من “صفعة” القرن الى “صفقة” القرن: كيف يواجه ترامب كالثور الهائج “القرن الصيني”
31 مارس 2019، 00:51 صباحًا
يشير الكثيرون من المحللين السياسيين الغربيين ان القرن الحالي اي الواحد و العشرون يمكن تسميته “القرن الصيني” بعد ان كان القرن العشرين الماضي يسمى ‘بالقرن الامريكي’ واعتبار القرن التاسع عشر “القرن البريطاني”.
ان التحول من الهيمنة البريطانية العالمية إلى الهيمنة الامريكية، جاء بعد مرحلة انتقالية تخللتها الحرب العالمية الاولى، و اليوم عملية التحول من القرن الامريكي إلى القرن الصيني، رغم انها تتم بصمت الا انها تشكل صفعة قوية في وجه طموح الهيمنة الامريكية و خاصة إلى ادارة ترامب المتهورة. ويشير احد المحللين ان عام 2014 يعتبر العام الأول الذي بدأت خلاله الولايات المتحدة تفقد موقعها كالقوة الاقتصادية الأولى بينما بدأت الصين تحتل هذه المرتبة.
وعلى هذا الاساس اعتبر ترامب في تعريفه لاستراتيجيته السياسية و العسكرية عند استلامه الرئاسةعام 2017 ،ان الصين هي العدو الاول للولايات المتحدة . ويستند منطق ترامب الشوفيني و العنصري والفوقي على منطق “المنافسة” وضرورة الحفاظ على تفوق الولايات المتحدة و بقائها في ‘المرتبة الاولى’ بناء على الايديولوجية الامريكية البروتستانتيىة المبنية على تفوق الرجل الابيض ووصفه “بالأفضل والاذكى”.
أما الايديولوجيا الصينية فهي مبنية على عقيدة ايديولوجية مختلفة و تعمل على النمو الاقتصادي الصيني على الصعيد العالمي بشكل سلمي من اجل الاستفادة المشتركة لكل الاطراف التي ستتعامل مع استراتيجية الامتداد الاقتصادي الصيني دون هوس التفوق والوصول إلى المرتبة الأولى.
من جهة اخرى ان التعاون المتنامي بين روسيا و الصين في شتى المجالات و الذي توج بعدد ممن الزيارات بين الرئيسين الروسي المكثفة بشكل خاص منذ منتصف هذا العقد، قد ازعج ترامبو افقده توازنخ ، و خاصة انه لم يفهم جيدا ان انتهاء النظام الشيوعي السوفياتي في روسيا لا يعني تغير في الثوابت الجيوسياسية للاقليم الروسي، و بما ان ترامب كان قد وضح منذ بداية عهده ان الصين هي عدوه الاول، فقد فسر بعض المحللين ان محاولته بالتعامل مع روسيا خلال معركته الانتخابية و التي اغضبت الحزب الديمقراطي، كانت في الواقع محاولة فاشلة و بهلوانية لجلب روسيا الى التعاون مع الولايات المتحدة على حساب الصين، بوهم استخدام منطق ‘فرق تسد’و زعزعة التعاون الوطيد بين روسيا و الصين حيث ان مصطلح ‘ التنافس’ يشكل الصفة الاساسية لسياسة ترامب الخارجية المتهورة.
و في حزيران من عام 2015 قامت مجموعة ‘فالداي للحوار’الروسية بدراسة حول العلاقة بين سكة الحرير الصينية و مشروع ‘أوراسيا’ الروسي و الذي يشمل عدة مشاريع تعاونية و انمائية في منطقة أوراسيا التي ستسمح لروسيا و الصين و دول آسيا الوسطى و لاحقا مونغوليا وتركيا وايران و جنوب كوريا لحل عدة مشاكل داخلية و دولية تواجههم و لترسيخ قاعدة ‘لتنمية مستديمة’ في هذه المناطق حيث يهدف المشروع لجعل اسيا الوسطى منطقة آمنة و مستقرة لشعوبها و جيرانها الأكبر روسيا و الصين.
