تمتلك دولة الصهاينة كل القوة العسكرية، ولها كل القدرة التدميرية، ومن خلفها كل الدعم السياسي الأمريكي، ومحاطة بصمت عربي رسمي مريب، ومع ذلك، عجزت هذه القوة الصهيونية الغاشمة عن بسط معادلتها العدوانية على أرض الواقع في غزة، واكتشفت معطيات جديدة اضطرتها إلى التهدئة مجبرة، رغم مكابرة قادة الصهاينة بأنهم حققوا الهدوء مقابل الهدوء، وأنهم لم يوقعوا أي اتفاقية تهدئة مع تنظيمات فلسطينية تهدف إلى تدمير دولة الصهاينة.
130 قذيفة فلسطينية أطلقتها المقاومة الفلسطينية بعناية ودقة، وتم توزيعها على عشرات المغتصبات الصهيونية، 130 قذيفة نجحت في فرض معادلة ميدانية جديدة، وكانت نتيجتها تهدئة تلجم الجيش الصهيوني، وتحول دون مواصلة عدوانه على الشعب الفلسطيني، وهذا بحد ذاته انجاز يحسب في هذه المرحلة للمقاومة التي لم تدخل في حرب شاملة مع العدو الإسرائيلي، وستواصل في الوقت نفسه تحريك مسيرات العودة، والاحتشاد السلمي على خطوط الهدنة، في رسالة جديدة إلى العدو الإسرائيلي مفادها يؤكد للقاصي والداني أن خلف مسيرات العودة السلمية مقاومة فلسطينية قادرة على أن تكون نداً، وقادرة على تغيير المشهد السياسي الذي ما زال يعتمد الخيار الشعبي سبيلاً لتحقيق طموحات الشعب الفلسطيني.
لقد جاء البيان المشترك لفصائل المقاومة بمثابة رسالة وحدة وطنية فلسطينية، يفرضها الميدان، وهذه رسالة تحدٍ لكل أولئك الذين حرصوا على تمزيق الوطن بين تنظيمات وفصائل تتنافس فيما بينها، ليكون الرد وحدة بندقية في مواجهة عدو واحد، ووحدة هدف تلتقي عليه كل البنادق، وهذه معادلة جديدة أربكت حسابات العدو الذي دأب على التفريق بين قذيفة وأخرى، ليجد نفسه في مواجهة شعب يلتصق بمقاومته، وجاهز لتحمل كل التبعيات.
جولة المواجهة الأخيرة، أو جولة جس النبض لم تنته بعد، لأن الأصل في العلاقة بين الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال وبين أعدائهم الصهاينة الغاصين والمحتلين لأرضهم، الأصل في العلاقة هي المواجهة، والاستثناء هو حالات الهدوء والسكينة والدعة، لذلك فإن الجولة الأخيرة من المواجهة قد جاءت لصد العدوان الإسرائيلي المنفلت، وفي الوقت نفسه كانت تهدف إلى ضبط مسار المواجهة في حدود مسيرات العودة، ولاسيما في هذه المرحلة من التوازنات الإقليمية والدولية، وهذا ما لا يقبل به العدو الإسرائيلي الذي أمسي محاصراً بصرخات الشعب الباحث عن الحرية، والعابر لخطوط الهدنة.
وفي هذا المقام، قد يقول أعداء المقاومة إن 130 قذيفة اطلقت من غزة باتجاه المغتصبات الصهيونية، لم تقتل جندي إسرائيلي واحد، ولم تخرب مستوطنة واحدة، ولم تطرد مغتصب واحد من أرض فلسطين، وهذا كلام صحيح، لا ينفيه إلا حالة الرعب التي عاشها الصهاينة، والتعليمات التي صدرت لهم بعدم الابتعاد عن الملاجئ أكثر من مسافة خمس ثوانٍ، وهذا يعني أن الصهاينة قد عاشوا حالات من الموت المعنوي، والموت الروحي لفكرة الاحتلال الرخيص، فموت جندي إسرائيلي واحد قد يكون أقل تكلفة من موت فكرة الدولة الآمنة والمستقرة والمزدهرة، التي يحلم بها الصهاينة، وهذه هي أهم رسالة أوصلتها المقاومة إلى أعدائها، ومفادها يؤكد أن لا أمن ولا سلام ولا رخاء ولا استقرار طالما ظل هذا العدو الصهيوني يغتصب أرض فلسطين.
تعليق واحد