أعادت الامارات فتح سفارتها في دمشق ، وأعلنت البحرين متابعة سفارتها في دمشق لأعمالها بعد توقف دام سنوات ، وأبلغت الرياض دمشق عبر عمر البشير ترحيبها بعودة دمشق لمقعدها في الجامعة العربية .
دهشت معظم الأوساط السياسية بما فيها واشنطن من هذه الخطوات السريعة ، وقرر ترامب سحب قواته من سوريا ، وهو قرار شكلي جدا الى الحد الذي يمكن تسميته تحركا سياسيا بعنوان عسكري ، فانسحاب القوات الاميركية كقرار يعني أن تعود السيادة هناك ” شرق الفرات ” ، لسوريا لكن ترامب قرر هذه الخطوة السياسية وأتبعها باتفاق مع تركيا لارسال تعزيزات عسكرية على الحدود السورية التركية ، وأعطى تركيا الضوء الأخضر لنقل المنظمات السورية المسلحة والمعتمدة على تركيا الى شمال شرق سوريا ، ذلك أن اعادة السيادة لسوريا على المناطق التي تنسحب منها قوات ترامب يعني بالنسبة له وتركيا اعادة ” المعارضة السورية ” ، أي مايسمى بجيش سوريا الحر ونقل مسلحي النصرة أو جزء كبير منهم الى شمال شرق سوريا من ادلب بعد الاتفاق مع الجولاني على دعمه سياسيا وحمايته .
أما القوات الاميركية ، فقد أقامت قاعدة جديدة في الاردن وفي العراق ، وأعلن ترامب أنه قد يستخدم قواعده في العراق للتدخل في سوريا ان لزم الأمر ، القوة العسكرية الاميركية كقوة ميدانية مازالت تهدد الأمن والاستقرار لكن القرار السياسي بالانسحاب يفتح الأبواب لمعركة من نمط آخر ، ماهي المعركة التي تدوربشكل محتدم في المنطقة دون أن يكون لها ضجيج سوى ضجيج معارك اخرى رديفة .
تركيا – السعودية – قطر
سبق أن كتبنا حول دور كوشنر في اغتيال جمال خاشوقجي ! لكننا لم نكتب بعد عن أسباب اختيار تركيا والقنصلية السعودية في تركيا مكانا لارتكاب الجريمة ولم نكتب بعد عن أمر مستغرب ولم يثره احد ” خاصة الصحافة الاميركية ” وهو كيف تسنى لتركيا مراقبة وتسجيل جزء مما دار في القنصلية ان لم يكن لديها علم مسبق بما تخطط ، كيف عرفت تركيا بما جرى ؟ كيف توصلت الى هذه المعلومات ؟ الجواب الوحيد ، هو أن تركيا كانت قد علمت بشكل سري بأن عملية اغتيال خاشوقجي تدبر في القنصلية السعودية في اسطنبول ، وقامت الأجهزة التركية بتركيب تلك الأجهزة ” غير الاعتيادية والممنوعة بالعرف الدبلوماسي ” ، ومن أبلغ تركيا ؟ مديرة CIA التي زودت الأجهزة وتوجهت لاحقا الى تركيا لأخذ النتائج ، هل كان ذلك كمينا تركيا اميركيا لتتحكم اسرائيل بالسعودية.
بدأ ترامب تعليقاته على مقتل خاشوقجي بالقول انها ” أسوأ تغطية لعملية سرية ” ، وكأنه كان يعلم ويلوم المنفذين على عدم اتقان عملهم ، لكن القصة كاملة كانت ومازالت ملك الأتراك بما في ذلك تسجيلات صوتية سلمت لمسؤولة CIA ، وحركت الكونغرس ضد السعودية وحتى هذه اللحظة يلاحق اردوغان لحشر الملك سلمان في زاوية الاتهام ، ويشير باستمرار الى أن الملك سلمان وعده ولكنه لم يف بوعهده !!
بدأ سلمان المعركة بالابتعاد قليلا عن واشنطن ” ترامب وعائلته ” ، بعد أن تأكد لديه ضلوع كوشنر في توريط محمد بن سلمان كي يحكم الحبل على عنقه ويحوله الى منفذ لاملاءاته في الشأن المالي والسياسي خاصة الاسرائيلي ، واستوعب سلمان أن الأمر يفوق خبث وخداع ادارة ترامب اذ يتعدى ذلك الى تمتين تحالف ترامب مع تركيا التي تكمن وتوجس شرا للسعودية ، فبعد أن حبكت رواية تسليم اميركا شريط الجريمة قام ترامب بالقاء قصيدة مدح باردوغان وصدقه وصداقته وتحالفه معه ، وأعقب ذلك باهانة ولي العهد الذي يمثل السعودية في اجتماع جي 20 – G20 ، بمعاملته كالمصاب بالجذام وفرض تعاملا مهينا معه من قبل معظم القادة الا الرئيس بوتين الذي تفهم اللعبة تماما ، وقام بخطوات غير مسبوقة بطريقة السلام عليه واستقباله ببشاشة وترحيب مما دفع ولي العهد للقول : ” الآن أعرف من هو صديقي ومن هو عدوي ” ، سلمان يعلم أن معركة الاخوان المسلمين هي معركة السيطرة على البلدان الاسلامية ، وهذا يتلاقى مع حلم اردوغان بأن يعود عهد العثمانيين تحت السلطان اردوغان ، وان خطة اردوغان تصل الى حد التشكيك بقدرة السعودية على حماية الحرمين ومكة ، وان مرحلة جديدة يجب أن تبدأ بفرض وصاية اسلامية مشتركة لحماية مكة والحرمين وذلك ان نجح يكون اردوغان قد قطع نصف المسافة لتنصيب نقسه سلطانا جديدا .
