أوهام فريدمان ونتنياهو… والحقيقة الفلسطينية الثابتة/د. باسم عثمان
المقدمة:
أراضي الضفة الفلسطينية مقسمة إلى مناطق “أ” و”ب ” و”ج ” وفق اتفاق أوسلو:
– تخضع المنطقة “أ” للسيطرة الفلسطينية الكاملة، والمنطقة “ب ” للسيطرة المدنية الفلسطينية والأمنية الإسرائيلية، اما المنطقة “ج” تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة وتبلغ مساحتها 60% من أراضي الضفة الغربية.
– المنطقة “ج”: مثل البحر الذي تنتشر فيه جزر “أ” و “ب “، ولا يمكن الانتقال من المنطقة “أ” إلى المنطقة “ب ” أو العكس دون المرور بمنطقة “ج”.
– “إسرائيل” تسابق الزمن لتغيير الواقع القانوني والتاريخي القائم بالضفة, لان مناطق ” أ” و “ب ” غير قابلة للحياة بدون مناطق” ج”، التي تمتلك ثروات طبيعية ومياه جوفية وشواطئ البحر الميت، وكان يفترض تحويل صلاحيات إدارة مناطق “ج” للسلطة عام 1999 لكنه لم يحدث لغاية الان وفق الاتفاقات الثنائية، في الوقت الذي تعمل فيه “إسرائيل” ضمن رؤية استراتيجية تهدف للهيمنة على أراضي ومناطق الضفة الغربية من خلال الضم والاستيطان.
بحر وجزر:
وليد عساف، رئيس هيئة مكافحة الجدار والاستيطان، شبّه بدوره المناطق المصنفة “ج”: بالبحر الذي تنتشر فيه جزر تسمى مناطق “أ” و “ب “، مبينا أنه لا يمكن الانتقال من منطقة “أ” إلى منطقة “ب “، أو العكس دون المرور بمنطقة “ج “، وأضاف:” باتت مناطق (أ وب) تشكل 200 جزيرة مفصولة عن بعضها بمناطق (ج)، ولا يمكن المرور بينهن إلا من مناطق (ج)”، وهذا يعني، بحسب عساف، ” أن أي جندي إسرائيلي في منطقة “ج” يستطيع منع الفلسطينيين من الحركة والتنقل بين مناطق “أ” أو “ب “.
مخزن الثروات الطبيعية:
فالمناطق المصنفة “ج” هي مناطق الثروات الطبيعية، حيث تنتشر فيها حقول الغاز والنفط، كما أن أحواض المياه الجوفية تتركز بأراضيها، ولا يستفيد منها الفلسطينيون إلا بنسبة 15%، والباقي تسرقه المستوطنات الإسرائيلية، وفق عساف.
ومن الأمثلة على تلك الثروات الطبيعية، يقول عساف:” البحر الميت بمكوناته كمنطقة حدودية وسياحية، ومنطقة أملاح، يقع في أراضي “ج”، ومخزون الأراضي القابلة للزراعة، مثل سهل صانور ومرج بن عامر والأغوار، والسهول الأخرى كافة تقع جميعها ضمن التصنيف نفسه”.
وأضاف:” لا يمكن أن تتطور مناطق “أ وب ” دون “ج”، التي بنيت على أساس أن مناطق ومساحات “ج” ستأتي للسيادة الفلسطينية لاحقا”، وتابع: “الاتفاقية المؤقتة تحولت إلى دائمة، بل على العكس، إسرائيل بسطت صلاحياتها الأمنية على مناطق “أ”، “ب “، حيث تعتبر مناطق “ج” المجال الحيوي الوحيد لقيام حياة طبيعية للفلسطينيين”.
واعتبر رئيس هيئة الجدار والاستيطان: “أن القرار بوقف العمل بالاتفاقيات مع “إسرائيل”، يكتسب أهمية كبيرة من أجل تحقيق انتقال استراتيجي، وبدء مرحلة جديدة مع “إسرائيل”، التي تحاول إظهار مناطق “ج” كمناطق متنازع عليها”، ومضى بالقول:” القرار الفلسطيني يتطلب كسر البروتوكولات المتبعة في اتفاق أوسلو، والبدء بتطوير مناطق “ج” حسب الاحتياجات الفلسطينية، ومد الخدمات لها، من مياه وكهرباء وطرق وغير ذلك”.
المعطيات :
في خضم الأحداث العاصفة والاًخذة للمزيد من التصعيد في منطقتنا، إثر تغول العدائية و”الهمجية” للسياسة الامريكية، حيث “يتشيطن” و” يتصهين” اللاعبون الدوليون بما يخص القضية الفلسطينية ومشروعها الوطني، في الوقت الذي تعجز فيه القيادة الفلسطينية عن صياغة استراتيجيتها المقاومة لهذه ” الشيطنة”، والعبور بالقضية الوطنية الى بر الأمان.
بعد جملة من التطورات التي وقعت مؤخرا، اندلقت شهية نتنياهو وقوى اليمين المتطرف في “إسرائيل”، وبرعاية “العراب” الأمريكي, للقيام بخطوة اعلان استصدار قرار بضم المناطق “ج” من الضفة الغربية “لدولة الاحتلال”، والتي قامت فوق أراضي قراها الفلسطينية عشرات المستعمرات الصهيونية بعد 1967.