ان سكة الحرير الصينية الحديثة تشمل طريقين : خط ارضي و خط بحري مسميان رسميا ‘حزام واحد و طريق واحد‘ وقد سمي هذا الطريق على اسم الطريق القديم الذي قد اسس بين الصين و انطاكيا منذ الفين عام.
و تمتد السكة الجديدة حتى اوروبا و تشمل شبكة من الطرق الصغيرة و الدائرية و من سكك الحديد التي تصل الى 13000 كيلومتر ممتدة حتى بلجيكا بالاضافة الى شبكات من الطرق الاقليمية في القارة الاسيوية ممتدة من مقاطعة ‘ يونان‘ الصينية عبر لاوس و الكامبودج و ماليزيا و برمانيا وسنغافورا و تايلاندا و فيتنام، و بما ان كثير من البنى التحتية الضرورية لهذه الطرق موجودة اصلا في هذه المناطق، تعمل الصين على الربط بينها عبر تقاطعات هامة تشكل نقاط ارتكازاقتصادية بناء على متابعة الصين سياسة خارجية واقعية و براجماتية تسمح لربح مشترك لكل الاطراف على اساس معادلة‘ربح ربح‘ .
اما الخط البحري فينطلق من بحر الصين الاقليمي للوصول الى المحيط الهندي و الهاديء:
و ستمول الصين مشاريعها عبر شبكة من المؤسسات البعض منها تم تأسيسها لهذا الخصوص مثل ‘صندوق خط الحرير‘ مع رأس مال قدره اربعين مليار دولار والذي أصبح قائما منذ عام 2015، و بنك التنمية الجديد التابع لمجموعة ‘بريكس‘ و الذي اسس في عام 2014 برأس مال بقيمة 100 مليار دولار مع الحصة الاكبرللصين( 41 في المئة) بالاضافة الى مساهمة بنوك صينية اخرى غير حكومية مما يجعل هذا المشروع ليس فقط مشروعا حكوميا بل يشمل شبكة واسعة من الداعمين و الممولين الصينيين
و تأمل الصين عبر شبكة العلاقات الممتدة عبر طريق الحرير لإعطاء نموذج جديد من التنمية للدول المشاركة في طريق الحرير مما سيزيد انتاجها و بالتالي يسمح للصين و لهذه الدول بالشراكة التجارية و الاستغناءعن الاسواق الغربية
و هكذا تشمل سكةالحرير عدة نقاط تقاطع هامة لمجموعات اقليمية في عدة مناطق:
المجموعة الاولى مشكلة من دول جنوب شرق اسيا، في محاولة لانتزاعهم من الهيمنة الامريكية في بحر الصين المتوسط و
المجموعة الثانية مكونة من الدول التي تقع في طريق السكة التي تربط بين الصين وأوروبا و التي تمر عبرباكستان و ايران وصولا الى اليونان التي تهم الصين بشكل خاص، حيث تمكنت من شراء مينائها ‘بيري‘ و باستثمار 260 مليون دولارفيه، بهدف امداد سكة حديدية انطلاقا من الميناء عبر دول البلقان . وتعتبر باكستان و ايران و اليونان دول محورية في سكة الحرير.
