فرحة عيد العرش بعفو ملكي عن سجناء حراك الريف/ نورالدين برحيلة
عيد بأيّة حال عدت يا عيد .. بما مضى أم بأمر فيك تجديدُ
المُتنبِّي
ينتظر الشعب المغربي مفاجأة سارة، بمناسبة عيد العرش.. هي عفو وتبرئة ملكية لمعتقلي حراك الريف، اجرادة، زاكورة والباقيات المؤلمات.. نعم عيد بأية حال عدت يا عيد.. ليس كما مضى وإنما بأمر فيه تجديد.. وهذا الأمر الجديد الذي يتشوَّقُ عموم المغاربة لسماعه في خطاب العرش، هو العفو الملكي الشامل عن سجناء الرأي.
حراك الريف كشف عن حجم غابة الفساد التي تنخر الوطن، ليجد النشطاء الذين فضحوا الفساد والبيروقراطية الإدارية، وشلل المرافق العمومية وضعف الخدمات الاجتماعية، وتعثر المشاريع التنموية.. وجدوا أنفسهم تحت طائلة أحكام قاسية، علما أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات أثبتت وجود الكثير من الاختلالات التدبيرية التي تؤثر بقساوة على حياة ساكنة الحسيمة (وهي اختلالات تهُمُّ المغرب كله) مما جعل الملك آنذاك يقوم بإعفاء عدة وزراء ومسؤولين بسبب إخلالهم بمسؤولياتهم تجاه الوطن والمواطنين.
الشعب المغربي بمختلف مكوناته ونخبه الفكرية والإعلامية والسياسية والدينية والفنية والرياضية وكل الهيآت الحقوقية وفعاليات المجتمع المدني يلتمس من الملك محمد السادس تمتيع معتقلي حراك الريف من نشطاء وصحفيين بالسراح والحرية، سيما وأن احتجاجهم أزال ورقة التوت التي كانت تخفي غابة الفساد، وتُغطي المياه الآسِنة التي تجري تحت جسر الشعارات المزيفة التي كانت تُروج لأكاذيب تنموية، استنزفت الملايير من المال العام بدعوى محاربة الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي، ليتضح أنها كانت أشبه بالدجاجة التي تبيض ذهبا في حسابات المفسدين.
فضح الفساد واجب واطني، والفساد في المغرب تغوَّل وساد، ومعظم المغاربة يكتوون بنار الفساد في كل القطاعات، أتذكر بحزن عميق معاناة أمي المقاومة عيشة المكي، التي أعطت الكثير خلال حياتها الموشومة بالتضحيات الكثيرة والصبر الجميل، كغيرها من المغربيات والمغاربة الذين قاوموا المستعمر بشهامة وشراسة، أتذكر بدمع حارٍّ مأساتها ثلاث سنوات وهي مشلولة طريحة الفراش، بحثا عن العلاج في مستشفيات ومصحات السراب، كانت أمي الراحلة قوية الأمل متشبثة بالحياة، لكن “وحش الفساد” المستفحل في قطاع الصحة كان أقوى وأعتى من أملها وإرادتها في العلاج، إلى أن أسلمت روحها إلى باريها، بعد رحلة طويلة من الألم والأنين، واللامبالاة والابتزازات والإهانات التي كنا نتلقاها في ردهات المؤسسات الاستشفائية..
كيف سيكون إحساسك وأنت ترى أمك المُقاومة التي ضحت من أجل الوطن ومن أجل أسرتها بالغالي والنفيس، تُصبح مشلولة فاقدة للحركة والنطق، وتحملها من مستشفى إلى مصحة.. ويُتعاملُ معها كجثة انتهت صلاحيتها، كلما تذكرت الطريقة التي أهينت بها أمي في المستشفيات عيناي تفيضان دمعا.. بكاؤهما يشفي وإن كان لا يجدي؟؟
ماذا يعني أن تنتهي حياة الذين أعطوا للمغرب الكثير بهذه الطريقة التراجيدية التي تسحق كرامتهم وكرامة ذويهم؟
ماذا يعني أن يتم إذلالك في المستشفيات والمصحات وتخير بين دفع الإتاوات المنتظمة أو التجاهل وهضم حقك في العلاج؟ أليس هذا هو الاحتقار؟ أليس هذا هو سحق الكرامة؟ أليس هذا هو الفساد؟
ماذا يعني أن تنقل النساء الحوامل على نعش الموتى وأن ينقل المرضى في الدراجات النارية (التريبورتور) إلى المستشفيات وسيارات إسعاف وزارة الصحة والجماعات الحضرية والقروية تقدم خدماتها مقابل النفوذ والنقود؟ أليس هذا هو الفساد؟
أليس عدم محاسبة الذين أثبت المجلس الأعلى للحسابات تورطهم في قضايا فسادِ ونصب واحتيال فســـــادا؟
بداية الأمل في محاربة الفساد تتجسد في إطلاق سراح سجناء الرأي، وتشجيع المواطنين على محاصرة الفساد، لا إصدار أحكام ثقيلة على منتقدي الفساد، لتخويف كل من سولت له نفسه ممارسة النقد البناء.
نحن المغاربة متشبثون بالمؤسسة الملكية التي نعتبرها من المكونات المركزية لهويتنا الوطنية، وهي صمام أمان وحدة المغرب، وما قيل عن مناضلي حراك الريف من كونهم يتآمرون على الوطن، هي تُهم عارية من الصحة، يزرعها الحاقدون الذين يريدون زعزعة التماسك الاجتماعي بين المغاربة، وإطلاق سراح فاضحي الفساد هي بادرة ملكية ينتظرها كل المواطنين، وليس فقط أُسرُ المعتقلين، الذين أرهقهتهم رحلة الذهاب والإياب من الحسيمة صوب سجن عكاشة بالبيضاء.
ختاما، تُحيل كلمة “العيد” على معاني الفرح والابتهاج والحبور والسعادة والسرور.. لذا سيكون العفو الملكي على سجناء الرأي، تحقيقا فعليا لدلالات الفرح، وتجسيدا واقعيا لعطف الوطن على فلذات أكباده، من أجل أم عجوز مريضة وأب شيخ عليل لا يتحملان عناء السفر، وزوجة مكلومة وأطفال غادرهم الفرح وأُسَر لازمها القرح، بعدما أصبح الحزن نافورة تتدفق بآلامها الرهيبة وفلذات الأكباد تتلظى داخل جدران السجون، وما حركهم للاحتجاج ضد الفساد سوى حبّ الوطن، لأن حب الوطن من الإيمان.
المقال لرأي اليوم