66 عامًا على الثورة: عبد الناصر كان ديكتاتورًا !
الـ23 من شهر تموز (يوليو) من العام 1952، كان وما زال وسيبقى علامةً فارقةً في تاريخ الأمّة العربيّة، من مُحيطها الـ”ثائر” إلى خليجها الـ”هادر”. في هذا اليوم انتصرت ثورة “الضبّاط الأحرار” على الظلم والغبن والاستبداد، وبدأت معركة التحرير والتخلّص من النظام الملكيّ العميل والخبيث واللئيم، أعدتم مصر للمصريين. هذا اليوم المفصليّ، غيّر مجرى التاريخ وزرع العزّة والكرامة في قلوب وعقول أمّة الناطقين بالضاد، ولكنّ الرجعيّة العربيّة، عملت كلّ ما في وسعها لإجهاض هذا الانتصار، واستمرّت في مساعيها الحثيثة لشيطنة الثورة، خوفًا على نظمها الحاكمة، التي تتأرجح حتى من العواصف الرمليّة، وارتمت في أحضان النازيين الجُدُد في أمريكا، وعولّت على علاقاتها مع إسرائيل للحفاظ على نفسها، ومُواصلة نهب الشعوب والتآمر عليها.
***
لم نحتفِل بانتصار الثورة، فنحن، على ما يبدو، نُحيي الهزائم، ونُكرِس التخلّف، ونُرسّخ التبعيّة المُطلقة لألّد أعداء الأمّة العربيّة، فيما تعمل إمبراطوريات الإعلام العربيّ، والخليجيّة تحديدًا، على تقسيم العرب إلى عربين، وزرع بذور الفتنة الطائفيّة، والمذهبيّة والعرقيّة، لتأكيد دونيتنا، وتذويت فوقيّة الإمبرياليّ والصهيونيّ، إنّهم يعملون على مدار الساعة لإقناعنا بأنّ تحرير فلسطين بات ضربًا من الخيال، ونحن لا نتحدّث عن مأزومين ومهزومين ومأزومين، بلْ عن قياداتٍ مُتواطئةٍ وإعلامٍ مُجيّرٍ ومُجيّشٍ من أجل استدخال الهزيمة، أوْ بكلماتٍ أخرى، كيّ الوعي العربيّ بأنّ الانتصار أصبح في خبر كان، ويتحتّم علينا رفع المظلّات حتى عندما تُمطِر السماء حريّةً.
***
وغنيٌ عن القول إنّ تبعية الرجعيّة العربيّة لرأس حربة الإرهاب في العالم، أمريكا، والربيبة-الحبيبة إسرائيل، يهدف إلى تمرير مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي عكف على إعداده أخبث وأقذر الإمبرياليين وعصابات اليمين المسيحيّ المُحافظ في واشنطن، لتفتيت الوطن العربيّ، وتحويله إلى دويلاتٍ طائفيّةٍ ومذهبيّةٍ وعرقيّةٍ، وافتعال “ثورات” بالإنابة وحروبًا بالوكالة، وما إلى ذلك من المصطلحات التي يمتلأ بها مُعجم أعداء الأمّة من الغرب ووكلائهم المطيعين في الوطن العربيّ، الذين لم يفهموا حتى اللحظة مقولة المُفكّر الأمريكيّ نوعام تشومسكي:”للحكومات العربيّة حقوق، لأنّها تُسيطر على الشعوب وتضمن تدّفق الثروة إلى الغرب، ولبريطانيا حقوق ما دامت تلعب دور الكلب التابع الوفيّ للولايات المتحدة، فهدف أمريكا وبريطانيا ينحصر في الاحتفاظ بالسيطرة على المناطق المُنتجة للنفط وليس الدفاع عنها”. تشومسكي يهوديّ، ولكنّه بات عربيّ الهوى، أكثر بكثيرٍ من الملوك والأمراء والمشايخ، الذين يدفعون الغالي والنفيس لترامب من أجل حمايتهم، وأيضًا، لا ضير من الاستعانة بمقولتك التاريخيّة: “إذا وجدتم أنّ أمريكا راضية عنّي، فاعلموا أننّي أسير على الطريق الخطأ”.
***
المُؤسف والمُريب، المُخجل والمُشين، يتجلّى عندما يمشي العار عاريًا، فأشباه الرجال في الوطن العربيّ، بدءً من مفّكريهم، مرورًا بمثقفيهم، وانتهاءً بالأمراء والملوك والسلاطين، يتهمونك بالديكتاتوريّة، وكأنّ بلادهم تنعم بالديمقراطيّة، أوْ تعرف معنى الديمقراطيّة، أعتقد أنّ الردّ على هذه التُرهّات والمزايدات يجب أنْ يكون:
-نعم، كنتَ ديكتاتورًا، لأنّك أقمت السد العالي وبمُساعدة من الاتحاد السوفيتي سابقًا ورفضت رفضًا قاطعًا قبول شروط صندوق النقد الدوليّ.
