نيكولاس مادورو هو رئيس جمهورية فنزويلا الواقعة في أمريكا اللاتينية، وتبلغ مساحتها حوالي 900000 كم2، ويبلغ عدد سكانها حوالي 30 مليون نسمة. فنزويلا تحتضن ثروات طبيعية متنوعة على رأسها النفط، وهناك حقول غاز تخضع الآن للتطوير، ولديها مناجم ذهب تجري جهود حثيثة الآن لرفع إنتاجها، ومناجم معادن أخرى. وهي تمتلك ثروة زراعية متقدمة، ومجالات الاستثمار فيها واسعة، ومحمية بقوانين تريح المستثمرين سواء الفنزوليين أو القادمين من الخارج.
تصف فنزويلا نفسها بأنها بوليفارية، وجيشها جيش بوليفاري، كما أن عملتها هي البوليفار. وتعود التسمية إلى القائد الثوري الفنزولي سيمون بوليفار الذي قاد مع آخرين حروب استقلال أغلب دول شمال أمريكا اللاتينية ضد الاستعمار الإسباني. وقد كان بوليفار صاحب مذهب اجتماعي سياسي ارتكز على : الديمقراطية الشعبية والاستقلال الاقتصادي والتوزيع العادل للثروة. وقد فسر أتباعه ومؤيدوه هذا المذهب على أنه اشتراكي، وعملوا على إقامة اشتراكية تحرص على حسن التوزيع والقضاء على الفقر.
يعود عنوان المقال هذا إلى العاطفة الجياشة التي أبداها مادورو تجاه القضايا العربية وعلى رأسها قضية فلسطين، والحب الذي أبداه للعرب والفلسطينيين على وجه الخصوص، وذلك في المقابلة التي أجراها معه السيد غسان بن جدو وبثتها قناة الميادين مساء يوم الأربعاء الموافق 13شباط/2019. لقد كانت المقابلة مفيدة جدا للباحثين والراغبين بالحصول على مزيد من المعرفة حول ما يجري في فنزويلا أو يحاك ضدها من قبل الامبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة. ركزت أغلب القنوات التلفازية منذ بداية الاعتداء على فنزويلا على مواقف الولايات المتحدة من الرئيس الفنزويلي، وأعطت هامشا بسيطا لقادة فنزويلا حول الموضوع. المقابلة مع الميادين أتت في وقتها، وطرحت وجهة النظر الفنزويلية أمام المشاهد العربي وأمام الناطقين بالإسبانية.
بدا الرئيس الفنزويلي هادئا طوال المقابلة. لم يشعر بحرج ولم يتردد ولم ينفعل ولم يعل صوته ولم يتلعثم. كانت إجاباته عن الأسئلة قصيرة ومفيدة دون الكثير من التفصيل.
أجاب عن السؤال الخاص بسبب وقوف أمريكا مع المعارضة وضد حكومته قائلا إنه الطمع بالثروات الفنزويلية بخاصة النفط. وهذه صحيح ودقيق لأن الرأسمالية الأمريكية تعتبر الأرباح أعلى قيمة إنسانية، وكل النشاطات يجب أن تصب في الوصول إلى هذه الهدف. الدول الاستعمارية ليست معنية بالديمقراطية وحرية الشعوب وإنما مهتمة بمصالحها الربحية على الدوام. هذه الدول رفضت انتخابات ديمقراطية على اتساع العالم لأنها أفرزت قيادات جديدة تحرص على الاستقلال والسيادة، ودعمت دولا طاغية مستبدة فاسدة لأنها تشكل بقرة حلوبا لها.
أمريكا لم تقدم تبريرا مقنعا لتدخلها في فنزويلا حتى الآن، ولا أعتقد أنها ستقدم لأنها لا تملك تبريرا غير الأطماع. وأمريكا كعادتها لا تترك شقا في زاوية من العالم إلا حشرت أنفها فيه وزادته اتساعا وخطورة. فنزويلا قريبة من البوابات الجنوبية لأمريكا ويجب إقامة نظام سياسي موال لأمريكا ولو كلف ذلك شعب فنزويلا الآلام والأحزان والدمار والخراب. أمريكا خربت العراق وسوريا واليمن ودولا أخرى، ودائما تحمل على ظهرها أدوات دمار وهلاك الشعوب باحثة عن مشاكل وحروب من أجل راحة مصانعها ورأسمالييها الذين لا يشبعون.
أصر مادورو طوال المقابلة على حتمية انتصار فنزويلا، وقال إن الشعب جاهز للمواجهة وهو قادر على تحمل أعبائها إن فرضت عليه، والجيش الفنزويلي البوليفاري صلب ومتماسك ومنضبط وملتزم بقضايا وطنه. هو لا يخشى انشقاق الجيش لأنه صاحب عقيدة ثابتة وراسخة. وبالرغم من زخم المعارضة رأى مادورو أن الشعب الفنزويلي لن يؤثر الصراع الداخلي لحساب الغزو الخارجي. الشعب موحد ولن تهزه هذه الأزمة.
وأبدى مادورو قدرة فنزويلا على التغلب على الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، لكنه دعا المستثمرين من كل أنحاء العالم إلى الاستثمار في فنزويلا والتي تتمتع بمجالات استثمار واسعة جدا. ودعا بالأخص العرب والمسلمين إلى الاستثمار في فنزويلا. وتقديره أن العرب والمسلمين عانوا كثيرا من الاستعمار الأمريكي وهم يقدرون دعم الذين تحاربهم أمريكا أكثر من غيرهم. نرجو ألا يخيب المستثمرون العرب ظنون مادورو.
أما فيما يتعلق بالعروبة وفلسطين، أبدى مادورو حماسة قل مثلها للقضية الفلسطينية، وقال إنه قائد فلسطيني يؤيد الحقوق الفلسطينية ضد الصهاينة وضد العبث الأمريكي. والكلمات التي استعملها كانت في قمة العاطفية ويعجز عنها قادة فلسطينيون. لقد تكلم بعواطف جياشة وقلب منشرح وصدر منفتح وبانتماء قوي لقضايا العرب عموما. وليت قادة العرب يكونون على قدر ظنه.
لم يتباك رئيس فنزويلا ولم يهتز بسبب العقوبات المفروضة عليه وعلى بلاده، وإنما قال إن العقوبات مفيدة لأنها ستدفع الجميع نحو البناء والعمل والإنتاج. واضح أن العلاج بالنسبة له للعقوبات هو مزيد من نشاط الشعب ومزيد من الإنتاج غير التقليدي، وتنويع مصادر الاقتصاد الفنزويلي. العقوبات تحفز الجميع على العمل، والعمل هو الإنتاج وهو الذي سيهزم العقوبات.
رئيس فنزويلا صلب وقوي، وواضح أن ثقته بشعبه عالية، وهو على يقين بأن شعب فنزويلا سينتصر وستخيب كل السياسات الأمريكية الهادفة إلى استعمار فنزويلا وسرقة ثرواتها.
عبد الستار قاسم- كاتب واكاديمي فلسطيني والمقال لرأي اليوم