هل يقرأ العرب التاريخ؟ سلاح الخلافات المذهبية والعرقية!
29 أبريل 2019، 02:19 صباحًا
“من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية…. ويجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها، واستثمار التناقضات العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية فيها، قبل أن تغزوها أمريكا وأوروبا لتدمّر الحضارة فيها”.
هذه العبارة ليست من إنشائي، إنها عبارة برنارد لويس، “مهندس تقسيم الشرق الأوسط”، المستشرق اليهودي الصهيوني المتعصب، وصاحب التأثير الكبير على جورج بوش الإبن الذي غزا العراق.
شكلت أعمال برنارد لويس وجهة النظر الغربية اتجاه قضايا الشرق الأوسط، وتم تكليفه من قبل وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” بصناعة مشروع لتفكيك الدول العربية والإسلامية وتحويلها إلى مجموعة من “الكانتونات” والدويلات العرقية والمذهبية والطائفية. وقد نجح فعلاً بتقديم مشروعه الشهير معززا إياه بمجموعة من الخرائط المرسومة تبين تصوره لمواقع التقسيم.
إن استعادة قراءة هذه المواقف التاريخية يجعل المرء مندهشاً كيف أن المشهد الذي تم تصوره على الورق نراه اليوم واقعا متجسدا، متمثلا فينا كحقيقة نعاني ويلاتها، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن العرب لم يقرأوا التاريخ جيداً ليأخذوا منه العبر التي ينبغي أن تساهم في رسم مستقبلهم السياسي والوجودي. ولا شك في أن المجتمعات والشعوب تختلف في مقدار اكتسابها الخبرات من التاريخ، فأين نقف نحن العرب من النصوص التاريخية الغربية فيما يخص واقعنا، وأرضنا ووجودنا!؟
نقول للذين لم يقرؤوا التاريخ، ويعتقدون أن مايحدث في عالمنا الإسلامي عامة، والعربي خاصة، ماهو إلا نتيجة لتأثير الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية السيئة للمنطقة، أنه طالما كان للمؤثرات الخارجية والمصالح الغربية دور مشابه في التأثير على غرار المؤثرات الداخلية إن لم يكن أشدّ، ولطالما كانت هذه المصالح مرتبطة أشدّ الارتباط بالواقع التقسيمي الطائفي في المنطقة، ومن هنا سعت الدول الامبريالية بكل جهدها لتعزيز هذا التقسيم، من خلال تدعيم النزعة الطائفية لدى الأقليات في سائر أنحاء الوطن العربي.
تعتبر مشاهد غزو العراق واحدة من أشد لحظات الضعف العربي، واستطاعت أن تترك بصمات واضحة في ذهنية المواطن العربي، وأن تؤثر في مخيلته، حيث أنها انتهت إلى تحويل العراق إلى نموذج متجسّد لخريطة برنارد لويس، كما أنها نجحت في تغيير الخريطة النفسية الطائفية لدى الشعب قبل تغييرها على الأرض. حيث نجحت الطائفية في تفتيت وحدة الشعب العراقي، والتي كانت بداية لتفتيت المنطقة بأكملها، وتحقيق الحلم الصهيوني بتحويلها إلى ” كانتونات” طائفية. حيث أن نجاح التجربة داخل المجتمع العراقي أكّدت على فعالية سلاح إيقاظ الخلافات المذهبية والعرقية. وعلى الرغم من أن العراق لم يقسم فعلياً من الناحية الجغرافية بسبب انتظار نتائج الموجة الثانية من التقسيم وهي قطاف ثمار فوضى “الربيع العربي”، إلا أن لدى العراق اليوم ثلاث دويلات لكل منها عنوانها الطائفي، فهناك دويلة سنية، وأخرى شيعية، ودويلة ثالثة كردية في الشمال تنتظر الوعود الأمريكية بضم جزء من الأراضي السورية إليها وإعلانها دولة مستقلة.
ومثل العراق جارتها سوريا، حيث كانت الرغبات الغربية واضحة في تقسيمها عن طريق إثارة النعرات الطائفية بعد عام ٢٠١١. ولذلك اختارت الولايات المتحدة التدخل في مناطق الأكراد دون غيرها لأنها جزء من الدولة الكردية التي تعتبر مكوناً أساسياً من مخطط تفتيت المنطقة. كما عملوا بجدّ خلال الأزمة السورية على تغذية الفكر الطائفي داخل المجتمع السوري انطلاقا من رغبتهم في خلق “كانتونات” علوية، سنية، درزية، بالإضافة إلى الجزء الكردي، وانتزاع الأجزاء المحتلة من هضبة الجولان التي تمد اسرائيل ب ٤٠٪ من مياه الشرب، وهذا ما أكّده قرار ترامب الأخير باعتبارها “أراضي إسرائيلية”.
وإذا ما اخذنا نظرة خاطفة على خريطة برنارد لويس فسنجد أن مصر مقسمة إلى أربع دويلات، إحداها ستكون تحت النفوذ الاسرائيلي، وهي دولة سيناء وشرق الدلتا، وهي المنطقة التي تم دعم المجموعات الإرهابية فيها لإثارة الفتن، ودويلة مسيحية، وأخرى إسلامية مركزها القاهرة، وأخرى نوبية. أما السودان، فقد تحققت فيها رؤية لويس حيث انفصل الجنوب عن الشمال في عام ٢٠١١، ومازال النزاع المسلح في إقليم دارفور قائماً، ومازال الباب مفتوحاً لخروج دولة ثالثة من رحم السودان. وربما تكون الأحداث الأخيرة فترة تمهيدية لهذا الانشقاق. وما هذه كلها إلا نماذج نعيشها في وقتنا الحاضر، ولكن المستقبل ربما يحمل الكثير من مخططات لويس وغيره من الصهاينه لتنال من باقي دول الخليج وشمال إفريقيا.
ينبغي أن يكون هناك قراءة عربية للتاريخ، ولابد أن تكون هناك وقفة تأمّل عربية تسمح بإعمال العقل والحكمة، وعدم تحقيق مآرب العدو الصهيوني، الذي نسي القادة العرب في ظل خلافاتهم أنه العدو الأول، وأنّ رئيس الوزراء الصهيوني بن غوريون راهن على عدم قدرتهم على القراءة حين قال “إننا نعتمد في حروبنا مع العرب على أنهم شعب لايقرأ”، وهو لم يقصد القراءة بمعناها التقليدي، بل كان مقصده عدم القدرة على أخذ العبرة من الدروس التاريخية التي تمرّ بنا، وهي قراءة لو تمّت يمكن أن تقودنا إلى معرفة المخططات التي رسمت للعالم العربي، ويمكن أن تقينا الشراك التي نصبت لنا، والشرور التي تحاك ضدنا. وليس هناك أوضح من تعطيل القراءة عند قادتنا، من نسيانهم أن ديننا الإسلامي نهى عن الفرقة في الدين والاختلاف فيه، وأمرنا بالائتلاف والاجتماع عملاً بقوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا) حيث أن الفرقة هلكة، والجماعة نجاة..
عبير الحيالي- باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية والمقال لرأي اليوم
109 تعليقات