لاشك لدي بأن 99% ممن سمع عن مظاهرات تل ابيب وقطع الطرق وشل المرور عند المفارق المكتظة يظن انها حراك عادي لأنصار اليمين الذي يمثله ليبرمان .
انطلقت هذه المظاهرات أثناء اجتماعات الكابينت ” الحكومة المصغرة ” ، التي اتخذت قرارا بالموافقة على وقف اطلاق النار في غزة ، لكن الحقيقة غير ذلك فمن تظاهر وتحرك في الشارع ضد من ؟؟ ، كل الذين تحركوا في الشارع كانوا جنودا ومجندات جميعهم كانوا من الجيش الاسرائيلي ويحملون هويته ولهم أرقام عسكرية .
التحرك كان بايعاز من ليبرمان الذي قدم استقالته ، وطالب باجراء انتخابات مبكرة .
هيئة الأركان الاسرائيلية
لقد أقام ليبرمان علاقات حميمة ووثيقة مع كبار ضباط أسلحة الجيش الاسرائيلي ، ويسجل في تاريخ الحكومات الاسرائيلية ان زيارات ليبرمان وجولاته لمواقع الجيش بكافة أسلحته كانت الأكثر ضمن وزراء الدفاع الذين سبقوه ، وحرص ليبرمان على الظهور في كل موقع جرى فيه اشتباك أو كان عرضة لحدث عسكري ما .
وزار ليبرمان جبهات الجولان أكثر من عشرين مرة أثناء وجودالارهابيين من النصرة وداعش وغيرهم ، وبعد أن انسحب الارهابيون منها وحرص على نسج شبكة اتصال بديلة مع الارهابيين في ادلب والسويداء وصحرائها قبل أن يتم هذا الانسحاب ” الي لم يكن راضيا به ” هيئة أركان الجيش الاسرائيلي في ظل ليبرمان تتكون ممن معه يضعون على رؤوسهم ” قلوسات ” ، مطرزة وصوفية ! ومن يضع هذه الأنواع من ” القلاليس ” ، يعلن عن انتمائه لأقصى اليمين العنصري الصهيوني ، وكانت هيئة الأركان قد تغيرت عضويتها من خلال الضباط الذين يحتلون مناصب عليا من عدد ” صفر ” – في عهد بن غوريون الى بداية لقول في عهد غولدا مئيربعد 1973 الى أن تمدد وجود المتطرفين الصهاينة في زمن مناحيم بيغن ونتنياهو ، مما جعل باراك غير قادر على التحكم بأي قرار عسكري .
وأصبحت هيئة الأركان بكاملها مشكلة من ضباط قيادة يمثلون استراتيجية اسرائيل الجديدة في التوسع والتمدد وشن الحروب .
ايران بعد شطب عملية السلام واعتبار الأرض من النهر الى البحر ارض اسرائيلية ومنها الضفة الغربية والجولان ، وانعكس ذلك في مشاريع جيش اسرائيل التحصينية واعادة هيكلة المناطق الحدودية ، واقامة منشآت دفاعية وهجومية في الجولان والجليل والحزام المحيط بقطاع غزة .
لايمكن تحليل الوضع الداخلي في اسرائيل دون الأخذ بعين الاعتبار هذا التغيير الهام جدا في تاريخ اسرائيل ، فقد حرص بن غوريون على توحيد كافة عصابات الارهاب في جيش موحد واستخدم القوة معظم الحالات لجمع السلاح وتحويل العصابات الارهابية الى جيش منضبط لقيادة كلفت قيادته بارساء قواعد عامة عسكرية وعقيدة عسكرية لدولة ” اسرائيل ” ، والعلمانية في الجيش كانت تعني لبن غوريون عدم التفريق بين الفرق اليهودية الدينية واحترام قرار فئات متدينة منهم عدم الانصياع لقانون الخدمة العسكرية الالزامية ، لكن كل هذا وماجرى عليه من تعديلات على مر الحكومات المختلفة لم يغير القاعدة العامة والشعار الأساسي لجيش اسرائيل وهو : ” اقتل أولا قبل أن يقتلك العرب ” ، وعلى مر سنوات عمر الدولة حكم اسرائيل رؤساء وزارات كانوا في حياتهم جنرالات في المؤسسة العسكرية الارهابية الاسرائيلية ، لكن حقبة نتنياهو ألغت هذه القاعدة وكان شارون آخر الجنرالات الذين حكموا اسرائيل .
