دخلت الجزائر في ازمة سياسية عميقة بعد الاجراءات غير الدستورية التي أعلنها الرئيس المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة. واتضح جليا أن هذه الاجراءات لا تستجيب الى الطموحات الشعبية والمطالب المشروعة التي رفعت خلال المسيرات الشعبية السلمية. ويمكننا تلخيص هذه المطالب في رفض ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة وضرورة تخلص البلاد من الفساد والعصابة الفاسدة التي استغلت مناصبها السايسية ومراكزها المالية النافذة الى جانب علاقاتها مع اطراف خارجية مستفيدة الى حد كبير من صفقات ومعاهدات تجارية تقدر بالمليارات.
عودة الرئيس الى الوطن لم تات بجديد لكنها كشفت أمرا هاما يخص الاشخاص الذين زورا رسالة ترشح الرئيس لعهدة رئاسية خامسة . فالتزوير جريمة يعاقب عليها القانون الجزائري والدولي بخاصة اذا كان الأمر يتعلق بتزوير رسالة تاريخية صادرة عن اكبر جهاز في هرم السلطة الا وهو رئاسة الجمهورية. وزير العدل الطيب لوح الذي كان من بين الاشخاص المزورين يعرف جيدا ان التزوير انتهاك صريح للقانون وجريمة خطيرة , وعليه فمن حق الجزائريين ان يلجأوا الى العدالة سواء في داخل البلاد او خارجها لملاحقة المذنبين الذين سعوا لفبركة حفل الترشح الذي اقيم في الجزائر العاصمة مثل معاذ بوشارب وعبد المالك سلال واحمد اويحي وغيرهم ممن شاركوا في المسرحية الهزيلة التي كانت السبب الاول وراء انفجار الشارع الجزائري الذي اعتبر تلك الخطوة الرديئة بالضحك على الجزائريين وذكائهم.
واتخذ الرئيس المنتهية ولايته مجموعة من الاجراءات والقرارات اولها الغاء الانتخابات الرئاسية وتعيين وزير الداخلية نورالدين بدوي وزيرا اولا وكلفه بتشكيل حكومة جديدة كما دعا الى التحضير لندوة وطنية شاملة تكون منبرا لوضع تصور لجزائر ما بعد بوتفليقة. وهي قرارات وصفها العديد من المراقبين والخبراء بانها غير الدستورية . وهي قرارات تؤكد في واقع الأمر تمسك النظام بالسلطة والحكم ومحاولة تمديد الحفاظ على الأمر الواقع من خلال انتهاج اسلوب المراوغة والتموية والمماطلة لوقف الحراك الشعبي المشروع.
الآن تقف الجزائر في مفترق طرق بين خيارات محدودة بسبب هذا الموقف الذي اتخذه الرئيس ومن معه في محاولة لتمديد الازمة وربما تعكير الاجواء بعد الحراك السلمي الذي ظهر به الوجه الحقيقي للشعب الجزائري المتحضر شكلا ومضمونا. وهناك ساعي لفرض الامر الواقع واعتبار خيارات الرئيس وقراراته بكونها الحل الوحيد للخروج من المأزق. وسارعت احزاب الموالاة ورموزها الى الترويج للفكرة الجديدة لاطالة أمد الرئيس ونظامه, في الوقت الذي اعلنت فيه احزاب المعارضة رفضها للقرارات غير الدستورية وضرورة ايجاد بدائل اخرى من دون ان تطرح بدائل او خطوات عملية للوصول الى ذلك.
في ظل هذا الوضع السياسي المتذبذب يظل موقف الشعب الجزائري واضحا وهو مواصلة الاحتجاجات السلمية والمسيرات المليونية في كامل ربوع الوطن ومواكبتها بمسيرات خارج الوطن من قبل افراد الجاليات الجزائرية المقيمة في المهجر. اشير هنا الى ان الاحصائيات الرسمية لحجم الجالية الجزائرية في المهجر ليس معروفا , فهناك من قدرها بحوالي عشرة ملايين نسمة يعيشون ويقيمون في بلدان عديدة عبر العالم. هذا رقم معتبر وهام لا يمكن الاستهانة به اطلاقا. ولا يمكن باي حال ان تظل هذه الجالية الكبيرة مهمشة ومبعدة عما يجري في وطنها الام الجزائر.
ان الجالية الجزائرية في الخارج بها كفاءات معتبرة في حقول العلم والمعرفة وفي شتى المجالات الهامة التي تحتاجها الجزائر. ويجب الاستفادة من هذه الطاقات والكفاءات البشرية التي تحدوها الرغبة الكبيرة في المساهمة بشكل ايجابي في خدمة الوطن. و هي جالية منشغلة كثيرا بالحراك الشعبي الجزائري وساندت في مسيرات عديدة منذ الوهلة الاولى هذا الحراك . أما رسالتها فهي واضحة المعالم للنظام في الداخل. ان مطالب الجزائريين في الخارج تتطابق كليا مع مطالبه في الداخل وتتجلى في احداث تغييرات جوهرية في اعادة النظر في اساليب حكم وادارة شؤون الدولة سياسيا واقتصاديا واداريا وثقافيا واجتماعيا . كما يجب العمل على اصلاح ذات البيت بما يجعل الجزائر تواجه كافة التحديات الراهنة والمستقبلية وطي صفحات الماضي الاليم الذي عاشته الجزائر منذ الاستقلال الى يومنا هذا بسبب سياسات الحزب الواحد والحكم الواحد والتوجه الواحد والنهج الواحد.
لقد دخلت البلاد مرحلة التغيير الصحيح والتعددية بأبعادها السياسية والاقتصادية لتتماشى مع العقليات والذهنيات الجديدة التي افرزتها الطفرة التكنولوجية والمعلوماتية الناتجة عن تقدم علمي رافقته ثورة تقنية لم يشهدها العالم من قبل. والكفاءات الجزائرية في هذا الحقل لا يستهان بها بخاصة تلك الموجودة في الخارج لأنها تعد نتاج هذه الثورة العلمية ولا يمكننا الاستغناء عن هذه الطاقات. وعلينا ان نعمل على كسبها عوض ابعادها او تهميشها و ضياعها اذا كنا نؤمن فعلا بالجزائر ومستقبلها.
وفي اي تمثيل مستقبلي لبحث أفاق الجزائر وكيفية الخروج من التفق المظلم الحالي يجب في نظري ادراج الجالية عبر ممثلين عنها ليشاركوا بافكارهم وارائهم النيرة في طرح التصور المستقبلي لجزائر الغد في ظل التعددية و الممارسة الديمقراطية الحقيقية بعيدا عن رواسب الممارسات السابقة التي اخرت البلاد وادخلتها في دوامة صراعات كانت في غنى عنها اصلا.
لدي قناعة راسخة بان ما ستساهم به الجالية الجزائرية في الخارج خدمة للوطن سيكون مفيدا ويساعد في بلورة دستور جديد يتماشى والتغيرات التي يشهدها عصر الرقمنة والتكنولوجية وما افرزه من ذهنية جديدة وتفكير يختلف جذريا عن تفكير جيل الاستقلال. اننا ندخل مرحلة تاريخية هامة ومنعطفا هاما في مسيرة التغيير والاصلاح لجزائرالغد. جزائر تطمح الى التقدم والرقي والانفتاح و تؤمن بقدراتها وكفاءاتها وتعول على نفسها لتحقيق امال شعبها خاصة جيل الشباب الصاعد وتطلعاته في العيش عزيزا مكرما في وطنه الجزائر.
حسن زيتوني- اعلامي وكاتب جزائري والمقال لرأي اليوم