الفساد والعجز في المغرب: السيد “بنكيران” لديه الجواب
12 يوليو 2018، 16:29 مساءً
حرب تصريحات بين أحزاب الإئتلاف الحكومي في المغرب تجسد بشكل واضح في التصريح الصادر عن السيد “لحسن الداودي” بصفته وزيرا في حكومة السيد “سعد الدين العثماني”، وذلك في الجلسة العامة التي عقدها مجلس النواب المغربي يوم الثلاثاء، لمناقشة تقرير اللجنة الاستطلاعية حول أسعار المحروقات..
إذ قال بالحرف “كل الأطراف مسؤولة سواء في الحكومة السابقة أو الحالية، ولا أحد ينبغي أن يتهرب من المسؤولية، وأنا تحملت مسؤوليتي وعلى الجميع أيضا أن يفعل ذلك، وحتى الأحزاب التي كانت قبل منا عليها تحمل المسؤولية، والكل يعلم كيف كانت نسبة العجز عندما وصلنا إلى الحكومة سنة 2012 وما كانت ستؤول إليه الأوضاع لو لم يضمنا صندوق النقد الدولي، إذن من المسؤول عن هذا؟”
و الواقع أن ما يهمنا في كلام السيد الداودي، هو سؤاله الذي ينتظر جوابا “إذن من المسؤول عن هذا”؟، فنحن لانريد الدخول في جدل دعم المحروقات أو تحريرها، ونظام المقايسة و المقاصة و غيرها من التسميات التي يتم استعمالها للتغطية على أسلوب في إدارة الموارد العامة تعتريه العديد من النواقص و المثالب، أسلوب تقوم فلسفته على مبدأ المحاباة و التحيز للقلة المهيمنة على الموارد و القدرات الاقتصادية للبلاد..
فالعجز الذي تم تغطيته بالإقتراض الأجنبي، وفتح خط ضمان أو إئتمان بنحو 3 مليار دولار تم توفيرها من قبل صندوق النقد الدولي، وبشروط والتزامات مجحفة، لاتعد إنجازا أو نصرا يستحق الذكر، فما يعيشه المغرب من احتجاجات شعبية ناتجة بالأساس عن ارتفاع تكاليف المعيشة ، بفعل معدل التضخم، وتقليص الدعم على العديد من السلع الأساسية ذات الاستعمال الواسع، دون إيجاد بدائل تمكن من تخفيف صدمة ارتفاع الأسعار..
فصندوق النقد الدولي و توجهاته النقدية، سبب مباشر في خراب مالية البلدان الخاضعة لتوجيهاته، فما يعيشه المغرب من تدهور في الخدمات والسلع العمومية، هو نتاج لتوصيات صندوق النقد الدولي و البنك الدولي، و لسياسة التقويم الهيكلي التي تم تبنيها في ثمانينات القرن الماضي، وكانت سببا مباشرا في إنتفاضة 1984..
والجدير بالذكر، أن المغرب خضع لسياسة التقويم الهيكلي بصفة رسمية من 1983 إلى 1993 و ذلك بعد أن عانى مشاكل مالية هيكلية تجسدت في نسبة عجز الميزانية التي بلغت حوالي 12 % سنة 1983، وانفجار الدين العمومي الذي وصل 82 % في نفس السنة ، وتأكل احتياطي البلاد من العملة الصعبة و ارتفاع التضخم إذ تجاوز سقف 10 % .
فما أشبه اليوم بالأمس، فبالرغم من تباين نسب المؤشرات الماكرو و الميكرواقتصادية _ارتفاعا و انخفاضا_بين الثمانينات و الأن، إلا أن السياسات المتبعة هي نفسها، فإذا كانت سياسة التقويم الهيكلي قد أسدل الستار عنها رسميا سنة 1993، إلا أن فلسفتها و أثارها الإقتصادية و الاجتماعية لازالت مستمرة، فالاختيارات التنموية، و السياسات الإجتماعية و الإقتصادية هي نفسها، لكن الفارق أن هذه الأجندة كانت تتم فيما قبل بغطاء من المؤسسات المالية و لحسابها، تنفذها الحكومات وهي مرغمة، لكنها في الوقت الراهن تتم لحساب لوبي الفساد، الذي يهيمن على القرار السياسي و يحتكر مختلف الأنشطة الاقتصادية ذات العائد المجزي…
فالسياسات المتبعة في المغرب منذ 1993 إلى اليوم تفتقد للكفاءة و الإبداع و الرؤية الإستشرافية، و تفتقد للمصداقية و الشفافية في تغليب الخيارات الأكثر نفعا و صلاحا لعامة الناس، فالسياسات و الخطط المتبعة قائمة على تغليب مصلحة القلة المهيمنة، فالمغرب يعيش بين مطرقة رأسمالية دولية في غاية التوحش و سندان رأسمالية داخلية متغولة وطفيلية، تعتمد في هيمنتها و تغولها على زواج كاثوليكي بين السلطة و المال..
