تراجع دور أوروبا في الشرق الأوسط
زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون المرتقبة الى مصر في ٢٧ كانون الثاني (يناير) تطرح مشكلة ضعف أوروبا ودورها المعطل في الشرق الاوسط. لا شك ان فرنسا دولة مهمة لكونها عضواً دائماً في مجلس الأمن وايضاً محركاً اساسياً في اوروبا الى جانب المانيا. ومواقف الرئيس ماكرون بالنسبة الى ازمات المنطقة، خصوصاً الوضع الفلسطيني ازاء الممارسات الاسرائيلية وفي الازمة السورية، مهمة وايجابية عموماً، ولكن، ينبغي الاعتراف اليوم بان أوروبا معطلة. فدولها كلها تعاني من مشاكل كبرى تشغل قياداتها داخلياً وتعطل ممارسة اي ضغط مطلوب بالنسبة الى أزمات المنطقة، رئاسة ماكرون ضعفت بتظاهرات “السترات الصفر” التي استغلها اليمين الفرنسي المتطرف برئاسة مارين لوبن، فهي تطالب الآن بحل مجلس النواب وتنظيم انتخابات مبكرة. واليسار المتطرف بقيادة جان لوك ميلانشون ايضاً يدفع متظاهري تياره للدعوة الى استقالة ماكرون.
ففي هذه الاوضاع الخطيرة في البلد يكرس ماكرون رئاسته للنظر في كيفية ادارة وضعه الداخلي المقلق، ما يضعف الدبلوماسية الفرنسية، حتى ان وقته لا يسمح له بتعيين موعد لتقديم السفراء الجدد اوراق اعتمادهم.
ماكرون يزور مصر ووضعه يحد من دوره في الازمات التي تعني البلدين بسبب التأزم الداخلي لفرنسا وتراجع الدور الاوروبي عموماً. وباريس ليست وحدها في اوروبا ضعيفة. المانيا تعاني ايضاً من صعود التيار السياسي اليميني الشعبوي الذي ا ضعف المستشارة الالمانية انغيلا مركل في قيادتها السياسية وهي مع فرنسا المحرك الاساسي للاتحاد الاوروبي. وبريطانيا تتخبط بموضوع “البريكزيت” مع خسارة تيريزا ماي ثقة البرلمان لاتفاقها مع الاتحاد الاوروبي حول خروج بريطانيا من الاتحاد (البريكزيت)، كما انها ستواجه ازمة اخرى بين الذين يريدون طلاقاً قاسياً مع الاتحاد الاوروبي والذين يريدون البقاء في الاتحاد.
أوروبا معطلة وسياسة دونالد ترامب مع الاتحاد الاوروبي وتوجهه الشعبوي وشعاره “اميركا اولاً” تزيد مصاعب اوروبا وتعطل دورها في الازمات في العالم، خصوصاً في الشرق الاوسط. رأينا ان اعلان ترامب انسحابه من سورية أربك الاوروبيين حلفائه في سورية في حربهم على «داعش». والآن دعوة الوزير الاميركي بومبيو الى قمة في بولندا لرؤساء دول عدة في العالم لمقاومة سياسة ايران في المنطقة قد لا تعطي نتائج مرتقبة . فايران في سورية عززت تدخلاتها في منطقة الشرق الاوسط، وخروج الولايات المتحدة من سورية هو لمصلحة ايران وروسيا وتركيا. والرئيس فلاديمير بوتين هو المستفيد الاكبر من ضعف اوروبا لكونه يتعامل بقضيتي اوكرانيا وسورية كما يشاء ولمصلحته.
وسياسة ترامب ازاء “الناتو” وتشكيكه في المشاركة الاميركية في “الناتو”، كلها تدخل في مصلحة بوتين وعلى حساب القارة الاوروبية التي نرى دورها يتراجع في ازمات المنطقة.
فرنسا مثلا في تنافس مع ايطاليا بالنسبة للوضع الليبي ولكن كلا البلدين لم يحرزا اي نتيجة فاعلة للتوصل الى استقرار في ذلك البلد. ثم ان ازمة اللاجئين من دول افريقية عبر ليبيا الى اوروبا وفشل التصدي لها من دول عدة ضاعفت التاثير السلبي على دول الاتحاد الاوروبي.
تراجع الدور الاوروبي مؤسف جدا لأن موقف هذه الدول من ازمات المنطقة افضل من الموقف الاميركي، خصوصاً ما يتعلق بالصراع الاسرائيلي- الفلسطيني، علماً ان الدور الاوروبي اقتصر على مساعدات اقتصادية كبرى للدولة العبرية، لكن اوروبا أكثر انصافاً بالنسبة الى القضية الفلسطينية ولو انها بقيت عاجزة عن تنفيذ مواقفها بالنسبة الى حل الدولتين والمستوطنات الاسرائيلية.
وضعف الوضع الفرنسي الداخلي قد يؤثر مثلا اذا طالت ازمة لبنان وبقى ذلك البلد بلا حكومة، فتضعف قدرة باريس على فرض ما تم اقراره في مؤتمر سيدر لمساعدة لبنان، والدول الاوروبية التي حضرت والتزمت في شكل كبير في مساعدة لبنان وفي طليعتها فرنسا، فقد تضطر باريس الى استخدام جزء من الاموال التي تم تكريسها لتنفيذ مشاريع في لبنان، الى قطاعات اخرى داخل فرنسا التي تعيش ازمة “السترات الصفر”.
أوضاع العالم الغربي اليوم غير مشجعة لمنطقة الشرق الاوسط التي اصبح بوتين فيها الاكثر نفوذاً ربما بتواطؤ صديقه الاميركي ترامب.
رندة تقي الدين والمقال للحياة