هل تعيد تركيا رسم خريطة النفوذ شرق الفرات؟
ات واضحا أن تركيا جادة في تهديداتها،ولن تتوانى عن ضرب الأهداف التي تهدد أمنها القومي، على الرغم من اعراب وزارة الدفاع الأميركية – البنتاغون، عن قلق حيال العملية العسكرية المرتقبة،و التي اعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان،و جاء في بيان البنتاغون،إن أي عمل عسكري من جانب واحد وخاصة في ظل احتمال وجود أفراد من الجيش الأميركي هناك أو في محيط المنطقة محل قلق بالغ، وغير مقبول،وأشار الكوماندر شون روبرتسون المتحدث باسم البنتاغون في بيان ان الولايات المتحدة ملتزمة أمن تركيا الحدودي.
يمكن استبعاد أي صدام اميركي– تركي في ظل تزايد التوتر بين أنقرة وواشنطن،خاصة أن تلك المجموعات التي تهدد امن تركيا إضافة للمجموعات الجديدة التي تنوي واشنطن تشكيلها، موجودة في منطقة جغرافية بالغة الأهمية الاستراتيجية،و لاسيما في ظل تأكيد أردوغان أن بلاده ليس لديها أي عداء لا تجاه الإدارة الأميركية ولا الجنود الأميركيين الموجودين في سورية، مضيفاً: «رغم كل شيء،نرى أميركا كحليف استراتيجي ويمكننا المضي معًا في المستقبل شريطة الالتقاء على أرضيات صحيحة».
وبطبيعة الحال،يبدو ان التركي ماض في تنفيذ خطته بغض النظر عن التوتر المتزايد مع واشنطن،حيث تجمعهما عضوية الـ «ناتو» ،و الدولتان من القوى المؤثرة في الحلف الاطلسي،و أي خلل جدي بينهما قد يؤدي إلى الإطاحة بكامل الحلف،وهو ما يسعد موسكو،التي لا تضع حالياً في حساباتها التصدي عسكرياً لأدوات الولايات المتحدة في سورية،وتصرفت بحنكة حين تركت تركيا،العضو في حلف شمال الأطلسي،لتتولى تلك المهمة، ان كان في درع الفرات ثم لاحقا غصن الزيتون و الان على أبواب العملية الثالثة.
العملية التركية الوشيكة سبقها تراجع واشنطن « إعلاميا» في تصريحاتها،عن تشكيل جيش من قوات «سوريا الديموقراطية» الذي يشكل عمودها الفقري الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني المصنف على قوائم الإرهاب في الناتو و دول أخرى،إلا أن ذلك لم يبدد قلق تركيا ،حيث ترى انقرة التنظيم الذي تحاربه منذ الثمانينات يحظى برعاية حليفها الاستراتيجي، ويتمدد على طول حدودها داخل الأراضي السورية بمسمى وغطاء جديدين،بعد كشف المتحدث السابق باسم تلك المجموعة المسلحة المنشق طلال سلو نقلا عن مسؤولين أميركيين أن تسمية قوات سوريا الديمقراطية هي لطمأنة تركيا.
ولا بد من الإشارة،انه بينما تدور أحداث كبرى غرب الفرات في مناطق سيطرة روسيا،تدرب واشنطن عناصر الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني في الحسكة شرق الفرات الواقع تحت السيطرة الأميركية،من أجل إنشاء مجموعة مسلحة جديدة، في تجاهل وتهميش آخر جديد للغالبية العربية،لتزداد بذلك تعقيدات المشهد السوري.
والأمر الذي لا مفر من ذكره،ان الكل يتعامل مع ما يجري شرق الفرات من زاوية الأمن القومي التركي،و يتم تجاهل أن هذا الخطر اليوم يهدد ملايين العرب سكان تلك المناطق حيث يشكلون أكثرية مطلقة وفق معظم الدراسات والبيانات،كما يتناسى العالم أن مصير هؤلاء الملايين قرابة نصف سكان سورية بات في مهب الريح،بالإضافة الى التقارير التي صدرت عن منظمة العفو الدولية وتحدثت بوضوح عن جرائم حرب تعرض لها العرب شرق الفرات من تهجير و إزالة بيوتهم و قراهم من على وجه الأرض.
حيث قالت منظمة العفو الدولية ،في تقرير صدر اواخر عام 2015 ،ان بعثتها لتقصي الحقائق في شمال سورية كشفت عن موجة من عمليات التهجير القسري و تدمير المنازل ،تعد بمثابة جرائم حرب نفذتها الادارة الذاتية بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي،الحزب الكردي السوري الذي يسيطر على المنطقة ،و قالت لمى فقيه ،مستشارة الازمات لدى المنظمة،» ان الادارة الذاتية،باقدامها عمدا على تدمير منازل مدنيين،وفي بعض الحالات تدمير و احراق قرى باكملها،وتشريد سكانها من دون اية اسباب عسكرية يمكن تبريرها،انما تسيء استخدام سلطتها،وتنتهك بصفاقة القانون الانساني الدولي في هجمات تعد بمثابة جرائم حرب .
والملاحظ اليوم ان اسراع واشنطن في محاولة شرعنة مكاسب تلك المجموعة المسلحة التي لا يختلف وجودها من الناحية القانونية عن وجود داعش أو النصرة داخل اراضي الجمهورية العربية السورية،وذلك عبر سعيها في إقامة نقاط مراقبة على الحدود السورية التركية،وهو الذي بات يدفع تركيا للإسراع ايضا بالتحرك عسكريا قبل فوات الأوان.
الأجواء والظروف اليوم،تشابه تلك التي كانت قبل العمليتين العسكريتين درع الفرات وغصن الزيتون،حيث كل عملية منها كانت لتحقيق هدف محدد بإيقاف شق من المشروع الاستيطاني الانفصالي الذي يستهدف وجود قرابة نصف سكان سورية ملايين العرب سكان مناطق شرق الفرات.
الواضح اليوم ان دمشق لا تثق بتلك المجموعة المسلحة المتمركزة شرق الفرات،و التي غدرت بها في أكثر من مناسبة،وآخرها المجزرة التي ارتكبت بحق مفرزة الأمن العسكري التابعة لدمشق،بالإضافة انها باتت تتحرك كأداة أميركية،و تتمدد أكثر من حجمها مستغلة الدعم الأميركي تحت ذريعة الحرب على داعش،بينما ترتبط دمشق وانقرة بتفاهمات دولية هي أهم للطرفين على المدى المتوسط و البعيد.
من جانبه لفت شون روبرتسون المتحدث باسم البنتاغون،إلى أن تركيا حليف مهم للغاية منذ عشرات السنين داخل حلف شمال الأطلسي،وشريك محوري للغاية للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم «داعش» .
يبقى القول،ان ما يجري شرق الفرات هو الخطر الاكبر على مستقبل سورية،هذا الخطر ترجمته هي ازالة الجمهورية العربية السورية من الخريطة الجغرافية و السياسية،و من مفرزاته لاحقا،تهديد الامن القومي التركي مبدئيا،ليطال الجغرافيا القريبة و البعيدة في مراحل قادمة.
باسل الحاج جاسم – باحث في الشؤون الروسية والتركية