فالنهج التنموي للدولة يقوم على تفضيل الاستثمارات قريبة المدى و التي تركز بالأساس على القطاعات الخدماتية و الغير منتجة، مقابل تهميش القطاعات الإنتاجية خاصة القطاع الفلاحي و الصناعي، وإهمال رأس المال البشري، بتقليص الإنفاق العمومي على الصحة و التعليم و خصخصة مجمل السلع و الخدمات العمومية، وهي نفس الاختيارات المتبعة في سياسات التقويم الهيكلي..
ومعظم التجارب التنموية الدولية الناجحة، ابتعدت عن هذا التوجه، ورفضت الخضوع لسياسات و توصيات المؤسسات المالية. وقد تبين بالتجربة و الممارسة أن مخالفة هذه التوصيات و تبني سياسات معاكسة غالبا ما يكون له تأثير إيجابي، فتوسيع الإنفاق العمومي على قطاعات الصحة و التعليم، يعود بالنفع على الاقتصاد ككل.
بل إن أدبيات التنمية الدولية، عرفت تحولا كاملا مع مطلع الألفية الثانية، إذ تم تبني رؤية المفكر” أمارتيا صن” ونظريته في التنمية القائمة على توسيع خيارات الناس في الصحة و التعليم و الحكم الصالح و الحرية…
للأسف، فإن ما اعتبره السيد الداودي محاولة إنقاذية للوضع الاقتصادي و إنجاز مالي للمغرب ، فيه مجانبة للصواب وتعميق للمأساة، فما تم منذ 1993 مجرد محاولات متكررة لتسكين أثار الأزمة، لكن مفعول المسكنات محدود وبلغ مداه وأصبح سببا في تفاقم اﻻزمات و تعقدها ..
فالتشخيص الجيد للداء نصف العلاج، و للأسف الحكومة لا تريد وضع الأصبع على العوائق و الإختلالات الفعلية التي تعانيها البلاد ككل، وهو الأمر الذي جعل المغرب بلد التناقضات الصارخة، دولة بداخل الدولة أو بالأحرى مغربين: مغرب المشاريع العملاقة، ميناء طنجة المتوسط، الطرق السيارة، مغرب القطار الفائق السرعة، والمهرجانات العالمية، والإنفاق المظهري الباذخ. و مغرب دور الصفيح، و الأحياء الهامشية ، مغرب يحتل ذيل الترتيب في مؤشر التنمية البشرية ،مغرب يعاني ثلث شعبه الفقر، و تتسع فيه دائرة الفقر لتشمل وافدين جدد، فقطاعات واسعة من الطبقة الوسطى ينزلون بالتدريج للأسفل، ليصبح المغرب مقسم لفئتين على طرفي نقيض:أقلية مترفة، و أغلبية تعيش فقرا مدقعا، مغرب يعرف بطالة مزمنة في صفوف الشباب، و هشاشة تعليمية فمعدل التمدرس لايتعدى 4،4 سنة في حين هذه النسبة تتجاوز 12 سنة في دول أخرى..
مغرب تلد بعض نسائه على أبواب المستشفيات، ويحرم العديد من حقهم في الخدمات الصحية، مغرب يطحن فيه النساء تحت الأقدام لأجل الحصول على كيس من الدقيق، مغرب يعاقب فيه الضحية ويجازى فيه الجاني…
للأسف سيدي الوزير سؤالك قادني لأمور غالبا ما تحاولون إخفاءها تحت عباءة الأرقام و الكلمات المنمقة، لكن من الصعب الاستمرار في الخطأ، فإعوجاج السياسات، و استفحال وباء الفساد لا يتم التصدي له بالتصريحات، وإنما بالإصلاح الجذري و التغيير الشامل…
فجوابي على سؤالك جاء جافا، وكنت في غنى عنه لو أنك قمت بسؤال السيد “عبدالله بنكيران” أو رجعت لتصريحات الرجل، لوجدت الجواب الكافي و الشافي، فمن منا لم يسمع بعبارة “التماسيح و العفاريت” و العبارة الشهيرة”عفا الله عما سلف”، ولأني لا أملك كفاءة و دراية السيد “عبد الله بنكيران” في الوصف و الاستعارة، فإني أسمي المسؤول عن حال البلاد والعباد : بثالوث الاستبداد و الفساد و وزواج السلطة بالمال..و الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون…
د. طارق ليساوي- أكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي والمقال لرأي اليوم
94 تعليقات