رياح التغيير في الخليج وبوارج ترامب.. الكويت والامارات مثالا
1 يونيو 2018، 00:29 صباحًا
مالذي يجري في اروقة القرار في بعض دول الخليج العربية ، وهنا اخص بالذكر الامارات والكويت ؟
الذي رصدته في الاونة الاخير يكشف عن بوادر مراجعة سريعة في الحسابات والرؤى المستقبلية وفي ثلاثة اتجاهات :
الاول : رسائل تتوالى موجهة نحو اصحاب القرار في ايران ، وفحواها هو الدعوة الى الحوار والمكاشفة واعادة تجسير الثقة بين ضفتي الخليج .
الثاني: رسائل مبطنة نحو راس السلطة في الجارة السعودية ، وذلك في ظل شكوك حول مستقبل الدور السعودي في المنطقة والمستند الى الدور الجديد لولي العهد محمد بن سلمان والمتكئ على الموجة الترامبية .
الثالثة : رسائل نحو الادارة الاميركية ، ومبطنة ايضا بحزمة من الشكوك حول مدى استقرار سياسات ترامب تجاه منطقة الخليج والشرق الاوسط عموما ، وفي هذا السياق الشكوك تتمحور حول الاسس التي تقوم عليها السياسة الاميركية والى اي حد ستذهب في انانيتها والتي في مرحلة ما في المستقبل ستستدعي التضحية بمصالح دول مجلس التعاون .؟
ان الادعاء بظهور بوادر تغيير ومراجعة في حسابات بعض دول مجلس التعاون ، في الحقيقة يستند الى :
* تراجع في الخطاب الدعائي الاعلامي الرسمي لهذه الدول تجاه الجارة ايران وذلك مقارنة بموجة من الشيطنة والتهييج ضد طهران وصولا الى ( التبشير) بحرب اميركية على الجمهورية الاسلامية .
* متابعات لمقالات ومقابلات ومداخلات اعلامية لعدد من المسؤولين والباحثين السياسيين من ابناء الكويت والامارات ،وبعضهم عمل ويعمل حاليا في غرف الاستشارات لاصحاب القرار في هاتين الدولتين .
ان الذي استشفه من المتغير في آراء هؤلاء السادة المعنيين في تسويق السياسات الرسمية الكويتية والاماراتية هو ان اصحاب القرار في صدد اعادة النظر في المواقف نحو كل من واشنطن والرياض وطهران .
وعلى سبيل المثال ، اتوقف برهة عند ما طرحه الدكتور عبد الخالق عبدالله ،الوجه البارز للمدافعين عن سياسات ولي العهد الاماراتي، حيث دعا الى شراكة ايرانية اماراتية في اطلاق مشروع استثماري ويشمل الجزر الايرانية الثلاثة وذلك في خطوة تهدف الى تبريد محركات التوتر وتفعيل خيارات السلام والازدهار .
في الحقيقة هذا الطرح ينطوي على اكثر من متغير، بل اقول انه تنازل اماراتي عن شروط البرج العالي .وبالتالي يدحض ما ردده البعض قبل بضعة اشهر بان الامارات ( رفعت السقف مشفوعة بعصى ترامب )
ويمكنني ان استقرئ تحولا محتملا في السياسات تجاه السعودية واخر نحو ايران ،وذلك من خلال جملة مؤشرات :
* ان الحرب على اليمن شارفت على الانتهاء ومعها ستخرج الامارات بالحصة الاكبر من الغنيمة اليمنية ، حيث باتت تسيطر على اكثر من نصف مساحة اليمن وهي في طريقها الى ميناء الحديدة .
* ان الامارات وبحكم تنسيقها ( المنفرد) مع كل من بريطانيا والولايات المتحدة ، باتت تتحكم فعليا في : امن بحر العرب ، البحر الاحمر ، مجموعة عقد باب المندب ،اضافة الى اشرافها على ابرز موانئ المنطقة بمافيها عدن واسمرة ، واجزاء من الصومال .
* ان الامارات ليس فقط استغلت السعودية في توجيه مسارات الحرب على اليمن لصالحها ، بل ان سيطرتها على اقليم وشواطئ حضرموت ، قد اجهضت الحلم السعودي بالوصول الى شواطئ حضرموت وهي رغبة سعودية عمرها اكثر من سبعين عاما . !!
هذا ( الانتصار) الاماراتي وتوسعها الاقليمي الذي تعدى بكثير النفوذ الجيو سياسي السعودي ، من شانه ان يخلق تصورا لدى قادة الامارات بانهم في حل من اية تبعية او اتكاء سعودي ،ومن ثم لم تعد ابوظبي ملزمة في مناغمة سياسات ولي العهد محمد بن سلمان ومشكلته مع ايران والتي اخذت نوعا من الشخصنة في سياق رغبة بن سلمان اكتساب دور البطل داخليا واقليميا .
