الدكتور صادق جلال العظم: الفيلسوف والمفكر السوري الذي امن بالعلمانية وتحرير العقل .
في 11 دجنبر 2016 غيب الموت ببرلين – وكم كان ظالما هذا الموت- مفكر اسثنائي نذر حياته للدفاع عن الحداثة والعلمانية والعقلانية، مفكر وناقد لا يستكين للافكار الجاهزة او التحليلات السطحية التي تمجد بدون دليل او تذم بدون سبب كذلك ، مفكر حاور وناقش كبار المفكرين واختلف معهم مثل ادونيس و ادوارد سعيد حول مواضيع ثقافية وفكرية وسياسية ، انه المفكر السوري صادق جلال العظم الذي افنى حياته في خدمة البحث الفلسفي التاريخي دفاعا عن الحداثة والتاريخ ، وساهم في اغناء المكتبة التنويرية التقدمية باسهامات فكرية هامة ماتزال تقرا في شرق العالم وغربه ومن اهم كتاباته نجد كتابه في نقد الفكر الديني الذي حاول من خلاله مناقشة بعض الاطروحات الدينية التي تعرقل حرية العقل وتكبله عن التفكير الحر وتوغل في تمجيد الاساطير المؤسسة للفكر الديني وكان تناوله الفلسفي المنطقي لمأساة ابليس نموذجا فكريا لمجابهة جريئة وشجاعة لمجال محفظ من طرف عدد من التيارات الدينية والسياسية التي لها شعبية كبيرة لانها تيارات مخدرة للروح والعقل و لا تتطلب التعمق الفكري ولا التحدي المنطقي ، نقد الفكر الديني ، كتاب سجالي اثار فيه الدكتور صادق جلال العظم مجموعة من الاشكالات الفلسفية والتاريخية التي اثارت حفيظة حراس المعبد وكهنة التقديس النصي للنصوص الديني ، فحاكموه ومنعوا نشر الكتاب وتداوله لمدة معينة قبل ان ينقلب السحر على السحرة حيث ادى منع الكتاب -وان يكن في نظري ليس اهم كتبه- الى شهرته الذي بلغت كل الافاق والاصقاع.
يعتبر كتاب ذهنية التحريم من اكثر الكتب التي تميز فيها المفكر جلال العظم من حيث المنهجية المتبعة في الحليل ومن حيث انه كتاب حواري نقدي اعمل فيه المفكر العظم عدة فكرية وتحليلية اسعفته لمجابهة فكرية لانتاج فكري لمفكرين كبار امثال ادوارد سعيد واستطاع باستعمال تحليل ماركسي مبطن تفكيك بعض مقولات ومفاهيم واستنتاجات ادوارد سعيد المبثوثة في ثنايا كتابه الهام الاستشراق ، حيث ان المفكر جلال العظم استطاع ان ينقد نقدا علميا بعض طروحاته وتبيان بعض التناقضات التي يحتويها كتابه المرجعي الاستشراق ومن بينها السقوط في استشراق معكوس يستنسخ خطأ جعل التراث والثقافة العربية الاسلامية جوهرا ثابتا متعاليا عن التراث الانساني العالمي اي انه يسقط في تحنيط الثقافة العربية الاسلامية كما يفعل الاستشراق بالنسبة للثقافات الاخرى .يقول الدكتور صادق جلال العظم في نقده لادوار سعيد :”[1] يبدو لي ان النتيجة المنطقية البعيدة لهذا الاتجاه في تفسير ظاهرة الاستشراق هي العودة بنا ، من الباب الخلفي، الى اسطورة الطبائع الثابتة(التي يريد ادوارد تدميرها) بخصائصها الجوهرية التي لا تحول ولا تزول، الى ميتافيزيقيا الاستشراق (التي كتب ادوارد كتابه ليفضحها ويجهز عليها) بمقولتيها المطلقتين :الشرق شرق والغرب غرب ،ولكل منهما طبيعته الجوهرية المختلفة وخصائصه المميزة .هنا لا تعود ظاهرة الاستشراق وليدة شروط تاريخية معينة او استجابة لمصالح وحاجات حيوية ناشئة وصاعدة ، بل تاخذ شكل الافراز الطبيعي العتيق والمستمر الذي يولده”العقل الغربي” المفطر بطبيعته،كما يبدو، على انتاج واعادة انتاج تصورات مشوهة عن واقع الشعوب الاخرى ومحقرة لمجتمعاتها وثقافاتها ودياناتها في سبيل ذاته والاعلاء من شان تفوقه وقوته وسطوته اي وفقا لهذه الاطروحة يبدو العقل الاوروبي الغربي من الشاعر هوميروس الى المستشرق هاملتون جيب مرورا بكارل ماركس وكأنه يتصف بنزعة متأصلة لا يحيد عنها لتشويه الشرق وتزييف واقعه وتحقير وجوده ، كل ذلك في سبيل تمجيد ذاته والاعلاء من شانها وتاكيد تفوقها. يبدو لي ان هذا المنحى في تفسير اصول ظاهرة الاستشراق وتطورها ، مع النتائج المترتبة عليه ، يعمل على احباط الاهداف الاساسية التي من اجلها وضع ادوار سعيد دراسته النقدية التي نحن بصدهها ، وذلك لسببين رئيسيين:
اولا : لانه يرجعنا بصورة ضمنية الى نمط من التفكير والتعليل يقوم على التسليم الصامت باسطورة الطبائع الثابتة والخصائص الدائمة وهي الاسطورة التي يفترض بان ادوارد قد اعلن الحرب الكلية عليها.
