إِنَّ دَرَجَة القوامةِ بالقسطِ من أعلَى درجاتِ الفَضْلِ الرَّبَّانِي الذِي يُؤْتِيهِ اللهُ منَ يشاءُ من عبادِه رجلاً كانَ أو إمرأةً.و لعلَّ خدمةَ الوطنِ و المواطناتِ و المُواطِنين، تدخلُ في نِطاقِ هذا المبدأ القُرآني الراقي حيثُ أنَّ نُبْلَ السياسةِ و حُسْنَ الكِيَّاسَةِ يَنْبَنِيَّانِ عَلَى أَسَاسِ العدلِ بينَ النَّاسِ و أَدَاءِ الأماناتِ إلى أَهْلِهَا.
كمَا أنَّ السياسي الصالحَ لِمُجْتَمَعِهِ يَبْني سُمْعَتَهُ بينَ الناسِّ على كفَاءَةِ القُوَّةِ و الأمانَةِ، باعْتبارِهِما مُؤَهِّلَيْنِ لاَ محيدَ عنهُما لِتأْدِيةِ وَظيفَتِهِ المِحْوَرِيَّةِ في تدبيرِ الشأنِ العامِّ.
و حيثُ أنَّ الشَّيءَ بالشيءِ يُذْكَرُ؛ فلا بأس من التَّأَملِ فِي غَاياتِ القِوَامَةِ بالمُقارَنَةِ بينَ شَخْصِيَّتَيْنِ تَرْتَبِطُ أَسَامِيهُمَا بِأَحْزابٍ لهَا مَرجِعيَّة دِينِيَّة ، و تَتعلقُ المُقَارَنَةُ بين كُلٍّ منْ : السيدة أَنْجِيلاَ ميركل و السيد عبد الِإله بنكيران. فَالشَّخْصِيَّة الأولَى تُمَثِّلُ مَرجِعِيَّةَ حزبٍ ألماني مسيحي ، و الثانيةُ تَعْتَنِقُ مِلَّةَ حزبٍ مغربي إسلامي.
نعم .. فَالشَّخْصِيَّة الأولَى تنتمي إِلى قَوْمٍ وَلُّوا إمرأةً عَلَى أُمورِ حُكومَتِهم فَرَاكَمَتِ النجاحَ، حتَّى أعادوا تجديدَ الثقةِ فيها للمرة الرابعة على التوالي. و رغم بعضِ النَّواقِصِ المرصودَة إلاَّ أنَّ التجربةَ الحكومية للسيدة ميركل أنجيلا، تميَّزَت بِالجمعِ المحمودِ بينَ نظافةِ اليَدِ و النَّجاعَة في تدبيرِ الأزماتِ التِي وَاجَهَهَا المجتمع الألماني بشكلٍ جعلَ من ألمانيا قوةً اقتصاديةً مَنيعَةً، و بذلكَ اسْتَحَقَّت المرأةُ ميركل درجةَ القوامةِ الصالحةِ بمَا وَعَدَتْ بِهِ و بِمَا حَقَّقَتْهُ من مُنجزاتٍ عَظِيمَةٍ على أرضِ الواقِع الأَلْمَاني.
أَمَّا الشخْصيَّةُ التالِيةُ ؛ فَهُوَ السيد عبد الإله بنكيران ذاكَ الرجلُ المُنتَمي لِحزبِ العدالة و التنميةِ ذِي المرجعيةِ ” الإسلاميةِ ” ، و الذِي دَبَّرَ أَمْرَ الحكومةِ السابِقَةِ بِقُوةِ العَفْوِ عَمَّا سَلفَ من فسادٍ، وَ أَنْهَى وِلاَيَتَهُ بخيانةِ الأمانة الشَّعبيَّة و التَّملُّصِ من المسؤولية السياسية بعدَ فَشَلِهِ في إِنْجَازِ وعودِه الإِنتخَابيةِ .
ثمَّ كانتِ النتيجةُ إغراقَ ميزانيةِ الدولةِ المَغْرِبيةِ في قَعْرِ مُحيطِ المَدْيُونِية المُظْلِمِ، و رَمْيِ الشبابِ في أَخَادِيدِ البطالةِ القاتلَة.والأَدْهَى من ذلكَ تسفيه هَيْبَةِ الدَّوْلَة وَ تَشْكيك العقولِ في جِديَّةِ إخْتِيارِهَا الديمقراطي بمَا يَنْفُثُهُ من سمُومِ الكَذِبِ و الدَّجَلِ. و لِأَجْلِ هَذَا إِسْتَحَقّ الرجلُ بنكيران دركَ القِوامةِ الطَّالِحةِ.
قد تَختلفُ مَوَاقِعُ رئاسةِ الحكومة بين تَفَاصيلِ التجاربِ الدستورية المُقارَنَة ، غير أن مُؤَهلاتِ القُوَّة و الأمانةِ تَجْتَمِعُ حَوْلَهَا عقولُ جميع التجارب الحزبية الناجحة في العالم.
وَ إِذَا كَانَت ” الخَطيئَة الأَصليَّة ” مُرتبطةً بالمرأةِ من أعماقِ التأويلِ الدينِي المسيحِي ، فإنَّ النصِّ القرآني لمْ يُلْصِق إِثْمَ ” الخطيئةِ الأصليَّة ” بالمرأة لِمُفْرَدِهَا. و جاءَتْ أنوارُ الحداثةِ فاسْتَطاعَتْ تحريرَ الفكرِ المَسِيحِي الألماني و عَقْلَنَتْ وظائِفَهُ بشكلٍ جعلَ للمرأةِ مقامًا قياديًا تَوَّجَتْهُ السيدة أنجيلا ميركل بِسِتَّة عشرة عَامًا من العَطَاءِ الجَزِيلِ.
و علَى النَّقِيضِ من تَمَيُّزِ ديمقراطيةِ الحزب المسيحي و قُوَّتِهِ في مواجهةِ التحديات الاقتصادية و أَمانَتِهِ في العمل بِمُحاصَرة الفسادِ. نَجدُ أَنَّ حَظَّ تَجْرِبَة السيد عبد الإله بنكيران و أضفْ إِلِيهَا وِلاَيَةَ زَمِيلَهِ في الحِزْبِ سعد الدين العثماني، هَذا الحَظُّ يَجُوزْ إِخْتِصَارُهُ بالحساب العَقْلاني مِثْلَمَا يَلِي: ” أَعْطُوا لِأَنْجِيلاَ مِيرْكِلْ أَكْثَر من حَظِّ الذَّكَرِينْ”.
هَكَذَا كَانَ الذِي كَانَ ، و هَكَذَا سَيَكونُ المَعْنَى الوَحِيدَ لِهَذِهِ الرسالة تَذْكِيرُ فِرْعَوْن الإِخْوَانِ الذي يُحاوِل الإِنْفِلاتَ منْ قَبْضَةِ البِطَالَةِ السيَّاسية عَبْرَ تَزْيِّيفَ حَقَائقِ تَجربَتِه الفاشِلَة في تدبير الشأن العامِ ، و التِي جعلُوهَا ( هُوَ و عُصْبَتُهُ) منْ حَلاَلِ فَيْءِ غزواتِهمُ الإِنْتِخابِية .