مزحة تعديل الدستور في مصر.. والسيسي لن يغادر الا بإنقلاب
10 يناير 2019، 00:04 صباحًا
لم أفزع و لم اندهش عندما قرأت ما طرحه كاتب صحفي مقرب من النظام في مقاله الخاص بتعديل الدستور لسببين:
الاول: هو ان الدستور في مصر كان وما يزال مجرد إجراء شكلي يهدف الي اسباغ صوري لدولة القانون الديموقراطية في دولة شمولية تخضع لارادة الحاكم الفرد.
وقد مر التطور الدستوري الشكلي في مصر بعدة مراحل:
فاصدر الخديوي توفيق اول دستور سنة ١٨٧٩ وعين عدد من مشاهير الشأن العام في مجلس شوري القوانين بينما كانت السلطة الحقيقية في يده، ثم اصدر الخديوي اسماعيل دستور مجاس شوري النواب وعين فيه ٧٥ عضوا ثم ما لبث عن حله قبل ان يقيد سلطاته.
ثم صدر دستور ١٩٢٣ بعد ان حصلت مصر علي استقلالها فأنشأ مجلسي النواب و الشيوخ و استطاع ان يستقل ببعض قراراته في وجه سلطة الملك الامر الذي حاول الملك بمعونة رئيس الوزراء اسماعيل صدقي بإصدار دستور ١٩٣٠ ولكنه سقط وعاد العمل بدستور ١٩٢٣ .
وفي أوائل حكم عبد الناصر سنة ١٩٥٤ طلب اعداد مشروع دستور وشكل لذلك عددا من قادة الفكر والقانون منهم طه حسين و عبد الرزاق السنهوري الا انه لم ير النور ويعتبر حتي الان أفضل دستور لمصر.
ويمضي مسلسل إصدار الدساتير في مصر فصدر دستور ١٩٧١ بعد استفتاء أجراه السادات ولكنه تعرض للتعديل لصالح اللحكم الشمولي في سنوات ١٩٨٠ و ٢٠٠٥ و ٢٠٠٧ لإعادة صياغة المادة ٧٦ الشهيرة ،وبعد ثورة ٢٥ يناير تم الاستفتاء. علي دستور ٢٠١٢ واخير وحتي الان صدر دستور ٢٠١٤ الساري حالياً والذي لم يخلق دولة القانون وخضعت مصر رغم نصوصه للحكم الشمولي .
وهكذا يتضح ان تاريخ الدساتير في مصر لعبة شمولية لم تستطع الا ان تنحني لرغبات و قرارات الحاكم ،ومن هنا فقدت دساتير مصر صفة العقد الاجتماعي الذي يعلي سلطة الشعب ويضبط عليه إيقاع سلطة الحاكم.
والثاني: هو ما يعرفه القاصي والداني عن اصحاب هذا الاختراع المهلهل الذي يفضح الصبغة الشمولية و الذين يؤلهون الحاكم طوال حياته لتغطية النواقص من حرفيتهم الصحفية وضميرهم الوطن و الواقع انني لم أر ولم افهم مبررات التعديل بعد ما تحقق من تقدم في العمل وصولا الي ارساء دولة القانون ، وكني في الوقت ذاته اعرف ان ذلك من ابداعات النظام المصري وأقرب الأمثلة التي تذكرنا هي صيحة النائبة فايدة كامل التي طالبت باستمرار حكم رئيس الجمهورية طوال حياته ولكن استمرار العمل بهذا التقليد القديم يثير التساؤل ، و لكنا نرجعه الي الضعف الشديد الذي تعانيه المعارضة في مصر في الوقت الراهن من ضعف شديد يشل حركتها و يعطل قوتها وارجع ذلك في رايي لسببين الاول هو الخطا الذي وقع فيه أنصار الانقلاب علي الشرعية في ٣٠ يونية ٢٠١٣ في دعمهم لهدم الشرعية التي وصلنا اليها بشق و صعوبة قبل ان يتبينوا شمولية النظام و طغيانه.
والثاني هو احتفاظهم بمشاعر الرفض بل والكراهية لاقوى وأُقدِّم فصيل وطني وبالتالي رفضهم للاصطفاف الوطني الذي أبدعه ميدان التحرير في حين لا تتمتع فصائلهم بظهير قوي في الشارع المصري ولذلك فإنني لا اري و لا أتوقع امكان المعارضة صد هذا الاتجاه اكتفاء بإصدار بيانات الاستنكار ولن يأخذ النظام هذه البيانات في الاعتبار وستسقط البلاد في حكم متجبر لا يملك الخبرة او الرؤية السياسية لان ماساة تغيير الدستور او تعديله واقعة في رايي. واقعة قريبا غدا ولربما تستمر عدة قرون وفي يد النظام حالياالافلات بها من النقد او الرفض الشعبي.