و منذ ايام حققت شركة‘ايرباس’ الفرنسية صفقة مع شركة الطيران الصينية، لحصول الاخيرة على 300 طائرة ‘ايرباس’ و ذلك خلال الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الصيني ‘كسي حيبينغ’ الى فرنسا و قد فسر احد المحللين المختصين في الشؤون الصينية ان هذه الخطوة هي سياسية بامتياز حيث ‘ انه لا يمكن فصل السياسة من اية خطوة تقوم بها الصين في مجال الطيران’ و قد جاءت هذه الصفقة بعد التدهور الذي اصاب شركة بوينغ الاميريكية بسبب الحادثين الأخيرين، كما شملت الصفقة بين الصين و فرنسا تمديد خطوط شبكة الهواتف هواياي الصينية عبر بعض المناطق الفرنسية بما في ذلك إمارة موناكو الذي زارها الرئيس الصيني منذ بضعة ايام و قد جاءت هذه الصفقة بين فرنسا و الصين بعد توطيد التعاون الثنائي بين ايطاليا و الصين خلال جولة الرئيس الصيني إلى ايطاليا في 23 من شهر اذار الحالي حيث وافق البلدين على صفقة و قدرها تقريبا 3 مليار دولار في المرحلة الاولى بينما قد تصل بعد عدة سنوات الى 23 ملياردولار و تشمل تحسينات في المينائين الايطاليين ‘جنوا’ و ترياست مما سيضم ايطاليا في مشروع سكة الحرير الصيني الضخم، هذا بالاضافة الى البحث عن امكانية ادخال شبكة هواي الهاتفية الى ايطاليا . , مما أغضب الثور الامريكي الذي اعتبر ان هذه الشبكة قد تساهم في التجسس لصالح بكين.
المجموعة الثالثة تشمل عدة دول افريقية و قد ابرمت الصين في عام 2015 اتفاقا مبدئيا مع الاتحاد الافريقي يقتضي بناء شبكة اتصالات بين الاربعة و خمسون دولة في القارة السوداء و معظمها غنية بالموارد الاولية . و قد بدا العمل بهذا الاتجاه و ذلك عبرابرام عقد لبناء سكك حديدية مع نيجيريا وقيمته 13 مليار دولار وآخران بقيمة حوالي 4 مليار مع كينيا و 4 مليار مع اثيوبيا، كما تهدف الصين الي بناء ميناء حديث في تانزانيا و موزامبيق و الغابون و غانا والسنغال، هذا بينما تقوم الشركة الصينية للبترول بمشاريع في التشاد و الموزمبيق.
و في مواجهة هذا المد الصيني في القارة الافريقية اعلن مستشارترامب للامن القومي اليميني المتهور بولتون، و هو من المحافظين الجدد الذي كان قد طالب بانهاء الأمم المتحدة خلال عمله في ادارة بوش، اعلن ان لدى ترامب استراتيجية تمويلية هامة في افريقيا لمواجهة الامتداد الصيني فيها. اما المجموعة الرابعة التي تتقاطع مع سكة الحرير هى في امريكا اللاتينية و التي تعتبرها الولايات المتحدة تقليديا منطقة خاصة بها و ملكا لها و سيشكل الصراع الحالى حول فنزويلا محكا هامة للهيمنة الامريكية التامة على القارة.
أما المجموعة الخامسة فهي مكونة من روسيا و الجمهوريات السابقة التي كانت تشكل الاتحاد السوفياتي السابق حيث يشكل ‘المحيط المتجمد الشمالي‘ نقطة محورية للمصالح الصينية. ان هذه المنطقه التي تربط بين الصين و روسيا هي منطقة اساسية و محورية في الاستراتيجية الصينية التي اصبحت عبر النصف عقد الاخير مرتبطة استراتيجيا اكثر فأكثر مع الاستراتيجية الروسية.
ان التحالف الصيني الروسي المتزايد بصمت مقصود مبنيا على تقسيم عمل بين القوتين السياسيتين الكبرى ،على اساس ان تكون روسيا الواجهة السياسية و العسكرية للدفاع و التعبير عن مصالح الحليفين المشتركة عبر العالم، بينما تركز الصين على الهيمنة الاقتصادية السلمية في عدة مناطق عبر طريق الحرير المبني على تثبيت قواعد بحرية و اقتصادية عبر العالم، قد اصاب راعي البقرو الثورالامريكي بهيجان وتوتر شديد بسبب التراجع المستمروالمتسارع، لهيمنتها السابقة و يبدو واضحا ان ترامب لم يجد حلفاء للاستناد عليهم غير الحليف الصهيوني البائد الخارج عن القانون الدولي الذي يقوم بمغامرات عسكرية هوجاءمتحديا الشرعية الدولية و القوانين الدولية بينما يقوم بعض الحلفاء العرب المتواطئين مع الولايات المتحدة بتمويل هذه المغامرات التي تعرف‘بصفقة القرن’
ان الصفعة التي نالها ترامب منذ وصوله الى الرئاسة من قبل المواقف الصارمة الروسية في اوكرانيا و سوريا و فنيزويلا و الديبلوماسية الصينية الناعمة قد اصابت الولايات المتحدة و حليفها العضوي الصهيوني بهوس والى سياسات متهورة و التهديد بتحقيق‘ صفقة القرن’ في منطقة الشرق الاوسط أكان عبر قراره بنقل السفارة الامريكية الى القدس و اعتباره المدينة المقدسة عاصمة لاسرائيل و اعتبار الجولان المحتل ارضا اسرائيلية .
