إسرائيل وثورات الشعوب العربية/ السفير د. عبدالله الأشعل
7 ديسمبر 2019، 22:17 مساءً
المفهوم أن الغرب عموما يخطط مواقفه من التطورات فى المنطقة بحيث تستفيد إسرائيل من كل هذه التطورات فقبل عام 2011 كانت المنطقة العربية قد استسلمت لإسرائيل وكانت بعض الدول التى استعصت على التطبيع مثل السعودية والخليج تتردد فى إعلان علاقاتها بإسرائيل ثم قامت ثورات الشعوب العربية عام 2011 فى الدول الجمهورية وحدها فسارعت إسرائيل إلى التحالف مع القوى المناهضة لهذه الثورات فى هذه الموجه الأولى لأن هذه الثورات قامت ضد حلفاء إسرائيل فى مصر وغيرها ولذلك فإن هذه الثورات كانت ستغير خريطة المنطقة فتقضى على تبعية المنطقة لإسرائيل والولايات المتحدة وتحقق لأول مرة استقلالا عربيا ثم تنهى الحكم الاسرى والحزبى والعسكرى فى المنطقة العربية ثم تنصب الشعوب فى مقاعد الحكم وتطلق الطاقات العربية والابداع العربى مما كان من شأنه أن يغير خرائط المنطقة ويرسم علامة إستفهام حول مصير السرطان الصهيونى الذى يعيش على ثغرات الجسد العربى. ولذلك تحالفت إسرائيل مع القوى التى قامت ضدها الثورات ووضعت لكل بلد روشتة خاصة به للقضاء عليه وتحميل الشعوب المسؤولية عن خراب أوطانهم مع أن هذه الشعوب صبرت طويلا على سفاهة الحكام وفسادهم ثم أعلنت رفضها للوضع القائم وطالبت بالتغيير فى ثورات سلمية حضارية غير مسلحة رغم الاحكام العرفيةة وحالة الطواريء وسطوة الأمن فى الدول العربية التى قامت فيها الثورات ويطول المقام فى شرح صور مواجهة هذه الثورات فى كل بلد على حدة لكن برامج المواجهة دبرت مع القوى المحلية والتى وقفت موقف العداء من هذه الثورات جميعا التى تطاولت على الحكام الذين اعتبروا أنفسهم من جينات مختلفة وأنهم فوق المساءلة والحساب واتهموا هذه الثورات أنها من تدبير واشنطن وزوروا مذكرات لهلارى كلينتون بهذا المعنى ولكنها كانت محاولة فاشلة كشفت عن ثلاثة دروس واضحة الدرس الأول هو أن للحكام مصالح مشتركة مع إسرائيل وواشنطن وأنهم يتمسكون بالوضع الراهن ويرفضون التغيير الدرس الثانى أن واشنطن تدير أمور العالم العربى بشكل مباشر لايستطيع حاكم أن يزعم أنه مستقل وأن خطاب التوصية للبيت الأبيض لقبوله يصدر من إسرائيل الدرس الثالث هو كذب إسرائيل التى روجت أنها جاءت إلى المنطقة لكى تنقل تجربتها الديمقراطية إلى المحيط العربى فكشفت مواقفها من الثورات العربية هذا الزيف وأكدت هذه المواقف أن بقاء إسرائيل مرهون بالاستبداد العربى وتقويته وأن الديمقراطية العربية تنهى وجود إسرائيل التى تعيش على أمراض المنطقة العربية التى كان لها دخل كبير فيها .
تلك كانت الموجه الأولى من الثورات العربية وبعدها انطلقت إسرائيل بعد قمع هذه الثورات ومعاقبة المشاركين فيها إلى المجاهرة بما كانت تخفيه تدليسا وكذبا وهو أنها تريد الديمقراطية للمنطقة والسلام فى فلسطين فأعلنت أنها منذ البداية تريد كل فلسطين وأنها أخفت هذه الحقيقة عن العرب والعالم ودخلت فى مفاوضات عبثية حتى تستهلك الوقت وتكسبه فلما هزمت الثورات العربية زال عنها الروع وتنفست الصعداء بل واحتفلت مع قوى المنطقة المضادة للثورات بالقضاء المبرم على روح الثورة عند العرب. ولكن إسرائيل فوجئت بأن الثورات العربية بدأت تستأنف بشكل أكثر جذرية ووضوحا فيما رأته من ثورة الجزائر ضد الحكم العسكرى وثورة السودان ضد الحكم العسكرى والأهم ثورة لبنان والعراق ضد الطائفية ووضوح المشهد فى بقية الدول العربية.