ثانيا : لانه يعطي ميتافيزيقيا الاستشراق ، التي تحول التسميات الجغرافية النسبية الى مقولات ضرورية مطلقة نوعا من المصداقية والجدارة يرتبط عادة بالاستمرارية الطويلة والتواصل التاريخي والجذور السحيقة..”
تبقى اسهامات صادق جلال العظم ملهمة لكل باحث عن الفكر التنويري و لكل منافح عن النزعات العقلانية في ثراتنا ، ولعل وقوف المفكر صادق جلال العظم الى جانب صف الثورة السورية ودفاعه المستميت عن تحرر الشعب السوري من ربقة الاستبداد ونظام الظلم والطغيان دليل على ان الرجل متشبع بالفكر التحرري الذي يقرن الفكر بالممارسة ، لذلك لم يتهاون الدكتور العظم ولو لحظة في دعم الثورة السورية رغم كل ما شابها من تغلغل الاسلاميين في صفوفها وقال قولته الشهيرة انا مع الثورة سواء تعلمنت او تاسلمت ، كما انه انتقد بشدة مواقف بعض المثقفين والمفكرين المتشككين والرافضين للثورة السورية كالمفكر ادونيس و غيرهم الذي اتهمه الراحل العظم بان علويته غلبت على تقدميته كما غلبت شيعيته على مواقفه من ثورة الخميني .
كان للراحل صادق جلال العظم مواقف مشرفة في اطار دفاعه عن حرية الراي والتعبير اذ كان من الاوائل الذين دافعوا عن حق سلمان رشدي في التعبير عن رأيه ضد التهديدات وسلسلة من المواقف التكفيرية الظلامية التي تعرض لها عند كتابة كتابه ايات شيطانية ، وشارك في حملة للدفاع عن الكاتب البريطاني الجنسية الهندي الاصل وكان من الموقعين على بيان ضد حكم الاعدام الذي اصدرته طهران ضد سلمان رشدي ومن فقرات البيان نذكر : “[2] تواصل قوى الظلام جهادها ضد العقل والمدافعين عنه ، فتحرق الكتب، وتعدم كل من كتب كتابا لا يعجبها ، تبيح دم كل مثقف عرف المسؤولية تاركة الجهل ياخذ مداه الكامل ، فلقد مرت اظافر القوى الظلامية على “الفتوحات المكية”لابن عربي ، و “الف ليلة وليلة” وحكمت عليها بالاعدام ودفنت في طريقها حسين مروة ومهدي عامل وحرقت المسارح في قرى مصر ، واعتبرت “اولاد حارتنا ” لنجيب محفوظ زندقة، ونشرت كتابا عن الحداثة يبيح دم كل من يكتب بلغة حية ، واخيرا بلغ تيار الظلام ذروته حيث كرس جائزة لمن يقطع رقبة سلمان رشدي الكاتب الهندي الاصل والمقيم في لندن.”
كتابة هذا المقال المختصر البسيط عن الدكتور صادق جلال العظم هو دعوة لاعادة قراءة تراث الرجل و الاحتفاء بمواقفه وطروحاته والتفاعل العلمي النقدي الابستيمي معها ، اذ ان امثال الدكتور العظم قل ان يجود الزمان بامثالهم ويجب حفظ ذكراهم باشاعة فكرهم ومنهجهم النقدي الذي نحن في احوج الحاجة اليه امام تلعلع اصوات الرصاص المتدفق من ايادي الارهاب السياسي والفكري من قبل جماعات متطرفة وانظمة رجعية كذلك ، وامام انحسار الفكر الحر امام زواج الراسمالية العالمية مع الجهل المقدس في زواج كاثوليكي يحفظ فيه التدين المتطرف مصالح الراسماليين
انغير بوبكر
كاتب من المغرب