هل تتشابه الأحداث التاريخية وهل يمكن للتاريخ أن يعيد نفسه ؟ إنه سؤال إختلف بصدده المؤرخون والمفكرون وتعددت آراؤهم ونظرياتهم في الإجابة عليه ، ولكن من بين هؤلاء نجد المفكر السياسي الإيطالي ميكيافيلي الذي يؤمن بهذه النظرية ، فهو يرى أن الطبيعة البشرية واحدة وهي لا تتغير، مجبولة على القوة وحب الذات والتملك وإرادة الهيمنة والسيطرة ،لذلك سمي مذهبه السياسي بالمذهب الطبيعي ، أي أن السياسة والسلوك السياسي يقوم على فكرة الطبيعة البشرية التي تتنازعها قيم الخير والشر ويبقى الشر أقرب إلى طبيعة الإنسان ، فعلى حد قوله وفي معنى كلامه : أن يتبعك ويطيعك الناس خوفا أفضل لك من أن يتبعوك حبا، وهذا مع التذكير بأن المذهب الطبيعي في السياسة لمكيافيلي هو مرجعية الغرب في الفكر السياسي والمذهب الليبرالي القائم اليوم. إن تشابه أحداث التاريخ في نظر مكيافيلي لا يعني أنها تتكرر بنفس الأسباب والأهداف والنتائج ولكنها محكومة بمنطق واحد وهو منطق الطبيعة البشرية الذي لا يتغير أبدا في نظره.
كان لا بد من هذه المقدمة لأنه يبدو لي أن الرئيس الأمريكي ترامب في تكوينه النفسي وتصرفاته ومواقفه وشخصيته لا يختلف عن الإمبراطور الروماني نيرون آخر أباطرة روما من سلالة جوليو كلاوديان، إن مساره الشخصي ومساره السياسي لا يختلف عن مسار ترامب فهما وجهان لعملة واحدة ويمكنك أن تقول أن ترامب هو نيرون أمريكا و آخر السلالة من عائلة الظلم والطغيان والإستكبار العالمي.
تروي المصادر التاريخية أن نيرون كان حاكما بالإسم فقط و أن أمه كانت هي الحاكم الفعلي ، قتل الوريث الشرعي و انصرف إلى اللهو والسكر والعربدة والغناء ، قتل أصدقاءه و أقرباءه وضباط جيشه ، وأحرق روما عندما راوده خياله بأنه سيعيد بناءها من جديد ، وبينما كانت الجثث والضحايا يصرخون أخذ له مكانا في برج مرتفع لكي يتسلى بمنظر الحريق وكم كانت نهايته تعيسة وحزينة عندما انقلبت عليه الأوضاع رأسا على عقب وعاش مختبئا وفكر في قتل نفسه وظل مترددا إلى أن فعلها واستراح وأراح العالم من جنونه اللا محدود.
إن هذا المسار النيروني يكاد يتطابق مع المسار الترامبي و بأدق التفاصيل ، فهو حاكم بالإسم فقط لأن الحاكم الفعلي هو اللوبي الصهيوني ورئيس الكيان الإسرائيلي الذي لا يستطيع أن يرفض له طلبا لأن نتانياهو يحسن لعبة الصراخ والعويل والبكاء وهو يقتل أصدقاءه والمقربين منه سياسيا ويتمرد على الجميع ولا يمكنك أن تتنبأ سلوكاته ، وهو بعد ذلك من خلال تهديداته بشن الحرب على إيران يريد أن يحرق العالم ويدمره لكي يتسلى بمنظر النار والضحايا والجثث ، إنه الجنون الترامبي الجديد ويا له من جنون.
