الطفل الرضيع ترامب.. اللورد أخنوش.. والمزعِجة منيب..
15 يوليو 2018، 00:02 صباحًا
تزامنا مع زيارة الرئيس الأمريكي ترامب لإنجلترا، أطلق نشطاء يصفون أنفسهم بــ “أعداء الفاشية” فوق سماء البرلمان البريطاني مجسَّما للرئيس الأمريكي ترامب “الطفل الرضيع” وهو يرتدي، فقط حفاظة من الطراز القديم، وأطرافه غاية في الصغر.. دونالد الرضيع يصرخ وهو يحمل في يده هاتفا محمولا.. المجسم يبلغ ستة أمتار، وهو مثير للسخرية ويحفز العقل على طرح الكثير من التساؤلات.
التظاهرة حصلت على الموافقة الفورية من عمدة لندن صادق خان (من أصول باكستانية) الخصم اللذوذ للرئيس الأمريكي، فخلال الحملة الانتخابية الأمريكية تدفقت تصريحات ترامب بالمنع الشامل لدخول المسلمين لأمريكا، ووضع قوانين صارمة تجاه المهاجرين، وقد وصف خان هذه التصريحات بالمتسرعة والجاهلة.
توعَّد ترامب بأن يرد الكيل مكاييل للعمدة خان، وحين وقع الحدث الإرهابي بلندن بادر العمدة خان بطمأنة المواطنين إزاء الحضور الكثيف للشرطة قائلا “اطمئنوا لا مبرر للذعر”، غير أن ترامب مباشرة سيعلق بتغريدة جاء فيها “مُبرِّرٌ سخيف من عمدة لندن صادق خان، الذي كان عليه ألاَّ يتسرع لترويج تصريحه، لا مبرر للذعر”.
زيادة على تغريداته العدوانية نحو تيريزا ماي سيما بعد نشر ترامب فيديوهات مفبركة على صفحته لمسلمين يقومون بأعمال إرهابية، وانتقدت ماي هذا الفعل ووصفته بالخاطئ ليرد عليها ترامب بتغريدة نارية “ركزي على محاربة الإرهاب لا على ترامب”.. وغيرها من التغريدات البذيئة والصبيانية والعنصرية، التي هي أشبه برشاش ناري يخبط خبط عشواء، ويصيب الأعداء والآصدقاء على حد سواء.
هذا ما جعل منظمي تظاهرة الرضيع ترامب يصفونه بالطفل المزاجي المغرور، سلاحه الضجيج، ووضع هاتف “رئاسة أمريكا” في يد طفل أشبه بمنح سلاح لشخص مجنون، مؤكدين أن ترامب يشكل خطرا على القيم الإنسانية والتعايش الكوني والسلام العالمي، ويرددون أنه غير مرحب بترامب في ابريطانيا.
وتعتبر ممارسة الاحتجاج السلمي وحرية التعبير وإبداء الرأي من أبرز مظاهر صيانة الحريات العامة، في الأنظمة الليبرالية الديمقراطية، حيث يشكل انتقاد الرؤساء والمسؤولين والسياسات العمومية، من مظاهر الديمقراطية الحقة، ودولة الحق والقانون، نتذكر جميعا كتاب “نار وغضب” الذي صدر في 5 يناير 2018 للمؤلف “مايكل وولف” الذي ينتقد فيه بشدة الرئيس الأمريكي “ترامب” ويكشف الكثير من أسرار السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية.
الكتاب حقق أرقام مبيعات كبيرة، وترجم للعديد من اللغات، وهو بصدد التحول إلى مسلسل تلفزي، مع ملاحظة دقيقة لم يأمر القضاء الأمريكي باعتقال الكاتب بتهمة “المس بأمن الدولة” أو تهمة “قذف رئيس الدولة”.. ولم تندد الجمعيات المتملقة بمس الكتاب بهيبة الثوابت الأمريكية، ولم تخرج جمعية الشباب الرئاسي الأمريكي تطعن في شرف الكاتب “وولف”..كما أن “دمية الرضيع ترامب” قريبا ستتحول إلى علامة تجارية تتسابق الأفلام والرسوم المتحركة وألعاب الأطفال والملابس على ترويجها، مما يجعل حرية التعبير تسهم في تحريك الاقتصاد، وتنعش الثقافة، وتقوي وتُحصِّنُ الديمقراطية.. وهذا ما يجعل حرية التعبير وإبداء الرأي داخل الفضاء العمومي، بمختلف وسائل التعبير التنويرية السلمية (صحافة، ندوات، محاضرات، مسرحيات، أشعار، مسيرات، منصات تفاعلية..) هو الضمانة الحقيقية للديمقراطية بتعبير الفيلسوفة “حنا أرندت”.
