كتاب عربمواضيع رئيسية
الجزائر: التـدويل وَيـْل/ لأستاذ علي بن فليس
بادرت السلطة التي أدخلها الحراك الشعبي في حالة هلع شديد وحالة ارتباك أفقدها صوابها بحملة دبلوماسية واسعة تجاه روسيا وإيطاليا وألمانيا والصين والباقي آت. وكانت السلطة قد شنّت من قبل حملة مشابهة تجاه فرنسا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. وهذا التطور مقلق، والقلق الذي أثاره في نفسي أدى بي إلى التحذير من عواقبه الوخيمة مرتين في الأربع والعشرين ساعة الأخيرة.
لماذا هذا القلق؟، ولماذا هذا التحذير؟
أود أن أذكّركم بمبدأين أساسيين في هذا المجال:
المبدأ الأول: هو أن الدبلوماسية والدفاع الوطني هما وجهان لعملة واحدة، أي هما أداتان في يد الدولة للدفاع عن مصالحها الحيوية.
والمبدأ الثاني: هو أن نظامنا الدستوري يخوّل لرئيس الجمهورية تحديد المصالح الحيوية للأمة. وبغرض الحفاظ على هذه المصالح يضع الدستور تحت تصرفه الدبلوماسية، أو ما يسمى بالقوة الناعمة، والدفاع الوطني، أو ما يسمى بالقوة الصلبة.
إذا الدبلوماسية والدفاع الوطني هما آليتان لتحصين المصالح الحيوية للوطن، ولذلك يتوجب عليهما أن يحظيا بأوسع إجماع وطني ممكن. فالدبلوماسية والدفاع الوطني- على حد سواء- يستمدان قوتهما ونجاعتهما من الالتفاف الشعبي حولهما والإجماع الوطني اللذين يتمتعان به. وهذه هي القاعدة المتعارف عليها والمعمول بها دوليا.
يلاحظ أن النظام السياسي القائم في بلدنا قد قام بخرق صارخ لهذه القاعدة بعد أن فقد صوابه وضاعت من يده البوصلة التي تدله على المصالح العليا للبلد. فحَمْلته الدبلوماسية المتواصلة في هذه الأثناء تدل صراحة على أنه وضع السياسة الخارجية للبلد، لا للدفاع عن المصالح العليا للدولة، وإنما للدفاع عن المصالح الآنية والضيقة لنظام سياسي يريد الاستقواء بالخارج لضمان بقائه المرفوض من الشعب.
ماذا يترتب عن تصرف مشين كهذا؟.
يترتب عن هذا التصرف أولا: أنه كسر ولأول مرة منذ استقلال البلد، كسر الإجماع الوطني الذي كانت تحظى به سيادتنا الخارجية،
– ويترتب عن هذا التصرف ثانيا أنه وضع، ولأول مرة منذ استقلال البلد، وضع السياسة الخارجية بأكملها في خدمة شخص يرغب في تمديد بقاء صوري في سدة الحكم وفي خدمة قوى غير دستورية تضع آخر قواها وآخر أنفاسها في معركة الديمومة والبقاء.
– ويترتب عن هذا التصرف ثالثا ، أنه لم يسبق، ومنذ استقلال البلد، لم يسبق أن وضعت مصلحة شخصية وأطماع أقلية في أعلى سلم أولويات سياستنا الخارجية على حساب المصالح الحيوية للدولة.
وعليه، فنحن شهود اليوم على خطوات أولى يقوم بها النظام السياسي القائم في سبيل تدويل شأن داخلي صرف. وهذه الخطوات غير مقبولة من باب الأخلاق السياسية، وهي مرفوضة من باب المصلحة الوطنية التي تقتضي أن نحل مشكلاتنا بيننا من دون إقحام غيرنا فيها، وهي مردودة؛ لأنها قد تغذي التوترات وتساهم في تدهور الأوضاع.
سبحان مغير الأحوال!؟. هذا النظام بعينه كان يرى أن هناك يدا أجنبية وراء كل خطوة لمعارضيه. وكان يبصر يدا أجنبية وراء كل كلمة لمنتقديه. وكان يلحظ يدا أجنبية وراء كل تنديد بإخفاقاته. وكان يرقب يدا خارجية وراء كل احتجاج أو اعتصام أو إضراب. وها هو نفس النظام يمد يد الاستنجاد لليد الخارجية ويرى فيها مزايا قد تساعده على الخروج من المأزق الذي وضع نفسه فيه.
في كل مرة يثبت هذا النظام أنه يخطئ الحساب، ولا يتقن فن الاستشراف. وهو يرى قدره المحتوم بعيدا ونحن نرى نصر الشعب قريبا. والنظام السياسي القائم يرى اليوم في اليد الخارجية خيرا له ونحن نرى فيها شرا للبلد؛ لأن التدويل ويل.
(*) ـ رئيس حكومة أسبق ورئيس “طلائع الحريات” الجزائر.
المقال من رأي اليوم
14 تعليقات