المصالحة… موروثات التعويق الاستراتيجي
لعل أهم دلالة يمكن أن تشير إلى دينامية المجتمعات هي أن تتغير الأسئلة لديها، آخذة في اتجاه تصاعدي يسمح بإقامة الفواصل الزمنية بين ماض وحاضر ومستقبل وينسف فكرة الثبات المطلق، التي تعوق الحركة المجتمعية وتدفع العقل الجمعي نحو التقوقع والانكماش، من ثم لم تعد قضية مصر الآن وقبل الآن وبعده هي الاتفاق على آليات المصالحة والوفاق مع الكتلة «الإخوانية» الممقوتة جماهيرياً ولا الاستجابة لعودتها الهزيلة ثانية.
فمصر تخوض مساراً زمنياً مغايراً لا يستوقفها فيه غير المصلحة الوطنية والفاعلية القومية والوجود الطاغي في الساحة الدولية المتلاطمة بالكثير من الخزعبلات.
من ثم فإن قضية المصالحة تجاوزها الزمن بحكم معطيات سلبية كثيرة حاكتها الجماعة وحصد المصريون آثارها الوخيمة. ولعل طوفان الدعاوى المتوالية نحو تجديد العهد مع الجماعة دعاوى جوفاء لا طائل من ورائها لأن أحد أهم الموروثات الفكرية للجبهة «الإخوانية» هو رفض السلطة كإطار منطقي وقبولها كملحمة دموية.
وعلى ذلك، فهناك الكثير من التساؤلات المتسلطة على أي طرح فكري أو سياسي أو استراتيجي منها: مع من تكون المصالحة؟ ولماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ وما هو المردود الاستراتيجي لها؟ وكيف نتغاضى عن الموبقات التاريخية في حق مصر؟ وكيف نتسامح مع أرصدة الشر وكياناته؟ بل وكيف ننسى لغة الدم التي تم اعتمادها عرفاً وقانوناً يحكم العلاقات كافة؟ وكيف نغفل أن تلك الجماعة كانت أهم محاور المشروع الأميركي في الشرق الأوسط؟ أو كيف نسقط من ذاكرتنا أنها الجماعة التي ساومت على التراب الوطني؟ وهل ثمة إعلان للبراءة من الفكر «الإخواني» واعتباره فكراً متطرفاً مارقاً؟ ولماذا لا يمكن اعتبار دعاوى المصالحة التي تقوم على إغفال جرائر الممارسات الدموية نوعاً من التشيع المستتر للفكر «الإخواني» في طابعه ودلالته ورؤاه؟ وهل من معنى للهراء السياسي بأكثر من اعتبار الجماعة الإرهابية فصيلاً سياسياً يمكن إدماجه في النسيج الوطني؟!
محمد حسين أبو العلا- كاتب مصري والمقال للحياة
13 تعليقات