لا شك في أن أهمية مضيق هرمز الإستراتيجية لا تقل أهمية عن مصادر النفط في دول الخليج وإن العمل على إبقاء هذا المضيق سالكا أمام حركة السفن هو من المهام والواجبات للحفاظ على الأمن الدولي وسلامة الإقتصاد العالمي.
يقع مضيق هرمز في الجزء الشرقي للخليج العربي والجزء الشمالي الغربي لخليج عمان وتطل عليه إيران شمالا وشرقا وسلطنة عمان جنوباً وتوجد في مدخل المضيق عدة جزر .
تمر السفن في مضيق هرمز عبر قناة عرضها ستة أميال مقسمة كالتالي
ميلان (2 ميل ) للسفن القادمة . ميلان (2 ميل ) للسفن الخارجة وبين هذين الخطين هناك ميلان يفصلان بين خطي السفن الخارجة والسفن الداخلة. وتطل جزيرة طنب الكبرى على المسار الملاحي المجاور للساحل الإيراني . وتطل جزيرة توكل العمانية على المسار الملاحي المجاور للساحل العماني . كما تطل عليه جزيرتا طنب الصغرى وجزيرة أبو موسى.
بتاريخ 30/11/1971 قامت إيران في عهد الشاه بإحتلال كل من جزيرة طنب الصغرى وطنب الكبرى وجزيرة أبو موسى . مما أعطى إيران القدرة على السيطرة والتحكم في سير الحركة الملاحية في المضيق . لا سيما وأن إيران في ذلك الوقت كانت من أقوى الحلفاء لإسرائيل وكانت تقوم بتزويدها بإحتياجاتها النفطية.
يعد مضيق هرمز من الناحية القانونية من المضائق الدولية. فهو يربط بين خليج عمان والخليج العربي الذي تسكن شواطئه من الشرق إيران ومن الغرب السعودية والإمارات العربية وقطر والبحرين والكويت ومن الشمال العراق ومن الجنوب سلطنة عمان . ومن الناحية القانونية يمثل مضيق هرمز ممرا طبيعيا وحيويا للتجارة الدولية يصل بين بحرين ويشكل مياها إقليمية للدول المطلة عليه وهي إيران وسلطنة عمان . حيث تمتلك كل منهما بحرا إقليميا محددا بإثني عشر ميلا وبما أن مياهه تعتبر مياها إقليمية فإنها تخضع لمبدأ المرور البريء بمعنى أن كل السفن الأجنبية بدون إستثناء تتمتع بحق المرور والملاحة فيه(1) “علي إبراهيم مطر . مضيق هرمز والقانون الدولي “.
أهمية مضيق هرمز :
من خلال مضيق هرمز تقوم السعودية بتصدير 88% من أنتاجها النفطي بينما تقوم إيران بتصدير 90% من أنتاجها النفطي كما يقوم العراق بتصدير 98% من إنتاجه النفطي في المناطق الجنوبية كما تقوم الإمارات العربية بتصدير 99% من أنتاجها النفطي بينما تقوم الكويت بتصدير 100% من إنتاجها النفطي كما تقوم قطر بتصدير 100% من إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال
أما الدول الأكثر استيراداً للنفط الخام عبر مضيق هرمز فهي
اليابان تحصل على 35% من النفط أي ما يعادل 85% من أستهلاكها
كوريا الجنوبية تحصل على 14% من النفط أي ما يعادل 72% من استهلاكها
الولايات المتحدة تحصل على 14% من النفط أي ما يعادل 18% من استهلاكها
الهند تحصل على 12% من النفط أي ما يعادل 65% من استهلاكها
مصر تحصل على 8% من النفط يعاد شحنه الى بلدان أخرى
الصين تحصل على 8% من النفط أي ما يعادل 34% من استهلاكها
سنغافورة 7% تايوان 5% تايلاند 3% هولندا 3%
ولا ننسى أن قطر وهي تعتبر حاليا من أكبر الدول المصدرة للغاز الطبيعي المسال في العالم تصدر حوالي 31 مليون طن سنويا عبر مضيق هرمز
كما أن مضيق هرمز يشهد كما هائلا من مرور سفن التجارة المختلفة من الحبوب وخام الحديد والسكر والمواد الغذائية والمنتجات الصناعية والكهربائية المختلفة
هل تستطيع إيران إغلاق مضيق هرمز ؟؟؟
وللإجابة عن السؤال المتعلق حول قدرة وإمكانية إيران في إغلاق مضيق هرمز فإن إيران تدرك أنها لو قامت بإغلاق مضيق هرمز فسيكون ذلك بمثابة إعلان الحرب على كل دول العالم وسيكون بمثابة إنتحار للنظام .
