العرب بين الكرملين والببت الأبيض وسيناريو الشرق الأوسط الجديد.. لا فيدرالية في سورية.. وتل ابيب خط احمر
20 يوليو 2018، 11:32 صباحًا
اختلفت الآراء حول نتائج المؤتمر المشترك بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين. فالمؤتمر الصحفي جاء عقب لقاء مغلق بين الرئيسين سبقه لقاء أمني بين مسؤولين من البلدين قُبيل يومين من انعقاد قمة الرئيسين في هيلسنكي. والمهم في الموضوع أن البنود التي تم الحديث عنها مسبقاً على منبر صحيفة “رأي اليوم” في مقالة سابقة لي هي نفسها التي نوقشت في الاجتماع الثنائي حسب المصادر في كل من موسكو وواشنطن. ولكن الجديد ما كان في المؤتمر الصحفي لأن فيه من العفوية ما كشف الود بين الرئيسين رغم الملفات الشائكة والأسئلة المُحيرة التي طرحها الصحفيون ومنها ما هو شخصي للغاية.
تشير المعطيات أن بوتين استفاد من اللقاء لكسر الحظر السياسي المفروض على القيادة الروسية منذ عام 2014 وسوق لنفسه ولروسيا بما يخدم مصالحها القومية. فعل الرئيس الأميركي ذات الأمر لكن الفارق كان في الأسلوب والنهج. وليس هذا مهما جداً، فالحديث عن الأمور المشتركة بين الزعيمين أو ما يجمعها هو الأهم. فنقاط التشابه بين الزعيمين في المؤتمر الصحفي كانت كما يلي:
أولاً: تحدث الرئيسان عن حماية إسرائيل وهذا بالطبع خط أحمر لهما ولبلديهما كونها يرعيان الكيان الاسرائيلي منذ تأسيسه.
ثانياً: اتفق الرئيسان على أن الطريق للسلام يكون بالطرق الدبلوماسية لا بالحروب
ثالثاً: وافق ترامب على ما قاله بوتين فيما يتعلق بكوريا الشمالية وإيران من أنه لا بد من معالجة الأمور بحكمة بالغة وصبر لأن ملف طهران وبيونج يانج معقدان ومتشابكان إقليمياً ودولياً. ولعل القمة التي تجمع بوتين والرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني بعد أيام في طهران ستعكس ما جرى في قمة هيلسنكي.
رابعاً: اتفق الزعيمان على أن لا عودة للاجئين السوريين في الوقت الحالي من الدول العربية التي تستضيفهم وهذا ما ألمح إليه الرئيس بوتين حين قال: هناك ضرورة لعودة اللاجئين إلى سوريا وخص بالذكر تركيا وأكد أنه في حال عودتهم فإن ذلك سيخفف العبء عن أوروبا أمنياً واقتصادياً. فهل فعلاً كان يقصد ما قاله من أن ألهم الحقيقي هو تركيا وأوروبا فقط دون أخذ الأردن ولبنان بعين الاعتبار؟
خامساً: تلميحات بوتين وترامب تشي بالكثير من المعطيات ومنها أنه تم مناقشة ملف “صفقة القرن” وما تصريحاتهما بشأن اللاجئين إلا إعادة تأكيد على أن الأمر يتعلق بجميع اللاجئين وليس فقط السوريين.
يبدو أننا أمام إعادة توطين للاجئين ممن لا تريد الحكومة السورية استقبالهم من جديد. فهل نحن أمام تجنيس لهؤلاء في لبنان من أجل خلق معادلة جديدة سياسية على الساحة اللبنانية؟ هل نحن أمام تجنيس او مشروع توطين للاجئين السوريين ممن يعشيون في المدن الأردنية؟ وكيف سيؤثر ذلك على معطيات الاقتصاد والأمن في كل من الأردن ولبنان؟
هي أسئلة لا نملك الإجابة عليها ومن يملك الإجابة هما واشنطن وموسكو لأن الدافع من عبارة تتعلق بالاجئين يعني عرفاً وحكماً أن القرار متخذ مسبقاً من الناحية السياسية والأمنية وأن العودة مشروطة؟ فهل كان هذا هو السبب في عدم قبول الأردن دخول لاجئين جدد إلى أراضيه بعد أن بدء الجيش السوري عملية تمشيط واستعادة الجنوب الغربي من البلاد؟ هل كان السبب في ذلك اقتصادياً وأمنياً فقط؟
نعرف أن الهدف الرئيسي لروسيا من تعميق نفوذها في الشرق الأوسط هو استعادة مصالحها االكبيرة التي فقدتها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في المنطقة مع السعي الحثيث لإبعاد الولايات المتحدة الأميركية عن مناطق نفوذها في البحر الأبيض المتوسط وخصوصاً سوريا ولاحقاً لبنان والعراق وتركيا. أما واشنطن فتسعى للحفاظ على علاقاتها الاقتصادية متع العديد من دول الشرق الأوسط ومنها دول الخليج العربية وشمال أفريقيا والأردن والعراق وحتى سوريا عن طريق بيع السلاح وإنشاء قواعد عسكرية واستثمارات بعشرات المليارات من الدولارات.
يرى بوتين في ترامب شخصية رأسمالية يمكن السيطرة عليها بالمال والأعمال ويرى ترامب بوتين ضابطاً عسكرياً كبيراً لا بد من احترام رتبته العسكرية عن طريق الالتزام بروح الانضباط في القول والعمل. واليوم وبعد القمة والمؤتمر الصحفي، ثبت للعالم أن بوتين يدير ملف السياسة الخارجية لبلاده بنجاح وأن ترامب يدير الملف الاقتصادي الخارجي لبلاده من باب الأمن القومي الأميركي.
واليوم، يمارس الرئيسان ضغوطات كبيرة على الاتحاد الأوروبي لجذبه لفلكهما.وهذا ما يفسر استهتار ترامب بالتعامل مع القادة الأوروبيين ودعمه لبولندا التي تشتري أسلحة بعشرات المليارات من الدولارات من بلاده. فالرئيس الأميركي يريد أن يمارس نوعاً من الضغط الاقتصادي والسياسي على الاتحاد الأووربي للحصول على تنازلات تخدم واشنطن وبالمقابل يضغط بوتين باتجاه معاكس لجذب الدول الأوروبية الرئيسية لفلك بلاده ومنها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.
انتهت القمة واتفق الرئيسان على مبادئ وخطوط عريضة سبق وأن أشرنا اليها في مقالة سابقة ولكن المهم هو الاتفاق على سوريا والجولان وإيران وإسرائيل، فلا فيدرالية في سوريا لأن المصلحة اليوم تقتضي توحيد سوريا لأن تجزئتها يعني سباق التجزئة للمنطقة برمتها وحروب ليست طائفية هذه المرة بل مناطقية وإقليمية وعشائرية. وتبقى تل أبيب بالنسبة لموسكو وواشنطن خطاً أحمر وعلى المتضرر اللجوء للقضاء (الأمم المتحدة).