في تاريخ اسرائيل رئيس الوزراء ” الجنرال ” يمتلك من الخلفية الدموية والارهابية مايمكنه من اتخاذ قرارات سياسية ” صعبة ” ، دون أن تدفع حكومته ثمنا لذلك فالاسرائيليون اجمالا ينصاعون للعسكر وللجنرالات ولا يقومون قرارات هؤلاء ” الأبطال ” ، وكلمة بطل يعطيها الاسرائيلي للجنرال الذي ثبت أنه سفك من دماء الفلسطينيين والعرب أكثر من غيره .
ولذلك كان اولمرت يتفاخر بأنه كان أكثر اقداما على اعطاء الأوامر بالقتل من شارون وباراك واستخدم شارون مغامراته الارهابية الدموبة ، والمبالغة في تغطيتها اعلاميا لكسب أصوات الجمهور الذي جبل على الارهاب والتطرف والعنصرية ، وتجربة نتنياهو الفاشلة في اصدار أوامر للقيام بعمليات ارهابية خاصة وسرية حرمته مما حاول مراكمته من انتصارات تعوض عدم امتلاكه لصفة وامتيازات ” الجنرال ” ، ولاشك أن كل عملية عسكرية أو ارهابية سرية أمر بها نتنياهو نجحت في قتل العديد من المدنيين والمناضلين لكن مردوداتها السياسية كانت سلبية على نتنياهو ، وما عملية الشهيد نور بركة ، ومحمود المبحوح وخالد مشعل ” الذي نجا من سم الثاليوم نتيجة الامساك بالمنفذين ” ، تدل على ما أعني .
والآن يواجه نتنياهو صراعا مفصليا من المعسكر الأكثر جذرية في الارهاب الدموي الصهيوني ، ويعتمد ليبرمان الطامح لرئاسة الوزراء على المؤسسات العسكرية والأمنية ، ويحاول الاستفادة من سلبيات نتنياهو ، وأهمها وصفه بالخضوع للقرار الاميركي طوعيا وملفات الفساد المفتوحة التي يجري التحقيق مع نتنياهو حولها .
في هذه المعركة لاشك أن كفة ليبرمان ” ترجح ” ، ويسعى نتنياهو لاطالة عمر حكومته وعدم مواجهة احتمال الانتخابات المبكرة وخلال ااستمالة مخالفات جديدة ، ولايوجد في هذا الاطار سوى الائتلاف مع حزب العمل، ولاشك أن الائتلاف مع حزب العمل هو الأفضل نتنياهو لاستكمال مرحلة التطبيع التي هي المرحلة السابقة لشن حرب خاطفة ضد ايران وحزب الله ويربط نتنياهو مواقفه بمواقف ترامب من خلال أقرب المقربين لترامب وامكلف صهيونيا بمتابعة صفقات تمدد اسرائيل في الشرق الأوسط ، وتحويلها الى دولة صهيونية ” امبريالية ” ، وهذا الشخص هو كوشنر وليس سفير اميركا في اسرائيل .
سوف يشعل أي تقارب وائتلاف بين نتنياهو وحزب العمل الصراع بين ليبرمان والعسكر من جهة ، وجبهة نتنياهو من جهة اخرى ، وستكون هذه أول مرة بتاريخ اسرائيل يستغل فيها وزير مستقيل علاقاته مع هيئة أركان ينتمي أعضاؤها لطريقته السياسية لتحقيق كسب وفوز سياسي بغض النظر عنا ستؤول اليه هذه الصفقة .
من الضروري أن نرى الخريطة كاملة :
في الوقت الذي تستمر فيه دول عربية في التطبيع كي تعلن جهارا ماتفعله سرا من تحضير للحرب على محور المقاومة وايران ، يحقق محور المقاومة بصموده وثباته وتصديه انتصارات صغيرة تتراكم ، لكن هذا لايكفي لقلب الطاولة ضد ” صفقة القرن ” ، لابد من تكثيف مقاومة الاحتلال واعادة الصراع على أرض فلسطينكما كان في الانتفاضة الأولة ، فهذا التغيير هو الذي سيقضي على التطبيع وأهله و” يفركش ” مخططات تل ابيب والرياض وواشنطن ” الخطيرة في المرحلة القادمة .
لكنني أعتقد أن محاولات نتنياهو لاطالة عمر حكومته ستفشل مؤقتا ، وستضغط كتل تلتقي مصالحها التنظيمية باجراء انتخابات مبكرة بهذا الاتجاه ، فحزب العمل سيطالب بنفوذ في الحكومة مقابل اشتراكه ، وهذا سيثير غضب كتل اخرى واذا قبل نتنياهو بشروط حزب العمل سيضطر الى اجراءات ستثير الكتل اخرى ، وسينتهي أمر هذه الصراعات بانتخابات قبل أوانها لأن هذه هي رغبة هيئة الأركان …انه الانقلاب العسكري رقم (1) في اسرائيل وهذاهو بداية انهيار دولة بن غوريون