إن ترامب لا يعبث فقط بذيل الأسد كما قال الرئيس الإيراني روحاني ولكنه يعبث بذيل العالم فالحرب ضد إيران هي أم الحروب لأن إيران ليست فقط حضارة ولكنها أم الحضارات لقد تمرد الفيلسوف الألماني نيتشه على القيم الغربية لأنها تتميز بالنقاق و الإزدواجية فراح يبحث عن الإنسان النقي و البريئ فوجده في الشرق لا في الغرب وجده عند زرادشت الحكيم الذي كان عنوانا لكتابه الشهير ووجده في النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم والذي وصفه بأسد الصحراء في هذا الكتاب، إن ترامب على الطريقة النيرونية يرفع المطرقة في وجه الجميع من أجل الهدم ، ليس الهدم من أجل البناء كما يفعل البناء والنحات والمفكر والمبدع بصفة عامة، ولكن الهدم من أجل الهدم ومن أجل التلذذ بالدماء وجثث الضحيات وألسنة النيران ، وهنا يمكننا أن نقول مع نيتشه ((آن للعدمية أن ترفع رأسها )) في مجتمعات الفرجة و الإستهلاك والبلاهة.
إن هدف ترامب من كل هذا المجون والجنون هو تصفية القضية الفلسطينية في ولايته الأولى، هذا هو مشروعه الأساسي المعلن والخفي و التحرش يبإيران يدخل في إطار هذه الحسابات السياسية والإستراتيجية و يريد أن يعلن في نفس الوقت من إسرائيل حاكما مطلقا وأبديافي المنطقة بدون أعداء أو تهديد وهذا هو الرهان الحقيقي الذي يجب أن تعيه جيدا المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني والعرب والمسلمون جميعا ، فالمقاومة لا يجب أن تتوقف، يجب أن تكون مقاومة مستمرة على غرار الثورات المستمرة.
إن إسرائيل منذ غرسها في الأرض العربية وهي تحمل في ذاتها بذور فنائها لأنها كيان إرهابي محتل لا يستطيع أن يعيش إلا من خلال الحروب وبواسطتها وهو كيان لا يمكنه أبدا أن ينعم بالأمن والسكينة، ولا نقول هذا الكلام لتبرير عجزنا كعرب ومسلمين ولكن الظرف الراهن والخطير يفرض علينا أن ننتبه جيدا وننبه العالم لدقة المرحلة و منعطفاتها التاريخية الحاسمة.
إن إيران ليست فقط قلعة للحضارة ، بل هي قلعة العرب والمسلمين جميعا من حيث يشعرون أو لا يشعرون ، بل قلعة الإنسانية وجزء كبير من التراث العالمي والإنساني ولا يمكن أبدا أن تقبل بالإبتزاز وفرض الشروط والتخلي عن مشروعها النهضوي المشروع وواجباتها القومية والإسلامية بما يحفظ مصالحها كدولة عظمى ولكن ليس على الطريقة الترامبية – النيرونية أي معاملة الآخرين كمعاملة السيد للعبد ولكن كمعاملة الإنسان لأخيه الإنسان وهذه القيمة للأسف لا يعرفها ولا يفهمها ترامب لأنه بعيد عن الإنسان.
إن ترامب ، عفوا نيرون يريد تصفية القضية الفلسطينية وقبرها للأبد وأنا أعتقد من خلال شخصيته النيرونية أنه بصدد تقديم هدية لصهره الصهيوني بمناسبة عيد ميلاد إبنته في السنة المقبلة خارج قوانين الطبيعة والمجتمع والتاريخ فلا تستغربوا ذلك، لأنه لا يمكن تعقيل المجنون، إن الحرب على الجمهورية الإسلامية في إيران التي يدعو إليها نيرون أمريكا الأخير ويجمع لها المرتزقة والخونة والحلفاء إن وقعت بالفعل فإننا نؤكد على حقيقة واقعة لا محالة وهو أن أية بناية ستسقط في المنطقة ستجر معها بنايات أخرى وأولها إسرائيل وبعض الكيانات السياسية الورقية العميلة في منطقة الخليج.
إن هذا الجنون الترامبي النيروني الجديد و الأخير سوف يؤدي بالعالم إلى مآلات جنونية رهيبة لا أحد يمكنه أن يتوقع نتائجها وتفاعلاتها المستقبلية ، فمن ينقذ ترامب من نفسه ومن ينقذ ترامب من نيرون ومن ينقذ نيرون من نيرون قبل أن تحل الكارثة ويعم الخراب؟
د. قادة جليد الجزائر- كاتب جزائري والمقال لرأي اليوم