لو عدنا الى الحرب العراقية الإيرانية لوجدنا أن إيران لم تغلق مضيق هرمز رغم أنها عسكريا تستطيع ذلك كما يمكنها زرع ألغام في مسارات السفن مما يؤدي الى إعاقة الحركة في المضيق وهناك مئات من الوسائل والأساليب التي يمكن بواسطتها تعطيل المرور في المضيق ولكن السؤال الأهم هو هل تريد إيران أن تقوم بذلك ؟؟؟ سيما وأن غالبية النفط الإيراني يمر من خلال مضيق هرمز .
إن أحدا لا يستطيع التنبوء بالإجراءات التي سوف تتخذها إيران في حال تعرضها الى أي هجوم عسكري وهل ستقوم مرغمة بإغلاق مضيق هرمز
إن أي قرار تتخذه إيران بشأن إغلاق مضيق هرمز يتعلق بالأمن الإقتصادي العالمي وإن مثل هذا الإغلاق بالتزامن مع قضية إيران النووية سوف يدفع العالم بأسره وبالذات الولايات المتحدة الى دعوة مجلس الأمن لإتخاذ قرار من أجل تشكيل تحالف عسكري واتخاذ الخطوات المناسبة وإعطاء الولايات المتحدة الشرعية الدولية في استخدام الحل العسكري لفتح مضيق هرمز .
وإن إيران تدرك خطورة مثل هذه الخطوة ولا أعتقد أن إيران ستخاطر بكل مكتسبات ثورتها وإنما ستستغل سيطرتها على مضيق هرمز كورقة ضغط لكسب الوقت على أمل تحقيق حلمها الأكبر في الحصول على القدرة النووية ولا تريد في هذا المجال أن تخسر علاقتها الودية مع دول أوروبا التي وقعت إلإتفاقية النووية مع إيران والتي انسحبت منها الولايات المتحدة .
كما أن إيران لا تريد أن تخسر أسواقها النفطية مع الصين والهند وهما من أكبر الدول المستوردة للنفط في العالم بالإضافة إلى أوروبا . وهناك تساؤلات هل ستقبل الصين بمقاطعة النفط الإيراني وترضخ للضغط الأمريكي أم أنها ستقف موقف التحدي في وجه الولايات المتحدة
اللغز الإيراني:
لقد استغلت إيران الفترة التي تلت انهيار الإتحاد السوفياتي وعمدت الى شراء العديد من مقومات المنظومات النووية بدءاً بالصواريخ وتكنولوجيا المعلومات ولا يستطيع أحد التأكيد أو النفي فيما إذا تمكنت إيران من الحصول على رؤوس نووية من هذه الجمهوريات كما عمدت الى التعاقد مع المئات من علماء الذرة من الجمهوريات الإسلامية بالإضافة الى أوكرانيا وصرفت مئات الملايين من أجل شراء كل ما يمكن شراؤه من الأجهزة العسكرية المتقدمة. ولا شك بأن حصول إيران على ترسانة من الصواريخ ذات المدى ما فوق المتوسط مثل صاروخ ( بدر – 110) وصاروخ شهاب 4 الذي يصل مداه 2500 – 4500 كلم وصاروخ شهاب 5 الذي يصل مداه 6000 كلم وصاروخ شهاب 6 العابر للقارات حيث يصل مداه الى 10000 كلم وصاروخ ” سجيل ” وهو أحدث الصواريخ في المنظومة الإيرانية بالإضافة الى مجموعة الصواريخ متوسطة المدى والتي يتراوح مداها ما بين 1000 كلم – 3000 كلم
بالإضافة الى مجموعات مختلفة من أنظمة الدفاع الجوي الصاروخية المحمولة وهي ميثاق 2 وميثاق 1 وهي أنظمة مطورة للمنظومة الصينية ” كيو 1 فانجارد ” بالإضافة الى منظومة ( سام 7 غابرييل ) و( تور إم 1 ) وهي منظومات روسية لحماية المنشآت النووية من خطر المقاتلات المعادية.