في المغرب حين رفع مواطنون بطنجة شعارات تطالب برحيل وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية عزيز أخنوش الذي كان معية الملك محمد السادس بمناسبة تدشين مشروعي ميناء الصيد البحري والميناء الترفيهي، قامت القيامة الكبرى، وتجندت مؤسسات الدولة بفتح تحقيقات، هكذا فتحت الداخلية تحقيقا، ونقلت الواقعة بسرعة قياسية إلى مستعجلات البرلمان، وصرح وزير العدل محمد أوجار بضرورة عدم “الزج بالمؤسسة الملكية في الصراعات السياسية” ووعده بفتح تحقيق في النازلة المرفوضة.
الملفت للنظر أن أغلب تصريحات الساسة ربطت ربطا تعسفيا بين شعار “إرحل أخنوش” والمس بهيبة الملك، وهذا ربط خطير فيه استعلال للمؤسسة الملكية، وشخص الملك الذي قال في خطاب الذكرى الستين لثورة الملك والشعب، أنه لا ينتمي إلى أي حزب وأن حزبه الوحيد هو المغرب، كما أن دستور 2011 على علاته استبدل الفصل 23 الذي ينص على أن “شخص الملك مقدس لا تنتهك حرمته” بالفصل 46 الذي يقول “شخص الملك لا تنتهك حرمته، وللملك واجب التوقير والاحترام” لذلك لا يجب إقحام الملك في تلك الواقعة، التي كانت تهتف بحياة الملك “عاش الملك” و”إرحل أخنوش” وإلا فسيصبح أخنوش من المقدسات الدستورية علما أن الدستور الجديد ألغى نزع القدسية عن شخص الملك.
كنت أتمنى أن تفتح وزارة الداخلية تحقيقا في واقعة تهجم جمعية الشباب الملكي على السيدة نبيلة منيب الأستاذة الجامعية، والأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد ، وطعنها في شرفها وخدش أسرتها، فقط لأنها اعتبرت الأحكام الصادرة في حق معتقلي حراك الريف ظالمة وقاسية، وأنها أحكام تعيد المغرب إلى سنوات الجمر والرصاص، وتهدد استقرار الوطن وتغذي الإحساس بالقهر لدى الشعب المغربي.
لذلك فجمعية الشباب الملكي تسئ إلى الملك والمؤسسة الملكية، وتتحدى دولة القانون من خلال “إعمال شرع اليد” وتحرشها بالتظاهرات السلمية، لأن وظيفة المجتمع المدني هي الرقي بالوطن والمواطنين، والدفاع عن القناعات بالحوار المتمدن والمرافعة المتحضرة، بقوة الحجة لا بحجة القوة والشتم، وهذا يتنافى مع حرية التعبير والرأي الحر.
لذلك فعبارة “إرحل أخنوش” تدخل ضمن حرية التعبير، قيلت لبنكيران، وللكثير من الوزراء والمسؤولين، ولا أحد طالب بفتح تحقيق، لأن ممارسة الرأي النقدي تجاه الفاعل السياسي من الإفرازات العادية والصحية لتحمل المسؤولية السياسية، ولا ينبغي للفاعل السياسي أن يتعامل معها بحساسية، بل عليه أن يتقبلها برحابة صدر، وتطوير أدائه السياسي.
أما أن نصف شخصا بالعهر، دون مراعاة شعوره والمساس بكرامته وكرامة أسرته، فهذا قذف يمس بشرف الشخص والقانون يعاقب عليه، أن يقول مواطن “إرحلي منيب” أو “إرحل برحيلة” فهذا لن يزعجني على الإطلاق، غير أن الشتم والطعن في الشرف بذاءة تسئ إلى دولة الحق والقانون.
أختم بهذا المقطع من الخطاب الملكي ” خديمك الأول، لا ينتمي لأي حزب ولا يشارك في أي انتخاب، والحزب الوحيد الذي أنتمي إليه، بكل اعتزاز، ولله الحمد، هو المغرب، كما أن المغاربة كلهم عندي سواسية دون تمييز، رغم اختلاف أوضاعهم وانتماءاتهم، إذ لا فرق بين رئيس بنك وعاطل، وربان طائرة وفلاح ووزير. فكلهم مواطنون، لهم نفس الحقوق، وعليهم نفس الواجبات”.
ليس في المغرب شخص مقدس، ومواطن مدنس.. المغاربة سواسية، وبتعبير أكثر دقة يجب أن يكونوا سواسية، ومن أجل المساواة طرد أجدادنا وأباؤنا الاستعمار، وضحى الشهداء بدمائهم وحياتهم، والأوطان تبنى بالحرية، والأحرار هم الذين يستطيعون الإبداع والابتكار وصناعة التقدم والازدهار، أما العبودية فهي خراب العمران.. العبد لن يكون عاملا مخلصا ولا عالما نزيها ولا سياسيا صالحا.. العبودية تفسد كل شيء.
102 تعليقات