كما ان ترامب من اجل للانتقام من الزحف القتصادي الصيني الناجح قد وعد مؤخرا تايوان ببيعها اسلحة من اجل استفزاز الصين و ذلك بعد ان كان الرئيس الامريكي السابق اوباما كان قد رفض التعاون مع تايوان في اطار سياسة تشجيع التعاون مع الصين.
ان علينا الوعي جيدا بهشاشة الوضع الامريكي مما يجعله يعتمد من اكثر أي وقت سابق على اعمال قذرة من قبل حليفه الصهيوني، كما يجب الاعتراف ان عمليات التطبيع العربي و الفلسطيني مع الدولة الصهيونية قد ادت الى زيادة العجرفة و الوقاحة الاسرائيلة في العقود الأخيرة ، فبينما كان العدد الاكبر من دول ‘العالم الثالث’ تقاطع الدولة الصهيونية لعدة عقود جاءت اتفاقيات السلام بدءا بكامب ديفيد مرورا باوسلو و غيرها، الى فتح الباب واسعا لقيام الدولة الصهيونية بعلاقات سياسية و تجارية مع دول كبرى مثل الصين و الهند (منذ عام 1991 ) حتى بقيت فقط ماليزيا و اندونيسيا من بين الدول الاسيوية التي ترفض قيام علاقات مع الدولة العبرية ، هذا طبعا بالاضافة الى الحليف الايراني و الذي يلعب دورا محوريا و هاما كطرف ثالث اساسي في التحالف الصيني الروسي. أن اتفاقيات السلام قد كبلت افواه الديبلوماسيين العرب ، حيث لم يبقى ممكنا للديبلوماسيين ان يطالبوا أي دولة من مقاطعة اسرائيل لأن الرد المقابل كان دائما‘انتم متعاونون مع اسرائيل، فكيف يمكنكم مطالبتنا نحن بمقاطعتها؟’، و هكذا اصبح انتعاش التجارة الاسرائيلية على الصعيد الدولي، نتيجة للتطبيع العربي معها.
ان الكيان الصهيوني يعي جيدا مأساة الضعف الامريكي، مما يؤديبه بالضغط على هذا الحليف الاكبر والابله، الذي فرغ من قوته السابقة، والمطالبة بمزيد من التنازلات في منطقتنا و على حساب شعوب المنطقة ومن أجل تقوية و هيمنة الكيان المتغطرس… هذا في نفس الوقت نفسه الذي تقيم فيه الدولة الصهيونية علاقات اقتصادية و تجارية مع الصين و روسيا في محاولة الانضمام في سكة الحرير، بينما تتراجع القدرة العربية على التأثير. فهل يمكن اعادة تطوير استراتيجية فاعلة مبنية على الضعف الامريكي و صفعة القرن الذي طالها، عبر مقاطعة كل الخطوات التي تساهم في تقوية هذا الكيان و تنفيذ مخططاته الجهنمية؟ و هل يمكن القيام بالمقابل بتنمية علاقاتنا مع المحور الروسي الصيني و مع الحليف الايراني المشترك؟؟ أم هل فات الأوان؟؟؟ و هل سيستمر العقل العربي الرسمي المنساق الى أمريكا بالتطبيع داعيا المنطقة الى الانهيار تحت اقدام الحركة الصهيونية بينما تنزف الارض الفلسطينية دما ؟؟؟؟
232 تعليقات