وفي الحقيقة ، الامارات سبق لها ان وضعت فاصلة بينها وبين السعودية حينما رفضت قطع العلاقات التجارية والمصرفية مع ايران والتي حافظت على تميزها واستثنائيتها وما تنطوي عليه من غرابة مقارنة مع خطاب التوتير السياسي والاعلامي الصادر من ابو ظبي . وقد جرى اختبار متانة هذه الثنائية في العلاقة بين الامارات وايران ، وذلك عندما استهدف اليمانيون ( انصار الله) موقع تجمع القوات الاماراتية في معسكر صافر بمحافظة مأرب بصاروخ بالستي اسفر عنه مصرع اكثر من خمسين جنديا اماراتيا . وفي حينها لم تدع ابو ظبي ان الصاروخ ( ايراني ) وربما لم تكن في ذلك الوقت السيد نيكي هيلي التي قررت اعتبار الصواريخ اليمانية ، ايرانية الصنع !!!!
وبالمحصلة ، نستنتج ،ان الامارات تتهيأ ان تكون المفاوض الرئيسي في اية طاولة للحل السياسي في اليمن ، وهذا مايستدعي ان يكون لها حوار وتنسيق مع بقية الاطراف الاقليمية. وفي هذا الصدد لم يعد سرا القول ، ان حلفاء الامارات في جنوب اليمن ،هم انفسهم اصدقاء قدمى لايران قبل بضع سنوات .!!
** التحول الكويتي المبكر .
من الصراحة القول ، ان اروقة القرار في الكويت تمتلك مجسات ذكاء واستقراء ، واكثر كفاءة من نظيراتها الخليجيات ، ولعل السبب في ذلك هو ان القيادة الكويتية اعتادت سياسة الحذر كون الكويت تقع بين ثلاث قوى رئيسية هي العراق والسعودية وايران ، مما جعلها شديدة الحذر من اية خطوة تعطل الية التوازن بين هذه القوى .
وفي هذه الايام ،يتصدر المتابعون السياسيون الكويتيون، قائمة المحذرين من تبعات الموجة الترامبية مشددين على انها ظاهرة استثنائية وطارئة وبالتالي لايمكن البناء والاعتماد عليها .
ويعد الدكتور شفيق الغبرا من بواكير المجسات اللتي حذرت من تبعات الظاهرة الترامبية ، وقد بلغت تحذيراته الذروة مؤخرا حينما قال(( ا ن الحماية الاميركية لدول الخليج في طريقها الى الزوال في غضون السنوات الاحد عشر المقبلة .. )) .
وفي ذروة هذا الصعيد في المنطقة دعا الدكتور شفيق الغبرا الى الحوار الصريح مع الجارة ايران وذلك في تعبير واضح عن مخاوف الكويت وبقية الدول من أن اية حرب اميركية ايرانية ستخلف دمارا هائلا وسيطيح بخمسين عاما من الحداثة والعصرنة والتحديث من عمر دول مجلس التعاون .
ان الدعوة للحوار مع ايران وترك الرهان على ادارة ترامب ، اضحت جزءا من نقاش معمق في وسائل الاعلام والمنتديات الكويتية ، وقد تصدرتها مقالات وتصريحات للنائب السابق ناصر الدويلة المعروف بوطنيته الصارخة حينما اعلن بان (( ايران اقرب لنا من الولايات المتحدة .. وان السعودية غزتنا ثلاث مرات في حين لم تعتد علينا ايران ولا مرة واحدة )) مشددا على (( المصارحة في المخاوف المتبادلة بين ضفتي الخليج. )) .
وقبل ثمانية عشر عاما كتبت مقالا حذرت فيه من ان الخطر الحقيقي الذي يهدد استقرار الكويت هو ليس ايران والعراق ، بل السعودية التي ترعى جماعات سلفية سياسية نافذة في الكويت وتشكل ورقة ضغط مؤثرة فضلا عن التدخل السعودي في الانتخابات النيابية ، وتغلغل اتباع الرياض في مؤسسات عسكرية وامنية .
و قراءة دقيقة لهذا المتغير في الاروقة الكويتية، ينكشف عمق هذا القلق من الخطر القادم من الصحراء السعودية ،بعد ان كتب مقربون من حلقة محمد بن سلمان على مواقع التواصل الاجتماعي بان (( الدور قادم على الكويت . بعد قطر )) .