«إخوان» مصر… إعدام الأفراد أم التنظيم؟/ عزمي عاشور
اتسق الرئيس الإخواني محمد مرسي مع قناعته الآيديولوجية عندما دعا يوم 14 حزيران (يونيو) 2013 إلى الجهاد في سورية وسط تجمع لأنصاره وبينهم إرهابيون مارسوا القتل في حق المصريين في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، بعدما هرب منهم من هرب من السجون وتم العفو عن الكثير منهم أثناء سنة حكمه. وهذه كانت إحدى انحرافات الثورة التي سمحت بالإفراج عن مجرمين قتلوا الأبرياء تحت مسميات دينية، وإذا كانت دعوة رئيس دولة إلى الجهاد بدت غريبة في وقتها، فإنها أصبحت جريمة تعيش المجتمعات العربية تبعاتها الآن من عمليات الإرهاب الذي يغتال الأبرياء كل يوم تحت مسميات دينية وما تبعها من عمليات التدخل الخارجي بأطماعه على الأراضي السورية، وكانت ستكون كارثة كبرى لو تحولت مصر قاعدة للجهاد بناء على هذه الدعوة التي لم يمر عليها غير 15 يوماً حتى انتفض المصريون على حكم مرسي وإخوانه.
وتمت على مدار السنوات الماضية محاكمة قيادات «الإخوان» على جرائم قتل وجرائم خيانة وتفريط في الأمن القومي المصري، وحُكم على البعض منهم بأحكام الإعدام نتيجة ارتكاب هذه الجرائم، وأثارت هذه الأحكام ضجة إعلامية خارجياً، وبالأخص في الدول التي تتحفظ على هذه العقوبة ولا تأخذ بها، فما بالنا أن هذه الأحكام تصدر في حق قيادات تنظيم ديني سياسي وصل بالانتخابات للحكم، ومهما تكن الدلائل والجرائم التي ارتكبوها في حق الوطن والمصريين فإن الوضعية التي كانوا عليها ستجعل هذا الآخر يشكك في الأحكام التي تصدر، ومن هنا يأتي التساؤل: هل تنفيذ أحكام الإعدام سينتصر للعدالة أم إنه سيتجنى عليها؟ فحكم الإعدام هو أعلى درجة في الأحكام العقابية، وبالتالي فالحكم القضائي في النهاية في أي شكل يأخذه هو عقاب، وإذا كانت قراءة أحكام الإعدام ستتم في سياق التوظيف السياسي خارجياً، فإن الانتقال بها إلى أحكام المؤبد بالسجن سيكون أكثر عدالة ومواءمة للظرف الذي يمر به المجتمع المصري في حروبه ضد الإرهاب والتطرف، هذا فضلاً عن أن الحكم على عشرات القيادات بالإعدام لن يحل إشكال التطرف والإرهاب داخل تنظيم «الإخوان»، بل سيعمل على زيادته.
ومن هنا من الضروري البحث عن مخارج أخرى من عبء التطرف، فالإشكال ليس فقط في القيادات التي حرضت على التخريب والقتل، وإنما في التنظيم نفسه، بتكوينه وأفكاره، فهو إذا كان عدد أعضائه 500 ألف إخواني، فإنهم بطريقة التربية وآليات التنشئة داخل التنظيم لديهم القابلية ليكونوا على شاكلة الأفراد التي ارتكبت أعمالاً إرهابية من داخل التنظيم أو انتقلت إلى تنظيم «داعش»، وبالتالي فالإشكال يكمن في التنظيم والفكر الذي يحركه، ولكي يتم القضاء على الإرهاب والتطرف بشكل عملي، يجب البدء بمعاقبة التنظيم والسياق الذي تتم فيه التنشئة بهذا الشكل، الذي يجعل كل من ينتمي للإخوان عنده القابلية ليكون إرهابياً أو يخون بلاده أينما أتته الفرصة.
فالتركيز على تطبيق أحكام الإعدام التي ستترك صدى سلبياً لدول ومنظمات تجيد توظيف قضايا حقوق الإنسان بشكل احترافي للتخديم على مصالحها في منظومة التفاعلات الدولية، فضلاً عن أنها ستقوي هذا التنظيم المتطرف، ومن ثم بات ضرورياً تخطي هذه العقبة بالتمسك بالعقوبة في حد ذاتها وليس في شكل الإعدام فقط، ومن هنا يسهل الانتقال من الإعدام إلى المؤبد مع البحث عن آليات لمحاربة التطرف داخل بناء تنظيم «الإخوان» الذي يفرخ المتطرفين، وأعتقد أن «ثورة يناير» نفسها أعطتنا آلية مهمة في أنها كشفت حقيقة تنظيم «الإخوان» بمجرد أنها فتحت باب المشاركة السياسية، فممارسة الديموقراطية وتنفيذها وفقاً للآليات الدستورية والقانونية هي الطريق الأمثل لامتصاص التطرف والاستبداد داخل التنظيمات الدينية أياً كان الشكل الذي تأخذه، والآلية الثانية أن الديموقراطية لا يمكن أن تتم في ظل وجود دولة رخوة، بل تستلزم هنا الدولة القوية في مؤسساتها وفي تطبيق القانون على الجميع؛ نظراً إلى أن التنظيمات الدينية وعلى رأسها «الإخوان» تضع أول أهدافها إضعاف مؤسسات الدولة.
هذه التنظيمات الدينية الجهادية تنشط حيث تضعف أو تسقط الدولة، والأمثلة حاضرة اليوم في دول باتت أقرب إلى «اللادولة»، كالصومال وليبيا وسورية…الخ. ويجب أن تكون النية خالصة في بناء دولة مدنية وتحييد الدين عن السياسة في الثقافة والتعليم، وهذا أمر مهم ما زال فيه خلط في المجتمع المصري من مؤسسات دينية رسمية تقف عاجزة عن اتخاذ خطوات جادة في بتر جذور الفكر المتطرف، وهو ما يخلق بيئة ضبابية ورخوة أمام الشباب، تفسح المجال لتحتل هذه التنظيمات عقولهم، هذه التنظيمات الدينية المضادة للدولة الوطنية وللمدنية والحداثة خطر حقيقي على العقول والمجتمعات، نهايته تكون مزدوجة من استخدام من يفترض أن تنهض عليهم هذه المجتمعات من الشباب في التنمية وقوداً ومغزى لها في التخريب والقتل ونشر القيم السلبية والتخلف.
* كاتب مصري. المقال للحياة