ان المناطق “أ” و”ب ” و”ج”، تعني للفلسطينيين أكثر من كونها حروفا أبجدية، فهي ترمز لأراضي الضفة الغربية، مقسمة كـ “حصص” بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل”، وفق اتفاق أوسلو الموقع بين الطرفين عام 1993, إلا أن النصيب الأكبر من تلك “الحصص” كان في جيب “إسرائيل”، معنون بحرف “ج”، والتي تُشكّل مساحته 60% من أراضي الضفة الغربية، وعلى الرغم من أن المناطق المصنفة “ج”، تعد الامتداد الطبيعي لـ “أ” و “ب “، إلا أن “إسرائيل” تسعى للتوسع والتمادي في تنفيذ مخططاتها الاستيطانية، وتضيّق الخناق على الفلسطينيين, واليمين الحاكم في “إسرائيل” يسابق الزمن لتغيير الواقع القانوني والديمغرافي والتاريخي القائم في الأراضي الفلسطينية المحتلة عامة، والمناطق المصنفة “ج” بشكل خاص، في محاولة منه لتعميق السيطرة الإسرائيلية عليها، حيث تترافق مع تصعيد إسرائيلي ملحوظ في سياسة هدم المنازل، وتخريب المنشآت الفلسطينية وتدمير اقتصاد الفلسطينيين في المناطق “ج”، وذلك لتوجيه رسالة للعالم بأن “إسرائيل” هي من يُحدد مستقبل تلك المناطق، وهي التي ترسم مستقبل الوجود الفلسطيني فيها من جانب واحد.
في ذات السياق, تأتي تصريحات وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينت، في أن المنطقة “ج” من الضفة الفلسطينية المحتلة هي جزء من “إسرائيل”، وكأنها رسالة إلى كل من يعنيه الأمر، بأن الرهان على استئناف المفاوضات مع “دولة الاحتلال”، و الرهان على أنها الخيار الوحيد، باتت رهانات فاشلة بشكل نهائي ومغامرات “صبيانية”، وأن “دولة الاحتلال” لم تعد تقيم وزناً إلا لمشاريعها الاستيطانية الكولونيالية، وتتجاهل تماماً، ليس فقط حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية والمشروعة، بل حتى أوسلو نفسه ايضا, كما انها تتجاهل وتزدري بقرارات الشرعية الدولية والمواقف الأوروبية والعالمية الداعية إلى وقف الاستيطان ,وأن حكومة “دولة الاحتلال” تعمل على رفع سقف التحدي، في الوقت الذي ما زال فيه الموقف الرسمي الفلسطيني يراوح مكانه، على رهانات أثبتت الوقائع والتجارب فشلها وانسداد الأفق أمامها.
ان الموقف الفلسطيني المقاوم واستراتيجيته الوطنية، هي التي يجب ان تقود إلى الخروج من اتفاق أوسلو والتحرر من قيوده، وطيّ صفحة الرهان على المفاوضات الثنائية كخيار وحيد، والذهاب في قرار وطني موحّد نحو المقاومة الشعبية بكل الوسائل المتاحة، نحو التحول إلى انتفاضة شاملة وعصيان وطني عام، يعلن حرب الاستقلال ضد الاحتلال والاستيطان.
وما على السفير الامريكي في “إسرائيل” ديفيد فريدمان , الا الكف عن إطلاق الأكاذيب وتشويه التاريخ في خدمة المشروع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي، وتبرير انحياز إدارته لجانب “دولة الاحتلال” ومناصبة العداء للشعب الفلسطيني , وتهيئة الأجواء المسمومة لاستئناف تحركات مندوب ترامب في المنطقة (آفي بيركوفيتش) تمهيداً للإعلان عن الشق السياسي لصفقة “القرن”.
إن تصريحات فريدمان تنسف القوانين وقرارات الشرعية الدولية التي اعترفت بحقوق الشعب الفلسطيني ,وتزوير للحقائق وإسباغ الشرعية المزيفة على أعمال كيان الاحتلال في الاستيطان وبناء المستعمرات والضم الزاحف، وتدمير الاقتصاد الفلسطيني، والعمل الحثيث على تهويد القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة.
بالنتيجة:
إن ضم المناطق “ج” من الضفة الغربية “لدولة الاحتلال”، يعني تلقائياً، تمزيق الضفة الغربية وتحويلها لمعازل تضم مواطنين فلسطينيين، واهالة التراب على مشروع ما يُسمى بـ “حل الدولتين”، وبالتالي دخول المنطقة بأسرها في نفقٍ مظلم جديد.
إن مواجهة سياسات الأمر الواقع، التي يقوم بها كيان الاحتلال الاسرائيلي، لا تواجه بالندب واللطم، والشكوى والاستجداء، بل من خلال سياسات فاعلة وناجعة في الميدان الفلسطيني و في محافل المجتمع الدولي ، أي بتفعيل كل أوراق القوة الفلسطينية, و في مقدمتها دعوة من بيده القرار السياسي الفلسطيني ، للرد على تصريحات فريدمان بخطوات ميدانية وليس ببالونات اعلامية، بوقف التنسيق الأمني والسياسي مع أمريكا و “إسرائيل”, والشروع في التحرر من اتفاق أوسلو واستحقاقاته، والعودة الى برنامج التوافق الوطني والتزاماته البديلة ,و ضرورة توفير الغطاء السياسي للمقاومة الشعبية في مناطق الضفة الفلسطينية، وان تتحول كل الأراضي الفلسطينية الى عصيان وطني ومدني شامل, أي : التكامل في خط المواجهة واستراتيجيتها، الاشتباك في الميدان ضد الاحتلال والاستيطان، ودعوة الأطراف الدولية الى تحمل مسؤوليتها تجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
د. باسم عثمان-كاتب وباحث سياسي