العرب وتركيا وإيران أمام تفاهمات روسية – أمريكية قاتله.. فأين طوق النجاة
لقد بدأ تعميق الاستهداف الصهيو – امريكي للدول العربية مع بداية فكرة الشرق الأوسط الجديد كمشروع يقوم على ركنين أساسيين ووسيلة واحدة ، الاول: هو إدماج إسرائيل في الوسط العربي والإسلامي في سياق العمل على تصفية القضية الفلسطينية وهويتها وإسقاط أي تهديد عسكري عربي اسلامي لاسرائيل. والثاني هو تأمين الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي لهيمنة أمريكية على منطقه تشمل دائره محيطها لبنان وفلسطين وسوريا والاردن وتركيا والعراق وايران والجزيرة ومصر. أما الوسيلة فهي اعادة تشكيل هذه الدول بما يخدم الهدفين سياسيا وجغرافيا ومفاهيميا ، بالفوضى الهدامة كما نراها
الحدث الأهم والأخطر اليوم يُصنع في سوريا التي نشهد تدميرها سياديا وسياسيا وسكانا ومقدرات. وهو أن روسيا الحليفة لسوريا قد اضطرت للدخول شريكة غير مؤسس في مشروع الشرق الأوسط الجديد. فدخولها لسوريا بهذا الزخم والتصميم لم يكن وراءه مجرد مصالحها في سوريا ، بل انهيار النظام الرسمي العربي كله ووقوعه في حضن أمريكا والصهيونية وجاهزية تحقيق المشروع الصهيو- امريكي وما سيشكله هذا من تهديد كبير وخطير على مستقبل المصالح الروسية في كل الإقليم وامتداداته في العالم إذا لم تسقطه أو تفرض نفسها كشريك. فروسيا عندما لا تكون قادرة على وقف المشروع الذي يهدد مصالحها على نطاق واسع ، و تكون أمريكا غير قادرة على تجاوز الثقل والضغط الروسي الذي وصل حد إعطاء إشارات بحرب عالميه ، فمن الطبيعي أن يقبل الطرفان هذه الشراكة التي لا يُفضلها أي منهما.
فسوريا ومصيرها اليوم يخضع لتفاهم بين الطرف المؤسس لمشروع الشرق الأوسط وهو امريكا واسرائيل وبين الطرف الجديد الذي فرض نفسه شريكا وهو روسيا التي تمسك بزمام الأمور على الأرض السورية وبزمام القرار في دمشق. وتذهب لمجلس الأمن لكتابة دستور لسوريا وتقسيمها باسم الفدرالية على قياس يقبله الأمريكان والصهاينة ويحقق غرضهم بعد كل هذه التضحيات. إن لأمم المتحدة لا تصنع الدساتير الا للدول تحت الوصاية أو الاحتلال. فهل تتقبل قيادة سوريا ذلك؟. كيف وعلى أي أساس وأين وجودها؟
ومن يريد أن يقول بأن الأسد كشخص قد انتصر ليقول، فهذا صحيح ، لكن سوريا لم تنتصر والمشروع الصهيوني يتعزز. فأراضيها اليوم محتلة مباشرة بدون وكلاء من قوات دول أجنبية بموافقة روسية قائمة على تفاهمات تحكمها القوة العسكرية والمعادلات السياسية المؤثرة. ولعلنا تابعنا كيف أن روسيا لم تدخل درعا وريفها إلا بعد أشهر من جولات التفاوض والتفاهمات مع امريكا واسرائيل. وأنها تقوم بنفسها بعملية التفاوض هناك على القياس المقرر. وعلينا كعرب أن نكون حذرين في تفاؤلنا وتشاؤمنا وأن يكون ذلك بحساب وطني واقعي. وأن نربط انتصار أو فشل الحاكم بانتصار الوطن والقضية.