-نعم، كنتَ ديكتاتورًا، لأنّك أمّمّت قناة السويس، وتعرّضت للعدوان الثلاثيّ من قبل فرنسا وبريطانيا وربيبتهما، إسرائيل.
-نعم كنتَ ديكتاتورًا، لأنّك طبّقت الاشتراكيّة.
-نعم كنتَ ديكتاتورًا، لأنّك صادرت أراضي الأغنياء ووزعتها على الفلاحين والفقراء.
-نعم، كنتَ ديكتاتورًا، لأنّك أقمت منظمّة دول عدم الانحياز.
-نعم، كنتَ ديكتاتورًا، لأنّك أقمت الوحدة المصريّة-السوريّة.
-نعم، كنتَ ديكتاتورًا، لأنّك تنحيّت بعد نكسة العام 1967.
-نعم، كنتَ ديكتاتورًا، لأنّك تراجعت بضغط الجماهير التي خرجت إلى الشوارع، وأصدرت الأوامر للجيش بالاستعداد للمواجهة القادمة مع الدولة العبريّة.
-نعم، كنتَ ديكتاتورًا، لأنّك لقّنت إسرائيل وأمريكا ودول النفاق الأوروبيّ درسًا من الصعب، إنّ لم يَكُن مستحيلاً نسيانه: ثلاثة أعوام خضت حرب الاستنزاف ضدّ جيش الاحتلال.
-نعم، كنتَ ديكتاتورًا، لأنّك سببت لصنّاع القرار في تل أبيب عُقدة لم يتخلصوا منها حتى الآن، فحتى بعد مرور 48 عامًا على رحيلك، ما زال اسمك يقُض مضاجعهم، وبالتالي يُحاولون محو تاريخك الذي يُشرف كلّ عربيّ تسري في عروقه القوميّة، يعملون على شطب أعمالك وإنجازاتك من ذاكرتنا الجماعيّة، ولكنّ الفشل سيكون حليفهم.
***
في ما يتعلّق بفلسطين، فقد قرر العرب، كعادتهم، تأجيل تحريرها إلى موعد، لم يُكشف النقاب عنه، أصدروا مبادرةً عربيّةً في العام 2002، فردّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ آنذاك، أرئيل شارون، بإعادة احتلال الضفّة الغربيّة، ووزير حربهم بنيامين بن إليعزر وصفها بأنّها أكبر إنجاز حققته الصهيونيّة منذ تأسيسها. وعلى الرغم من أنّها مبادرة استسلام وليست مبادرة سلام، فقد رفضتها تل أبيب، وما زالت على الرّف موضوعةً، بانتظار الموافقة على استيعابها من إحدى مزابل التاريخ، لأنّ رائحتها نتنةً جدًا، ولا نقصد نتنياهو.
***
أمّا بالنسبة لدولة الأكثريّة اليهوديّة، فما زالت مُعربدة، ترغي وتزبد، تُهدّد وتتوعّد، والعرب يُردّدون إنّا لأمريكا وإنّا إليها خاضعون، أركان دولة الاحتلال يُواصلون نهب الأرض الفلسطينيّة، في ظلّ صمتٍ وهوانٍ عربيين. للأسف الشديد، بات العرب عبئًا على فلسطين، ولكنّ نفاقهم وتملّقهم يُجبرهم على ترديد الأسطوانة المشروخة بأنّ قضية فلسطين، هي قضية العرب الأولى، ويُصدِرون بيانات الشجب، الاستنكار والتعبير عن الامتعاض، التي لا تُساوي الحبر الذي كُتبت فيه.
***
أخيرًا: في هذا الزمن الرديء، زمن الردّة السياسيّة العربيّة، إذا قلتَ القوميّة العربيّة والزعيم الخالد جمال عبد الناصر، تُصبح مُتهمًا بالرومانسيّة، وإذا أيدّت كلاميًا المُقاومة والمُمانعة، ينعتونك بـ”الإرهاب”، كما أنّ التطبيع مع “الكيان الغاصِب” أمسى القاعدة، وليس الاستثناء، ومع ذلك، في الذكرى الـ66 لثورة “الضبّاط الأحرار”، سيزداد تمسّكنا بعروبتنا ولسان حالنا يقول: للباطِل جولة، وللحقّ صولات وجولات، وسجّل، سجّل، أنا عربيّ.
زهير أندراوس -كاتبٌ فلسطينيٌّ والمقال لرأي اليوم