لا ينقصنا كأمة عربية إلا حرية الرأي والديمقراطية، فنحن العرب لا نقل إنسانية وحضارة وثقافة وتضحية عن الشعب التركي، الذي خرج بنسبة 90% إلى صناديق الانتخابات، وشارك بثقة في بناء دولته، واختار الرئيس الذي سيخدمه لعدد من السنين، واختار ممثليه في البرلمان.
فلماذا لا نرتقي نحن كأمة عربية إلى مستوى الشعب التركي المسلم الذي دافع عن حريته وكرامته، وعشق الديمقراطية، ولم يصفق لقائد أو لحاكم، ولم يهتف لرئيس إلى أبد الآبدين؟
لماذا لا تكون لدينا معارضة تحترم نفسها، وتعترف بفشلها في الانتخابات، وتعد الشعب بالتغيير والتعديل في سلوكها كما حصل مع زعيم المعارضة التركية الذي قال للرئيس التركي، من الآن؛ أنت رئيس كل الأتراك، فتصرف كذلك!
لماذا لا نرتقي نحن العرب إلى مثل هذه الحالة الراقية من اختيار القائد، ومحاسبته بعد عدة سنوات؟ ومتى سيصل إلينا التطور الحضاري والديمقراطي الذي انتشر في دول العالم الثالث، حتى صارت اندونيسيا وماليزيا وجنوب أفريقيا وإيران وأنجولا وأمريكا اللاتينية وحتى المكسيك، تنافس اقتصادياً وسياسياً وعلمياً أرقى الدول المتقدمة؟
نحن العرب لا نختلف عن بقية الشعوب، نحن العرب لا نصنف درجة ثانية أو ثالثة في تقييم الشعوب، لدينا المال والأرض والسماء والقمر، ولدينا التاريخ واللغة والدين والوحدة الروحية، ولدينا الإنسان المنتمي، المستعد للعطاء والفداء من أجل الوطن، ولدينا التجربة التاريخية والحضارية، ولدينا الأمنية والأحلام المشتركة، فلماذا نحن متخلفون دون سائر الأمم؟ لماذا نحن بائسون وسط المجتمعات الراقية؟
لماذا نحن العرب مفرقون وغيرنا يتوحد؟
لماذا نحن العرب نتصارع فيما بيننا وغيرنا يحيا بسلام؟
لماذا نحن العرب نستورد كل الأشياء، ولا نصدر للجيران إلا الدماء؟
لماذا نحن العرب بلا صناعات حديثة وبلا تكنولوجيا، وغيرنا يتقدم في كل المجالات؟
لماذا يستثمر الآخرون مواردنا الاقتصادية، ونهدم بأيدينا الإنسان فينا؟
لماذا نزهر ونثمر كأفراد على مستوى العالم، ونتساقط كأوراق الخريف في مجتمعنا العربي؟
إنها دولة إسرائيل، هي المتهم الأول الرئيسي لما يلحق بأمة العرب من مهانة.
إنها دولة إسرائيل، التي لم تحتل أرض فلسطين إلا بعد أن دمرت الدولة العثمانية، والتي بدأت ترتعب على مستقبلها من عودة الدولة العثمانية، ومن هذه الديمقراطية الرائعة!
وإنها إسرائيل التي لم تحتل أرض فلسطين إلا بعد أن احتلت الإرادة العربية
وإنها إسرائيل التي ركبت على ظهر الغرب تارة، وعلى ظهر أمريكا تارة، وداست بأقدامها على كل ما ينفع الشعوب العربية، ووظفت عليهم الحاكم التي لا تريد!
فإذا كانت تركيا قد اجتازت عنق الزجاجة، وخرجت إلى آفاق الديمقراطية بعد عشرات السنين من حكم العسكر، فماذا ننتظر نحن كشعوب عربية؟
وإذا كانت تركيا تفاخر بحاضرها المتطور، وتتطلع إلى مستقبلها، وهي التي تعرضت للمؤامرة من العدو نفسه الذي يتآمر على الشعوب العربية، فلماذا لا يسير العرب على درب الشعب التركي؟
الانتخابات التركية مدرسة سياسية يتوجب على الشعوب العربية تقليدها، حتى لا نظل أسرى وعبيد للصهيونية التي لا تتغذى إلا على دمائنا النازفة، ولا تنتعش إلا على أرواحنا الممزقة، ولا تتطور وتكبر إلا إذا ظلت بلادنا العربية تائهة في الحفر، وإنساننا العربي يرزم حقائب السفر.
102 تعليقات