن الكل يعرف أن المرأة السعودية كانت مشاركة وبشكل طبيعي في الحياة بأشكالها كافة حتى لو كانت متواضعة، وهذه كانت حالة المجتمع بكل مكوناته الاجتماعية، والتساؤل المشروع لو قدر لتلك الحالة الاجتماعية أن تتطور بشكل تدريجي ولم تتعرض للخطف من تيار الصحوة، النسخة المحلية للفكر الإخواني، لكنا في حالة طبيعية الآن.
تلك الجماعات الإسلاموية وللمفارقة العجيبة كانت ترفض أغلب ما سمح به الآن من حقوق مجتمعية، فنجد رموز تلك الحركة تهوّل وتحذّر من خطر الاختلاط مثلاً، في حين نجد أن تلك الرموز بين النساء في مؤتمراتهم الخارجية، وللأسف أنهم يسوقون هذه الأخطار على المجتمع باسم الخصوصية المحلية، وأوجدت هيمنتهم هذه حالة من التقديس لخطابهم ورموزهم، والويل والثبور لمن يتجرأ على نقدهم وفضح مخططاتهم السياسية، وحالة المرحوم الدكتور غازي القصيبي والذي تصدى لهم وتنبأ بخطرهم، إذ سخّروا الخطب في المنابر سلاحا موجها ضده ووصلت الحالة إلى منع كتبه في الداخل، هذا يعطي دلالة واضحة على مخططهم الخطر والمتمثل بتكبيل المجتمع السعودي وخطفه للوصول إلى غاياتهم السياسية، وتصوير أن أية حالة انفكاك من فكرهم هو خطر على الهوية والثقافة المحلية.
الآن، نعيش مرحلة استثنائية بقيادة ولي العهد عرّاب الرؤية، الذي تبنى مصالح شعبه وافتكاكه من هذه الجماعات. لذا، أفهم هذا العويل والصراخ من منصاتهم الإعلامية بتصوير أن ما يحدث سيقابل بالرفض، وهذا ادعاء وحرب نفسية منهم ومن الدول الراعية لهم في الخليج والإقليم، ها نحن نعيش حالة يمكن وصفها بحرق المراحل والكل في المجتمع متفق عليها، فقضايا قيادة المرأة للسيارة هي مسألة اجتماعية واقتصادية بحته، ولكنهم حولوها إلى قضية سياسية للأسف.
بقيادة ولي عهدنا انطلقت حركة التغير للرجوع إلى أن نكون مجتمعاً طبيعياً هدفه الأول هو المصلحة الوطنية، أما توظيف الدين في قضايا اجتماعية فقد ولى إلى غير رجعة ومعها هذه النبتة الشيطانية.