الاردن : اخطأنا بدعم الثورة السورية والتصحيح يتمثل في اعادة الاعمار
احسن الاردن صنعا بموقفه الاخير في مواجهة حملة الجيش السوري لاستعادة الدولة السورية على اراضيها جنوب البلاد.
ـ اولا: لم يسمح الاردن باستقبال موجة لجوء نظمتها المعارضة السورية لاستغلالها سياسيا للضغط على النظام والتشهير به بافتعال ازمة انسانية تشد انتباه العالم.
ـ ثانيا: نظم الاردن على المستويين الرسمي والشعبي حملة اغاثة للنازحين السوريين داخل الاراضي السورية وهذا موقف اخوي يسجل للشعب الاردني.
ـ ثالثا: كان للاردن مساهمة ايجابية بدفع قوى المعارضة المسلحة الى التسليم بعودة سيادة الدولة على جنوبها وبالتالي ساهم بحقن الدماء السورية ومن كل الاطراف السورية.
ومع اعتبار الموقف الرسمي الاردني ايجابيا ويصب في اتجاه تحقيق هدف استعادة الدولة السورية لسيادتها على اراضيها الا ان هذا الموقف لا يمكن النظر اليه كموقف مستقل ومعزول عن سياق دولي واقليمي, فعلى المستوى الدولي امريكا هي من قاد عملية التخلي عن المعارضة المسلحة ثم تبعها الاخرون دون نسيان التفاهم الضمني الروسي الاسرائيلي, وبالتالي فالموقف الاردني هو متمم ومكمل لموقف دولي واقليمي سلم بسيادة الدولة السورية على جنوبها.
مع الاسف ان التبعية في الموقف الاردني اتضحت في مسار الحرب والعدوان .ولم ينكر احد ان مقر قيادة عمليات المعارضة المدارة من طرف المخابرات الامريكية هو عمًان.
كان مقبولا في الشهور الاولى للاحداث مساندة مطالب مشروعة للشعب السوري. لكن المسار التالي والذي تواصل لسنين لم يترك مجالا للشك بان ما يحدث في سوريا هو مؤامرة وعدوان سافر احرق البلاد.
لا اعرف اذا كان مشروعا ترك التاريخ خلفنا ام انه سيظل مؤشرا على مسار المستقبل الذي سيحكم العلاقة بين الدولتين الشقيقتين.
ان الدور الاردني كان حاسما في مسار الحرب , وبدون الدور الاردني ما كانت المعارضة لتقدر على احكام قبضتها على الجنوب السوري.
يجادل البعض بانه لم يكن بامكان الاردن اتخاذ موقف اخر. فقد تعرض لضغط وابتزاز معسكره التقليدي متمثلا بالولايات المتحدة ودول الخليج خاصة السعودية وقطر.
ومهما تكن التفسيرات فان مساهمة الدول العربية الخليجية وجيران سوريا بتدميرها وتعذيب شعبها هي مسؤولية تاريخية لا يمكن التنصل منها. صحيح ان للنظام السوري عيوبه .لكن كل العيوب المشخصة للنظام ما كان بوسعها ان تقود لماساة بهذا المستوى الكارثي لولا التدخلات الخارجية.
من المؤكد ان الاردن كان امام تحد خطير وربما مصيري, ومع ذلك فانني اجازف بالقول ان الرهان على الشعب الاردني كان هو الاصوب. وطنيا وعربيا وواقعيا.
لقد اثبت الشعب الاردني حرصه على بلده ولم يندفع ابدا في زخم الحراك الغربي لتخريب بلده واظهر تمسكا صارما بامن البلد وسلامته. وقدم برهانا ملموسا على ان مساومته على امنه المجتمعي لم تكن مؤهلة للتحقق.
لذا اتوقع ان مراهنة النظام على شعبه كانت ستنقذه مما بدا خضوعا محتما لضغوط وابتزاز القوى الخارجية.
دفع الاردن ثمنا باهظا لدعمه المعارضة السورية ,خسر امنيا وسياسيا واقتصاديا ولم ينل اي مقابل لوقوفه الى جانب الدول التي اصرت على تمزيق سوريا. على العكس تفاقمت ازمته الاقتصادية, ويشهد الاردن الان اصعب الازمات في تاريخه.
ان العبرة امام الاردن واضحة .
ـ اولا: لا رهان الا على شعبه, الشعب الاردني هو الاقدر على حماية بلده. ان تنازل النظام لشعبه هو صون لوطنيته ولكرامته وهو ما يجنبه التنازل لقوى خارجية بكل التبعات الضارة لهذا التنازل.
ـ ثانيا: ان كلفة التمرد على الاملاء والابتزاز الخارجي اقل بكثير من كلفة الرضوخ له, لوتمرد الاردن على الضغوط الخارجية لنجح في مساعدة سوريا على مواجهة العدوان ولقصر من العمر الطويل لمعاناة سوريا.
ـ ثالثا: ان احترام حرمة الجار الشقيق هي ضمانة لامن الاردن نفسه, لنتصور الان ماذا يحدث لو ان سوريا سلحت ومولت ودعمت معارضة اردنية تناقض وتحارب النظام جذريا.
ـ رابعا: السياسة الخارجية هي استجابة للمصالح الوطنية وليست انعكاسا لمصالح قوى خارجية. لذا فان تقييم ومراجعة السياسة الخارجية هي اولوية وطنية. اذ لا يمكن الاستمرار بسياسة خارجية لا ترتكز على اولوية المصالح الوطنية, وتحريرها من الانخراط في اطر الانحياز الضار بمصالح البلاد. بديل التمحور والانحياز هو بناء علاقات مع مختلف الدول والقوى.
المسارعة والسعي الحثيث لبناء العلاقات الاخوية مع سوريا بما يخدم مصلحة الشعبين الشقيقين, وطي صفحة معيبة ومشينة في علاقات الدولتين والمساهمة بتعزيز امن سوريا والمساعدة النزيهة باعادة اعمارها ولئم جروحها النازفة.
ان العبرة الجوهرية هي ان الروابط والعلاقات مع سوريا هي روابط استراتيجية ولا يجوز التضحية بها بل تعزيزها وتطويرها باتجاه تكاملي بين البلاد الشامية بشمالها السوري واللبناني وجنوبها الاردني والفلسطيني.
يستطيع الاردن ان يسبق الجميع بخطوة نوعية عبر نقلة استراتيجية باتجاه سوريا دون انتظار احد. دون ان يقتفي اثر احد.
حاتم رشيد – كاتب من الاردن والمقال لرأي اليوم
تعليق واحد