وإن أكثر ما يقلق الأجهزة الإستخبارية الإسرائيلية والأمريكية هي محاولة التأكد من نوعية الصواريخ التي اشترتها إيران من أوكرانيا في عهد الرئيس الأوكراني ” فيكتور يوششنكو ” عام 2005 وهي صواريخ من طراز إكس-55 هل هذه الصواريخ مجهزة برؤوس نووية أم غير مجهزة ومما لا شك فيه أن الإجابة على مثل هذا التساؤل سوف تؤدي لا محالة الى عملية إعادة تقييم للموقف الإستراتيجي للولايات المتحدة ولإسرائيل.
كما أنها قلقة للتقارب الحالي بين إيران وروسيا لا سيما وأن المصادر الإستخبارية تؤكد حصول إيران على شبكات صواريخ إس إس 300 للدفاع الجوي والتي تم الإعلان عن نشرها على الشواطىء الشرقية للخليج العربي وكل الأجهزة الإستخبارية تحاول معرفة مصير المفاوضات الجارية بِشأن بيعها صواريخ إس إس 400للدفاع الجوي .
ميزان القوة العسكري بين الولايات المتحدة وإيران:
لا مجال لعقد أي مقارنة بين إيران والولايات المتحدة من حيث ميزان القوة العسكرية وإن حصول إيران على أي نوع من انواع السلاح لا يشكل أي ثقل في ميزان القوة العسكري بينهما فالولايات المتحدة هي دولة عظمى ولا تملك حدودا جغرافية مع إيران وهي تستطيع شن غارات جوية وإطلاق آلاف الصواريخ الباليستية من البر والبحر والجو ولديها الآلاف من الرؤوس النووية ولقد سبق أن جربت قدرتها النووية عام 1945 في هيروشيما وناغازاكي ولديها الآلاف من الطائرات والقاذفات البعيدة المدى والأساطيل التي تعج بها المحيطات والبحار والغواصات النووية والفرق العسكرية والقيادة المركزية الموحدة ومئات من قيادات السيطرة والتحكم في أكثر من مائتي قاعدة جوية وبحرية موزعة في أرجاء العالم وعلى سبيل المثال لا الحصر بالنسبة إلى الصواريخ البالستية العابرة للقارات فهي تحمل أكثر من 2145 رأسا نوويا وهناك صواريخ يتم إطلاقها من قواعد الإطلاق البحرية تحمل ما يقارب 6656 رأسا نوويا وهناك الصواريخ التي يتم إطلاقها من الطائرات القاذفة والتي تحمل 4080 رأسا نوويا . أي ان الرؤوس النووية الأمريكية تستطيع تدمير العالم مائة مرة . كما أن هناك 33 قاعدة عسكرية أمريكية جوية وبرية وبحرية تحيط بإيران شمالا وشرقا وجنوبا وغربا .
إن إتخاذ قرار بشأن أي حرب مستقبلية يعتمد على الهدف الإستراتيجي القومي للولايات المتحدة وفي عهد الرئيس الأمريكي الحالي لا يمكن لأحد التنبوء بالخطوة التالية حتى أقرب المستشارين إليه جون بولتون وجاريد كوشنر بل حتى أقرب حلفائه بنيامين نتنياهو لا يعرفون ما يدور في خلده . ولكن هذا لا يعني أنه ليس من الممكن جدا إفتعال حادثة قد تشعل فتيل الحرب . والسؤال الذي يطرح نفسه هل لدى الولايات المتحدة الهدف إلى تغيير نظام المؤسسة الدينية والقضاء على حكم وقيادة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي علما بأن تحقيق هذا الهدف يستوجب إحتلال إيران لتحقيقه وهو أمر مشكوك فيه وإن السيناريو الأخطر هو قصف إيران بالصواريخ دون العمل على إحتلالها وتحويلها إلى وحش جريح تنتقم فيه من جيرانها دول الخليج . وبالتالي تقديم فاتورة العمليات الحربية إلى الأنظمة العربية .
