نالت الجزائر إستقلالها في 5 يوليوز /تموز 1962 عقب استفتاء شعبي عن المستعمر الفرنسي الذي دام إحتلاله للبلاد قرن وإثنين وثلاثين سنة ميلادية ، ومنذ ذلك التاريخ والجزائر تعيش على التاريخ المشرق لهذا البلد المغاربي بفضل ثورته المجيدة التي اندلعت في الاول من نونبر1954 وما تلاه من أحداث سياسية أعطت للثورة الجزائرية وهجا ونورا تحرريا على المستوى الدولي والعربي والإقليمي ،لكن هذا التاريخ المنيّر والوضاء سرعان ماأطفأته الإنقلابات العسكرية المتتالية وبدأت الصراعات الداخلية واللوبيات الضاغطة والنافدة وطفت الحسابات الضيقة على السطح ،ودخلت الدولة الجزائرية في أنفاق مظلمة ودوامة من العنف المضاد خصوصا في العشرية السوداء في بداية التسعينيات من القرن الماضي نتيجة الغش والتحايل على نتائج الإنتخابات البلدية والتشريعية التي فاز فيها الحزب الإسلامي ” جبهة الإنقاذ الوطني” ،منذ ذلك التاريخ وقبله تقوّت المؤسسة العسكرية وأصبحت تصنع الرؤساء على مقاسها وإستعانت بالخارج وأتت بالرئيس الحالي “عبد العزيز بوتفليقة” سنة 1999 وقبله “محمد بوضياف “الذي أغتيل سنة 1992 في تجمع خطابي بدار الثقافة بمدينة عنابة وهو الرئيس الرابع لدولة الجزائر بعد الرئيس الشادلي بنجديد والهواري بومدين واحمد بن بلة ،ويرجح معرفة سبب إغتياله من طرف ملازم عسكري عن نيته محاربة الفساد وتقربه من الملك الراحل الحسن الثاني ،
وتعتبر مرحلة الرئيس الحالي ” عبد العزيز بوتفليقة ” التي دامت عشرون سنة وعرفت مجموعة من الإنجازات والنجاحات على جميع الأصعدة ويشهد بذلك القاصي والداني ، لكن تقدمه في العمر وتجاوزه الثمانين سنة جعله عاجزا عن ممارسة مهامه الرئاسية ، وأصبحت المجموعة التي حوله تتلاعب بمصير البلاد وتخرب مؤسسات الدولة وتضعفها وخاصة مؤسسة الجيش الشعبي برئاسة الفريق ” القائد صالح ” ومؤسسة المخابرات برئاسة ” البشير طرطاق “والديوان الرئاسي برئاسة ” بنعلي بنعلي” والأخ الشقيق للرئيس المسمى” سعيد بوتفليقة ” وظهرت الصراعات والمناكفات بين أذرع الدولة كحزب” جبهة التحرير الوطني “الذي يعتبر أقوى حزب سياسي داخل الدولة ويستمد شرعيته الثورية منذ إندلاع الثورة الجزائرية المجيدة ، وكذلك الصراع داخل مؤسسة الجيش والأمن والدرك خصوصا عندما ظهرت فضيحة “عصابة الكوكايين 2015 وإقالة مجموعة من الجنرالات وضباط المخابرات كالجنرال” محمد مدين ( توفيق) ” و “عبد الغني هامل “والمترشح علي غديري الأمين العام السابق لوزارة الدفاع ومدير هيئة المستخدمين بها ،ناهيك عن صراع رجال الأعمال والمال وعدم الإتفاق على مرشح واحد .
إن هذه الظروف واالأوضاع غير الصحية هي التي جعلت هذه المجموعة المحيطة بالرئيس المقعد تتشبث به وتصر على بقائه في قصر المرادية للمرة الخامسة بعد تعديل الدستور مرتين أو ثلاث كل هذا وذاك جعل الشارع الجزائري يتحرك بسلمية عالية وحضارية بمختلف المدن والأرياف والعواصم الغربية تنديدا بهذا الفعل اللأخلاقي والمدان الذي يدوس على الدستور الجزائري خاصة المادة 102منه التي تقول : ” في حالة عجز الرئيس سواء عجز مؤقت أو نهائي يتدخل المجلس الدستوري ويعلن شغور المنصب الرئاسي ويوافق البرلمان على ذلك بنسبة الثلثين ويتولى رئيس “مجلس الأمة ” منصب رئيس الجمهورية لمدة ثلاثة أشهر وتجرى انتخابات رئاسية بعد ذلك” ، لكن هذا لم يطبق ولم يؤخذ بعين الإعتبار وهو ما أثار حفيظة الشارع الجزائري وخرج عن بكرة أبيه بدون حزب سياسي يؤطره أو جمعية مدنية فهي إحتجاجات شعبية تطوعية غير محسوبة على تيار إيديولوجي أو لون سياسي لأن الشعب الجزائري شعر بالإحتقار والمهانة والمسخرة وإنتفض بأسلوب راقي ضد هذه السلوكات اللاحضارية واللادستورية .
وتبقى هذه الإحتجاجات والخرجات العفوية تتدحرج وتكبر ككرة الثلج إن لم يتم ضبطها وتأطيرها ستخرج عن السيطرة ومسارها الصحيح وتدخل البلاد في أتون الفوضى واللإستقرار وبالتالي يعطي الفرصة للعسكر والأجهزة الأمنية إعلان “حالة طوارئ ” وبالتالي تجميد مؤسسات الدولة الدستورية وحصر السلطات في يد محيط الرئيس العاجز رغم الرسائل المطمئنة للشارع والتي وعد فيها الشعب الجزائري بتغيير النظام وتغيير الدستور وتنظيم ندوة وطنية شاملة ومجموعة من الإصلاحات المستقبلية على جميع المستويات .
منذ إنطلاق الشارع وتحركه السلمي ضد العهدة الخامسة للرئيس “عبد العزيز بوتفليقة ” لم يجد هؤلاء الماسكين بزمام الأمور في بلد المليون ونصف شهيد وأصحاب القرار السياسي حلولا واقعية ومجدية لإسكات الشارع وإقناعه والتخلي عن ترشيح الرئيس الحالي ،و بالتالي فإن إصرار هؤلاء وتشبثهم بالعهدة الخامسة للرئيس المريض والغائب الآن عن الساحة السياسية منذ ماي 2012 في خطابه المشهور “طاب أجنان” الذي أكد على ضرورة إعطاء الفرصة للشباب بإعتباره جيل المستقبل ، سيشعل النار في الهشيم ويدخل البلد في المجهول خاصة أن دول الجوار غير مستقرة وخاصة ليبيا ومالي ناهيك عن الأزمة الإقتصادية التي تمر منها البلاد بسبب إنخفاض أسعار البترول وفساد المنظومة وإقتصاد الريع ……….
كل هذا وغيره سيجعل الإنتخابات لاغية والمنافسة غير شريفة ونسبة المقاطعة مرتفعة جدا جدا أو التصويت العقابي لمرشح أخر غير الرئيس المترشح ، فالبلاد مفتوحة على كل السيناريوهات والتنازلات والتوافقات ولابد للغرب أن يدلي برأيه في الموضوع مع المحافظة على مصالحه الجيوإستراتيجية بالمنطقة .وبدون أن يسبح ضد التيار .
وفي الأخير نكتشف أن النظام السياسي في الجزائر لم يكن موفقا في حساباته المستقبلية بسبب تعنته وعجرفته مما سينعكس سلبا عليه إن لم يتدارك الأخطاء وتقويمها نحو الصواب وإرادة الشعوب لا تقهر .