اما المجتمع الدولي فلا يهمه شكل النظام الذي يحقق مصالحه وثبت ذلك بالتأييد و الدعم الامريكي للانقلاب في الوقت الذي ساعد التجمع السعودي الإماراتي بحجة الدفاع عن الشرعية والدور الذي يلعبه في سوريا و ليبيا.
ولذلك أظن ان الرئيس المصري لا يأبه كثيرا برد فعل المجتمع الدولي فيما يتعلق بالقمع وانتهاك حقوق الانسان طالما يحقق له مشروعه الكبير المسمي بصفقة القرنوطالما كان يرسم سياسته الخارجية علي أوتار امريكا وهو قادر علي الحفاظ على النظام ولو كان تأمينه يتطلب تغيير كبار القادة العسكريين ، ضمن حركات تغييرات وتنقلات في قيادات القواتالمسلحة المصرية.. الي جنب اعتقال القيادات السياسية المدنية واستخدام سياسةالإحلال والتجديد في المناصب العليا بحيث لا يزيد أي مسؤول.. فتلك هي اليات كل حكم شمولي فهو يأكل أولاده ويخشاهم ربما اكثر من المعارضين له وسيستمر هذا التغيير و في تقديري وقد أكون مخطئا ان الرئيس يمسك بكل قوة مقاليد الحكم ولن يسلمها الا بانقلاب عسكري عليه او ثورة .
والملاحظ ان بعض قوى المعارضة تدعو للاستعداد من الآن لانتخابات الرئاسةالمقبلة بكل الوسائل السلمية المتاحة.وساهم في ذلك شخصية كبيرة من الخارج وهو د. محمد البرادعي.
والدكتور البرادعي زميل و صديق ودبلوماسي و قانوني متميز واظن انه ادخل في خضم السياسة عندما فوجئ بترشيحه ضمن ثلاث شخصيات زويل وموسي وهو ماوصفته حينذاك بالترشيح الرومانسي الساذج وقد اجبره الهجوم الشديد عليه و علي عائلته للدفاع عن النفس بدخول المعترك السياسي ، ومن هنا اصبح شخصي قيادية سياسية رغم بعده عن مصر لعدة عقود ولا أتوقع عودته للقيام بدور سياسي الا بترتيبات من النظام الحالي او بضغوط خارجية واستبعد في كل الأحوال تمتعه بسلطة فاعلة في اي منصب الا اذا طرأت ظروف مغايرة
و لن يكتمل حديثنا هذا دون تقييم ثورة ٢٥ يناير المجيد الي تمر ذكراها بعد ايام ، فهي تعبير صحيح عن رأي الشعب ولكن اخطاء من الفصيل الحاكم بانتهاج اُسلوب الحوار والمفاوضة و المصالحة مع أعداء قادة الدولة العميقة و لنقص في كوادرها السياسية ، ويواكب ذلك اخطاء من بقية القوي الوطنية بعد نكستها في الانتخابات ودفعها ذلك الي خطا سياسي كبير أجهض الثورة وأتاح المجال لسيطرة الدولة العميقة وحكم العسكر.
والواقع هو ان الأنظمة الشمولية تتهاوي وأحدثها فشل انقلاب الجابون ولكنها باقية ومسيطرة بعض الوقت طالما احتفظت بسياسة القمع و القتل و الاختفاء القسري اما مصر فتعاني الان و في المستقبل من ضعف و فقر وفساد وعدم الخبرة في الحكم المدني والتعامل دائما بمنطق القوة والسيادة علي الشعب لكنها لن تستطيع الصمود طويلا في مصر امام المخرج السياسي الفاعل و هو اصطفاف كل القوي السياسية في العمل الوطني دون إقصاء بحيث تتمكن من اتخاذ موقف سلمية قانونية كالاضراب و العصيان المدني قبل ان نقع في بحر من الدماء او نموت عطشا جوعا كعبيد لا حول لهم ولا قوة مكتفين بالشكاوي والعويل وملتحفين بالدعاء وهم قابعون دون التحام بالعمل الوطني .
103 تعليقات