عام 2019 قد يكون أهم عام ستعيشه سوريا بالنسبة للمستقبل، بحكم أنه من الضروري أن يوضح الحجر الأساس لمرحلة إعادة الإعمار إضافة إلى وضعه النقاط على حروف المستقبل الإيجابي عليها بعد سنوات الحرب المتعبة، إلا أن هناك عدة أزمات تواجه المجتمع السوري وعلى الدولة حلها قبل أن تتفاقم وتتحول الى عبء عليها يصعب مواجهته في المستقبل
أولى هذه الازمات هي قضية مركبة من شقين الأول هو الفساد المستشري بشكل كبير في المؤسسات الحكومية، وهو من الأسباب الجوهرية التي أدت الى اندلاع الحرب في البلاد، حيث إن الفاسدين كانوا أرضية للدول التي مولت ودعمت الارهاب، وكانوا جنبا إلى جنب مع الارهابيين، والآن وبعد هذه الدماء التي قدمت على الأرض السورية فلن يقبل الشعب بوجود الفساد مرة أخرى، خصوصاً وأن مرحلة إعادة الإعمار هي نقطة حساسة بالنسبة للمستقبل وأي عملية فساد فيها قد تؤدي تأخير عجلة تقدم البلاد لسنوات وتزيد من معاناة السوريين لينعم الفاسدون بأموالهم.. الشق الثاني هم أغنياء الحرب الذين جمعوا ثروات هائلة من الدماء التي سقطت، وهم من أهم الممولين للشق الأول أي الفاسدين، خصوصاً وأنهم باتوا يتحكمون بلقمة عيش السوريين، ومحاسبتهم ستكون خطوة مهمة نحو منع خروج طبقة أخرى مماثلة تسمى “أغنياء إعادة الإعمار”.
ثاني الأزمات هي عملية إعادة الإعمار. من الضروري أن تكون مدروسة وتشمل البلاد كلها وليس المناطق التي استهدفها الإرهاب. حيث إن المحافظات التي بقيت آمنة طوال سنوات الحرب مثل اللاذقية وطرطوس وحماة ومدن مثل جبلة وبانياس وغيرها من الضروري أن تشملها مرحلة إعادة الإعمار والتأهيل فليس من الإنصاف أن يقدم أبناء هذه المناطق الشهداء لتحرير سوريا من الإرهاب، وتبقى مناطقهم كما هي وشوارعهم مكسوة برايات الحزن، بينما المحافظات الاخرى يتم إعادة إعمارها بطريقة حديثة وبرؤية مستقبلية. ومن المهم أيضاً أن تساهم هذه المرحلة في منع انتشار العشوائيات مرة أخرى وهي التي أدت بشكل غير مباشر إلى انتشار الإرهاب والتطرف الديني والفكري في العقود الثلاثة الماضية.
ثالث الأزمات هو الخطاب الفكري والثقافي والديني، من الضروري أن يتغيير وأن يصبح أكثر صراحة وشفافية وأن يقبل النقد ويساهم ايضا بنقد الأفكار المتطرفة، لأن اللغة الجامدة والمتعصبة لفكرة ما، لن تنجح في بناء مجتمع جديد خارج من حرب مدمرة وهو مجتمع يعيش في عالم مفتوح اي الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
رابع الأزمات هو الأمان الاجتماعي والسلاح المتفلت، وهذه الأزمة هي الأخطر التي تواجه سوريا حالياً، فمن راقب الأخبار في ليلة رأس السنة يرى أن العشرات سقطوا بين شهداء وجرحى بسبب الأعيرة النارية التي أطلقت بصورة عشوائية “احتفالاً برأس السنة”، إضافة إلى حالات السرقة والخطف وغيرها من الأمور التي تزعزع ثقة السوريين باقتراب انتهاء الحرب.
خامس الأزمات هو الإعلام الذي بات عبئا على كاهل الدولة وليس داعما لها، حيث أنه لا يستطيع مواكبتها ،هذا من ناحية، ومن جهة أخرى لا يستطيع نقل صورة الشارع السوري للقيادة، وباتت الواسطة هي أهم من الشهادات والمؤهلات، وتحول وقار الشاشة السورية إلى ساحة لرقص “الدبكة” من قبل المذيعات، اللواتي يتسابقن من هي الأضعف في اللغة العربية وفي أدب الحوار وفكره والثقافة السياسية.
سوريا خلال العام الماضي حققت إنجازات مهمة على جميع الأصعدة العسكرية والانسانية، وهذه الإنجازات جميعها يجب أن تصرف في رصيد المواطن السوري، وعلى المجتمع مساعدة الدولة في ضبط الشارع وضبط نفسه خصوصاً فيما يتعلق بالفساد وعدم المساهمة بتكريسه.
تعليق واحد