إن إيران تمثل الدجاجة التي تبيض ذهبا بالنسبة إلى كل الدول المصنعة للسلاح وبالذات إلى الولايات المتحدة وهي تشكل الحافز لدول الخليج لإنفاق تريليونات الدولارات من أجل شراء الأسلحة لتحميها من تزايد النفوذ الإيراني في العالم العربي ومن أجل القضاء على تدخل إيران في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية ذات التواجد الشيعي . لقد تمكنت إيران خلال السنوات الماضية من تحقيق أكبر أحلامها المتمثل في الهلال الشيعي الممتد عبر العراق وسوريا ولبنان وبقي الأردن وحده عصيا على هذا المد . ولقد عوضت إيران هذا النقص بأن عمدت إلى فرض نفوذها على أجزاء كبيرة من اليمن عن طريق تحالفها مع الحوثيين ونحن نعلم أن أهمية مضيق باب المندب لا تقل أهمية عن مضيق هرمز من حيث تصدير النفط والغاز .
لقد تحدثت في مقال سابق عن أهمية الحرب الرابعة حرب الخلايا النائمة أو ما تعارف على تسميته بحرب الإنابة ولقد تحدثت عن بدايات الربيع العربي في الدول العربية كما تحدثت عن مخطط عراب الفكر الصهيوني برنارد لويس من أجل تفتيت وتفكيك العالم العربي والإسلامي . حيث صرح مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي زبغنيو بريجنسكي عام 1980 بقوله ” إن المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة من الآن هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الحرب الخليجية الأولى التي حدثت بين العراق وإيران تستطيع من خلالها تصحيح حدود إتفاقية سايكس بيكو ” . وعقب إطلاق هذا التصريح وبتكليف من وزارة الدفاع الأمريكية بدأ بيرنارد لويس بوضع مشروعه الشهير الخاص بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية جميعا وكلا على حدة ومنها العراق وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين ومصر والسودان وإيران وتركيا وأفغانستان والباكستان والسعودية ودول الخليج ودول المغرب العربي وتفتيت كل منها إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية وقد أرفق بمشروعه مجموعة من الخرائط المرسومة تحت إشرافه . وكان أكبر أهداف مشروع برنارد لويس إيقاع شرخ بين المعسكر الشيعي بقيادة إيران وبين المعسكر السني بقيادة السعودية. ولقد تمت الموافقة على مشروع برنارد لويس من قبل الكونغرس الأمريكي وبدأ العمل على تقنينه وإعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية والإستراتيجية لسنوات مقبلة حيث عمد كل من جورج الأب والإبن الى الإستفادة مما ورد فيه من توصيات .
وحسب ما ورد في هذا المخطط بالنسبة إلى شبه الجزيرة العربية فهو ينص على إلغاء السعودية والكويت وقطر والبحرين وسلطنة عمان واليمن والإمارات العربية من الخارطة ومحو وجودها الدستوري بحيث تتضمن الجزيرة العربية ثلاث دول فقط
1: دولة الإحساء الشيعية وتضم الكويت والإمارات وقطر وعمان والبحرين والجزء الشرقي للملكة السعودية.
2: دولة نجد السنية .
3: دولة الحجاز السنية .
وبالرغم من إستهجاننا لمثل هذا الطرح فلنتذكر ما حدث للعراق وسوريا ومصر واليمن والسودان وليبيا بعد إنتشار الربيع العربي بدءا من تونس ولا ننسى أن النفوذ الإيراني قد وصل إلى كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن.
إن وقوع حرب مع إيران سوف يؤدي إلى قيام النظام الإيراني بإتخاذ خطوات يائسة لنقل ميدان المعركة إلى دول الخليج العربية وهذا يعني إستهداف كافة المواقع الإستراتيجية والقواعد العسكرية والمنشأت الإقتصادية والتجمعات النفطية مما يسبب وقوع كوارث لا حصر لها إقتصاديا وإنسانيا وحضاريا وسوف تكون بداية تفكيك وتفتيت دول الخليج العربي . تصوروا للحظة لو أطلقت إيران بعض الصواريخ على بعض الأبراج في مدن الخليج . لو تم تدمير البنية التحتية لقطاع الكهرباء . لو تم تدمير المطارات والموانىء والأسئلة تستمر إلى ما لا نهاية وسوف نتطرق إلى هذا الموضوع في مقال لاحق بعنوان نداء إلى خادم الحرمين الشريفين .
تعليق واحد