هل هو الربيع في لبنان؟
من الصعوبة الحكم على ما يجري في لبنان على أنه ربيع سياسي لبناني يسعى وسينجح في إسقاط النظام. النظام السياسي اللبناني نظام شبه ديمقراطي فريد جداً من نوعه، يتميز بمواصفات تجمع بين الديمقراطية والدكتاتورية والارستقراطية، بتركيبة محاصصة سياسية وطائفية ترسخت عبر قرون من التفاوض والتحارب بين مكونات المجتمع اللبناني. القوة السياسية اللبنانية الفاعلة ميدانياً وذات الحضور الديمغرافي تحافظ على نظام توازن اجتماعي وسياسي دقيق، يعطي لكل منها حصته من السلطة والنفوذ، ويستقطب بشكل حاد الغالبية العظمى من المواطنين اللبنانيين، فأصبح انتماؤهم لطائفتهم ومجموعتهم الدينية او العرقية اكبر من لبنانيتهم، وتقدمت هذه الانتماءات الفرعية على تلك الوطنية.
يصعب والحال هذه توقع أن ما يحدث في لبنان ربيعاً لبنانياً يسعى لإسقاط النظام وتغييره بآخر يقوم على أسس ديمقراطية بحتة. القوى السياسية والاجتماعية والدينية القوية والمسيطرة لن تقبل بذلك ولن تدعمه. ما يحدث فورة غضب على أوضاع اقتصادية متراجعة، وتردي كفاءة السلطة والحكومة للقيام بمهامها، بدا جلياً بالتعامل مع الحرائق ومن ثم قرارات الضرائب، أي أنه ضغط شعبي يطالب بتحسين الأداء وليست مرحلة تغيير أو إسقاط نظام.
أخطر ما واجه الاقتصاد اللبناني تاريخياً حالة عدم اليقين التي تسببت بها الحرب الاهلية والنزاعات الطائفية، جعلت كثيرا من القرارات الاقتصادية والمالية متأثرة بهذه النزاعات وليست محايدة مهنية محترفة. وأكثر القطاعات التي تأثرت بهذا الامر القطاع النقدي، فكانت السياسات النقدية مرتخية وغير مدروسة أدت لانهيار الليرة اللبنانية أمام العملات الاخرى، ورفع من العبء على الجهاز المصرفي لحماية العملة المحلية المستنزفة أساساً من دفعات خدمة الدين الخارجي الذي وصل 86 مليار دولار بنسبة 150 % من الناتج المحلي الاجمالي، وهي نسبة مرتفعة وخطيرة تعد ثالث أكبر نسبة بالعالم. لبنان أصبح بحاجة لخطة إنقاذ، ولمساعدة دولية، كلها تشترط وتحتاج لإجراءات تقشفية تزيد الايرادات وتقلل النفقات، وهذا يعني ضرائب جديدة وتراجعا بتقديم الخدمات العامة التي ستتأثر بخفض النفقات. الشيء الكبير والمهم أن يتابع في المرحلة القادمة، ما إذا كان توازن قوى الداخل اللبناني ستنجح بتطويع وإقناع قواعده بضرورات الاجراءات الاقتصادية التقشفية والضريبية، أم أن قيادات هذه التوازنات ستستغل ما يجري لتحقيق مكاسب سياسية وخلق ظروف تفاعل سياسي أخرى يرغبونها.
غير واضح على الإطلاق الى أين ستتجه هذه المعادلة، رغم أن المؤشرات الاولية تذهب باتجاه رغبة غالبية القوى السياسية النافذة تدعيم الاستقرار وتبني التدرج بتطبيق الاصلاحات، وعلى قاعدة التشارك بالمسؤولية وعدم التضحية بأي من أركان التوازن السياسي والطائفي اللبناني.
لبنان لن يتغلب على معضلاته الاقتصادية الا بدعم القوى السياسية والطائفية، وبتبني سياسات نقدية واقتصادية احترافية محايدة سياسياً تنظر للاقتصاد وعافيته بعيداً عن تسجيل الاهداف السياسي.
“القدس”