إن الشراكة الروسية الأمريكية هي على حساب الجسم العربي الهامد في كل أقطاره في مشروع الشرق الأوسط الجديد. ومن حسن طالعنا أن هذا المشروع يستهدف معنا تركيا وايران الدولتان القويتان والحرتان وغير المخترقتان ويجمعنا معهما همٌّ واحد ومصلحة واحدة. لقد أصبحت مصلحة الشعب العربي في كل أقطاره وفي الغربة والشتات مرهونة الأن بفك عرى التلاقي الروسي مع أمريكا واسرائيل. حيث عندها يمكن إفشال المشروع الصهيو- امريكي من خلال روسيا مسنوده ومستفيدة بحلف اقليمي استراتيجي مع تركيا وإيران بداية ومع كل دولة تشعر بالتهديد والاستهداف الامبريالي لاحقا.
وهذا الأمر مرهون بتضامن تركيا وإيران الى أبعد وأنظف حد ، وتفاهمهما مع روسيا وإقناعها بأن تحالفهما الاستراتيجي معها هي صفقة العصر لها وما سيعطيها المجال الجغرافي والاقتصادي والسياسي الأفضل والأضمن من ما ستقدمه لها الشراكة مع أمريكا. وهذا المسعى ممكن جدا لأن هاتين الدولتين الاسلاميتين مستهدفتان أمريكيا لصالح مشروع الشرق الأوسط كالدول العربية. ومهددتان بالتمرد العرقي والحروب الداخلية والحصارات والرضوخ السياسي والتقسيم. وإني أفترض بأن هذا المفهوم يجب أن يكون حاضرا لدى الدولتين.
وأفترض بأن الدولتين عندما تتذكران بأن روسيا هي التي تشكل لهما ولوجودهما في سوريا سندا كبيرا بوجه أمريكا المستهدفة لمصالحهما ، سيتذكران بنفس الوقت أنهما بدورهما يشكلان سندا عظيما وورقة ضاغطة لمصلحة روسيا لا تقل أهمية عن سند وورقة النظام السوري وقيادته. ومن هنا فلا شك بأن هاتين الدولتين الاسلاميتين والقوميتين حتى العظم يعلمان الأهمية القصوى والحاسمه لتضامنهما وتحالفهما معا ومع روسيا ، وبأن الأخيرة هي في مركز القوة وهي من تتلقى العروض منهما ، بالتزامن مع دعم القيادة السورية وتشجيعها وتشجيع الشعب السوري على رفض المهزلة في الأمم المتحدة والتي ستنسحب على الجميع.
إن الدول العربية التي لم تدخل الطاحون بعد ، فذلك لأن أنظمتها حليفة الطحان وتَطحن معه ،ولكنها جاهزة للطحن كغيرها في حينه دون متاعب. فالوطن العربي وشعوبه هم المستهدفون واستسلام الحاكم العربي قد يفيد شخصه لحين ولكن لا يفيد بلده ولن يخرجها من الاستهداف ما دام المشروع قائما. وعلينا في الأردن أن نرتقي لمستوى الحقيقة وأن ننتبه للضخ الاعلامي الذي يحاول اقناعنا بأن على رأسنا ريشه وأن لنا حظوة عند امريكا وأننا بمعزل عن الاستهداف وأن صداقتنا لامريكا واسرائيل هي لصالحنا. فالأردن في الواقع هو بحجم النظام لا بحجم الدولة. وقد نجحوا في اختراق عقيدة وثقافة الشعب الوطنية والسياسية واخترقوا نخبه. وبعد أن كنا لا نعرف الحراك الا سياسيا وطنيا جرونا لحراكات خبز وشعير ووظائف عامه.
الأردن وشعبه في قلب الاستهداف الصهيو – امريكي ومن مستقراته الأساسية. والتدخل الأمريكي في شئونه يصل لأدق التفاصيل ولأكثر المؤسسات حساسية ، وإرادتنا الرسمية تأبى إلا أن تبقى عجينة تتشكل بأيديهم. نحن لسنا بمنأى عما يحصل في الدول العربية وسوريا بالذات وما سيستقر عليه حالها. ونتذكر في هذا قول هيلاري كلنتون التي استلمت ملف مشروع الشرق الأوسط الجديد من كوندليزا رايس وهو ” لن يتقرر مصير الأردن قبل أن يتقرر مصير سورية ” وهذا كلام كبير ولكن عند الكبار.
فؤاد البطاينة- كاتب وباحث عربي والمقال لرأي اليوم
تعليق واحد