أمس قال رئيس وزراء تركيا ان سياسة تركيا الخارجية تشكل جزء كبيرا من قوة الدولة التركية العظيمة !! ، ولم يترنح سلمان تحت وطأة السن بل فاجأنا بنشاط غير عادي من رجل بلغ من العمر عتيا ، وقاد اجتماع دول الخليج وأعاد تشكيل الحكومة وحجم ولي عهده بمسؤولية مجلس الأمن والسياسة ، وبدأ بتنفيذ خطة عمله بعد أن أحاط نفسه بمستشارين جدد ويدينون بالولاء التام له ، ويخوض الآن سلمان معركة الخلافة الاسلامية على أوسع نطاق .
وكذلك يفعل اردوغان ، فقد ظهر للملأ تحالفه مع واشنطن الذي يحاول اردوغان اظهاره وكأنه مهارة منه لأنه يقيم تحالفا مع اميركا وروسيا في آن واحد ، فالملك سلمان واردوغان اعتبرا سوريا الميدان المركزي لصراعهما .
سلمان سيعيد العلاقات مع سوريا ، لكنه قام قبل ذلك بابداء حسن النية بالطلب من سوريا العودة للجامعة العربية ، ووعد بأن يدفع نصف مليار دولار لاعادة الاعمار .
ولاشك أن الملك سلمان سيسرع خطوات تراكمية ايجابية نحو سوريا بهدف حشر واحراج قطر وتركيا ، ومن هذه الخطوات التجاوب الى حد بعيد مع ما تطرحه روسيا من آليات سياسية لايجاد حلول في سوريا واليمن وليبيا ، وسوف تدعو موسكو لاجتماع عاجل مع تركيا بعد أن أعطت الضوء الأخضر لتقدم قوات الجيش السوري الى منبج حتى قبل انسحاب الاميركيين .
ولاشك أن لبوغدانوف دور كبير في التطور المتدرج نحواستراتيجية سعودية خليجية في المنطقة ، فبوغدانوف خبير في الشؤون العربية وعايش أعقد الصراعات وأكثرها تشابكا في لبنان عندما كان دبلوماسيا مقيما في بيروت .
الاقتراب من سوريا أعطي الثوب السياسي الذي يريده الخليج الآن ” ضمن معطيات الصراع مع تركيا ” ، وهو ” سوريا موحدة ومستقلة وذات سيادة وأراضيها موحدة ومستقلة وذات سيادة كاملة ” ، كما جاء على لسان الامارات ، وهذا يعني بشكل مباشر وجود القوات التي لاتوافق دمشق على وجودها على الأرض السورية ، وهي الاميركية والفرنسية والالمانية والتركية .
وقامت تركيا وقطر بالرد فورا بالسودان فاشتعلت المظاهرات ، وسوف تتدخل مصر بناء على اصطفاف الدول في التحالفين ، سوف تتدخل لصالح السعودية وفي أدنى الأحوال سوف تتدخل ضد الاخوان المسلمين في السودان ، احتدام سوف يشهد صعودا وهبوطا وتقدما وتراجعا ، وسوف يعكس نفسه على السياسة الاميركية وخطط ترامب ، وكذلك على برنامج المضي في التطبيع مع اسرائيل ، وهنا تبرز أهمية الصراع الاسرائيلي مع قوى المقاومة ، فالأمر أصبح أشبه بخلو الميدان الا من ابو حميدان .
في ظل هذا الوضع تجد اسرائيل نفسها في وضع أشبه بمهب الريح ، فهي تعاني من انقسامات داخلية وحملات انتخابية أشبه بمبارزة في التطرف وتوسع الاستيطان والبطش بالأطفال الفلسطينيين ، ويجد نتنياهو نفسه مجبرا على شن حملة انتخابية كافة بنودها عسكرية ” من الانفاق الى الغارات ” ، وسوف يرتكب نتنياهو أخطاء فادحة كعادته لابد أن تشكل مدخلا لردود المقاومة ، التي تملك الفرص الآن لالحاق الشلل باسرائيل .