فى هذه المرحلة وفى مواجهة هذه الموجة الجديدة الجدية اتخذت إسرائيل موقفا مؤيدا لهذه الثورات لسبب بسيط وهو أن كل بلد تخدم الثورة فيه بشكل غير مباشر أهداف إسرائيل علما بأن هذا وهم كبير فى لبنان مثلا تعادى إسرائيل حزب الله وحزب الله جزء من التركيبة الطائفية فى لبنان والثورة فى لبنان تطالب بتفكيك الطوائف واقامة الدولة الحديثة بجيشها الوطنى وبمؤسساتها المنتخبة انتخابا ديمقراطيا حرا وليس على سبيل المحاصصة الطائفية ولكن إسرائيل لايسعدها أن تنجح هذه الثورات لأن النتائج التى تستهدفها الثورات ضد وجود إسرائيل وقد سعدت إسرائيل كثيرا بظهور شباب حزب الله وأمل أو مؤيديهم فى مشهد حسب على أنه ضد الثوار ولا شك أن إسرائيل تحاول أن توسع الشقة بين حزب الله وبين بقية الثوار الذين ينتمون بحكم التركيب إلى كل الطوائف وتدرك إسرائيل أيضا أن الثورة فى لبنان سوف تصطدم بواقع مرير وهو تكتل الطوائف وزعمائها ضد الثورة ولذلك تحاول إسرائيل أن توقع بين زعماء الطوائف وبين عموم الشعب اللبنانى فى الشوارع وتراهن على تمسك الطوائف بامتيازاتها والانهيار الاقتصادى الناجم عن ذلك وتمسك الطوائف بالفساد وإن كان حزب الله قد طور موقفه عدة مرات حتى لايفقد أنصاره وللامانة يجب أن ننظر إلى حزب الله من جوانب متعددة ولكن هذه النظرة قد تكون أكاديمية أكثر منها عملية ذلك أن حزب الله نشأ خصيصا لمقاومة الاحتلال الإسرائيلى لبيروت ونشأ مرتبطا بإيران فجمع انصارا له بصفته المقاومة على امتداد المنطقة العربية وفى نفس الوقت لقى معارضة التيارات الموالية لإسرائيل فى الساحة اللبنانية والعربية وقد استندت وضعية حزب الله المقاوم إلى شرعية عامة واكتسب سلاحه هذه الشرعية ولكن بدأ ذلك يهتز بعد صدامه مع القوى اللبنانية منذ عدة سنوات ثم دخوله إلى سوريا لمساندة الحكومة السورية ضد المسلحين من كل الاتجاهات الذين انتظموا فى مؤامرة ضد الشعب السورى ورغم سلامة موقف حزب الله من الناحية الاستراتيجية فى سوريا إلا أن ذلك أضيف إلى عوامل تنال من صورته كحزب مقاوم.
أما الجانب الآخر من حزب الله هو تجميع الشيعة واظهارهم قوة اجتماعية جديدة فى لبنان دون الاحتكاك بالطوائف الأخرى السنية والمسيحية وأما الجانب الثالث فهو أن الحزب قوة سياسية تحمى لبنان ولكنها تشغل حيزا بالغ الأهمية فى تركيب السلطة فى لبنان.
الجانب الرابع من حزب الله هو أن علاقته بإيران علاقة عضوية وهذا يشكل مظهر قوة وضعف له فى نفس الوقت خصوصا وأن إسرائيل تحسب حزب الله من الأذرع الهامة لإيران فى أى مواجهة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة ولذلك تحاول إسرائيل أن تتحرش دائما بحزب الله فى سوريا ولبنان وتقوم بهجمات على مراكز الشيعة فى الضاحية الجنوبية فى بيروت وكذلك الجنوب اللبنانى حتى بات حزب الله هو الهاجس الأكبر لاسرائيل بعد أن استأنست المنطقة وقضت على شكيمة جيوشها فى كل الدول المحيطة بها باستثناء الجيش المصرى الذى لاتأمن إسرائيل له مهما امتدت وشائج التنسيق والطمأنينة معه وقد عبر شارون فى مذكراته عن هذه الحقيقة بقوله إسرائيل لاتخشى فى المنطقة سوى هذا الجيش ولذلك يفترض أنها تعمل على اضعافه وتهميشه والقضاء عليه وتلك حقيقة لابد أن تدركها القيادة العسكرية المصرية من الناحية الاستراتيجية مهما كانت الظروف التى تبدو للناظر مختلفة.
أما الثورة فى العراق فإن إسرائيل تؤيدها على أساس أنها ضد الطائفية المسنودة من إيران وضد تغول إيران فى العراق وتبرز إسرائيل سقطات إيران أتجاه هذه الثورة خاصة وأن إيران نفسها تواجه تململا شعبيا ظاهرا ولكن إسرائيل أيضا تراهن على فشل الحراك العراقى فى تحقيق اهدافه الاستراتيجية وتستعين بالقوات الأمريكية فى العراق على التحسب لأى نجاح لهذا الحراك رغم أنها تدين أستخدام القوة ضد المتظاهرين لأن إسرائيل عادة تتسم بأعلى درجات الانتهازية وهذه طبيعتها التى لا تستطيع الافلات منها.
أما الحراك فى السودان والجزائر فتبدى إسرائيل حيادا مع ميل إلى استحسان الحراك ولكن إسرائيل تخشى من الحراك السودانى والجزائرى من أن يمتد إلى مصر التى أمنت تماما الوضع فيها وهذا وهم كبير لأن المصريين يفرقون بين خلافهم مع الحاكم وبين خلافهم مع إسرائيل فهم يجمعون على رفض إسرائيل ولكنهم لايجمعون بالضرورة على الخلاف مع الحاكم.
الخلاصة أن إسرائيل تحدد موقفها من التطورات العربية وفقا لمصالحها وتتمنى أن تسود الفوضى والدمار فى جميع الدول العربية وتقف بالمرصاد لأى بادرة للاصلاح أو التطور الديمقراطى أو السياسى الايجابى.