متعة هو السفر فما بالك إن كنت مسافرا الى دمشق هناك حيث تعشش العروبة و يسكن التاريخ .يقول أحد علماء الحضارة :لكل انسان عاصمتان..عاصمة وطنه و دمشق .كيف لا و هي أقدم عاصمة في التاريخ .الرحلة الى سورية أصبحت تختزل واقع أمة العرب الأليم بكل ما فيها من الشقاق و التوجس من اﻵخر..تأشيرات سفر..رحلات متقطعة بين العواصم بتأشيرات عبور مؤقتة حتى تصل الى مبتغاك..معابر حدودية برية بعد مطارات يساورك فيها شعور بأنك متهم “بشيء ما” الى أن تثبت( برفع الراء) عكس ذلك بمرورك بكل ما تفتق عنه الذكاء البشري من أجهزة التفتيش بالصدى أو بالأشعة السينية.
الى دمشق ستسبقك أولا مشاعرك الفطرية بالحنين للأمومة، حيث ستشعر بأن كل جدار يصلح لأن يكون حضنا دافئا ،لتليها تخيلاتك :كيف عساها أصبحت تلك الجميلة الدافئة؟ ربما لن تقاوم دمعات من النزول لمجرد فكرة:
“ما تراها فعلت بها الحرب ؟”
هل أدمت وجهها الجميل؟
هل اغتصبت عروبتها؟
هل تمكنت من أهلها،من طيبتهم .حسن ضيافتهم أو ثقتهم ؟
كم هي غائرة جروحهم و جروحها؟
و تلك الأرض ستسألك و أنت العائد بعد أن وضعت الحرب أوزارها..لماذا تركت الحصان وحيدا ؟
و السماء ستطرح سؤالها :لم لم تأت في زمن الحرب عندما غزتنا غربان السواد الجارحة ؟
لتستفيق من أحلامك بنفحات شامية تهب عليك منذ دخولك بيروت تلك الأنيقة الفاتنة و التي قد تغويك بالمكوث فيها و لو قليلا تكتشف خلالها أن بين الاثنتين دمشق و بيروت حبل سري تسري فيه دماء سورية و لبنانية رغما عن كل الأزمات .دخولك الى الطرف السوري للحدود سيشكل أولى المفاجآت من وجودك على الأرض السورية فهناك ستستقبلك سورية بلافتة ضخمة كتب عليها (بالحب والسلام مرحبا بكم في سوريا)!
كلمات تذيبك خجلا و شعورا بالذنب حتى و لو لم تكن مذنبا ، أما زال في ذلك القلب المكلوم من الأشقاء و الأصدقاء و الغرباء و حتى الأبناء مكانا للحب و استعدادا للسلام ؟
ألم يكفها ما منيت به من الخيانة و الجحود منذ ما يزيد على 7سنوات لتستبدل الحب بالكره و السلام باعلان الحرب على كل شعائر الصداقة و الاخوة و حسن الجوار .لن تجد تفسيرا لذلك أكثر منطقية سوى أن سورية هي فعلا القلب الكبير الذي يغفر كل الذنوب .طريقك الى أطراف العاصمة دمشق لن يكون خطا متواصلا لأنك ستضطر الى التوقف في العديد من نقاط التفتيش سواءا على الطريق أو في مراكز العبور .هم سيفتشون أمتعتك و أنت ستفتش وجوههم بحثا عن قسوة تتركها الحروب عادة في قلوب من عايشها بكل تفاصيلها لتكتشف ثاني المفاجآت : أن ما أفرزته الحرب من مهارات قتالية عالية و خبرة ثاقبة في تقييم خطورة الأحداث و الأفراد لم تأت على الاطلاق على مبادىء و قيم الأصالة عند الجندي السوري قيم تتجاوز كل مفردات النقمة و تصفية الحسابات ما دمت عائدا الى حضن الوطن …كم هو عظيم تسامح هذا البلد تقولها و تمضي باتجاه دمشق الفيحاء في طريق يوحي لك كل ما فيه حتى وان كان ركام حجار أو بقايا معركة بأنك على بر الأمان لتدخل دمشق و أنت مفعما بمشاعر فياضة غمرتك بها لافتة علقت على باب سورية كتب عليها