الوعي الجمعي السوري في مصفوفة المقاومة للإهارب الاقتصادي الامريكي
25 يناير 2020، 01:28 صباحًا
ما حققته الدولة السورية من انتصارات وانجازات على صعيد الحرب على الارهاب شكل نقطة تحول اقتضت الذهاب الى أولويات ما بعد اجتثاث الارهاب، من إعادة البناء للدولة وإعمار ما خلفته تسع سنوات حرب وعدوان ودمار، لتبدأ الحياة تنبض من جديد وتعود الى طبيعتها في العديد من المناطق والمحافظات السورية وتشرع الدولة في عمليات الإنعاش الاقتصادي عبر الولوج في مرحلة إعادة الإعمار .
بالتزامن مع تقدم الجيش العربي السوري في معركة إدلب وتحقيقه إنجازات كبيرة، صاعدت الولايات المتحدة وعملائها من زيادة وتيرة استهدافها على كل الجبهات، صواريخ غراند التي دعم النظام التركي فيها ارهابيي إدلب لم تفِ بالغرض فكانت مناشدات إردوغان لبوتين على هامش اجتماع برلين والمطالبة بوقف تقدم الجيش العربي السوري، هذه المعطيات أتت بنفس التوقيت التي زادت فيه الولايات المتحدة الأمريكية وعملائها من استهداف الاقتصاد السوري الذي صمد لمدة تسع سنوات بوجه هذا الاستهداف، الفشل في تحقيق أهداف أمريكا على المستوى العسكري والسياسي جعلها تذهب باتجاه زيادة الضغط للحد الأقصى فالعقوبات الأمريكية الغربية التي طالت كل مفاصل الحياة للمواطن السوري والسعي الحثيث لضرب الدولة السورية من خلال استهداف الارهاب للمؤسسات وسرقة الثروات السورية بالتناوب مابين داعش والكرد والكيان الصهيوني ليتبلور المشهد بسرقة أمريكا للنفط السوري والسيليكون الموجود في منطقة الجزيرة السورية بينما تقوم تركيا بسرقة القمح .
الذاكرة السورية غنية بمسلسل الاستهداف الاقتصادي لدول العدوان على سورية ولن تكون سرقة المعامل من المحافظة الاقتصادية حلب إلى تركيا آخر هذه المشاهد، وإنما استمرار لحرب استنزاف اقتصادي يهدف إلى تجويع وتركيع الدولة السورية، فما حصل منذ أكثر من شهر عبر استصدار الولايات المتحدة الأمريكية لقانون سيزر لمعاقبة الشعب السوري وما عبرت عنه مندوبة الولايات المتحدة كيلي كرافت، سنرى ثورة في سورية يجعلنا نعود لعام ٢٠١١ وهو العام الذي بدأت فيه المؤامرة الكونية على سورية حين طلبت أمريكا من رجال أعمال سوريين بالعمل على ضرب الاقتصاد السوري وتم الاجتماع في اسطنبول وكانت توجيهات السفير الأمريكي لرجل الأعمال السوري رامي العطار بالعمل على انشاء خلية تدار من الخارج وتدريبها بإشراف نخبة من الخبراء الاقتصاديين، وتحولت هذه الخلية إلى شركة أخذت اسم سيريا ستوكس هدفها ضرب العملة الوطنية السورية عبر نشر اسعار وهمية لسعر صرف الدولار وتنشيط السوق السوداء بهدف استنزاف احتياطي الدولة السورية من العملات الأجنبية بما يجبرها على وقف الخدمات المجانية الأمر الذي سينعكس حتما على الحياة المعيشية للشعب السوري وبالتالي يحققون هدفهم بإيصال الدولة السورية إلى دولة فاشلة اقتصاديا .
وتوالت الخطوات العدوانية الاقتصادية الامريكية في عدوانها الاقتصادي بدءا من مشروع قانون سيزر والذي كان هدفه منع الدولة السورية وحلفائها من إعادة إعمار سورية، مروراً بمعركة الدولار وصولا الى استنزاف الدولة السورية عبر الحصار واستهداف نقاط حيوية للدولة السورية خاصة ما يتعلق بإمداد النفط والغاز السوري، مما يرهق كاهل الدولة ويفتح أمامها المزيد من الأزمات ويضيق الخناق على الشعب السوري .
أمام هذا العدوان الاقتصادي الامريكي القذر تبرز مصفوفة المقاومة السورية بشقيها الرسمي والشعبي لمواجهته، لتتجلى أهم خطوة رسمية في الحرب الاقتصادي في حرص الدولة السورية الدخول ضمن اصطفافات دولية كبرى في الاقتصاد الدولي القائم على مبدأ الاحترام المتبادل للمصالح الاقتصادية كمنظمات البريكست وشنغهاي والاتحاد الأوراسي، هذا بجانب التحالفات الاقتصادية مع الحلفاء كإيران وروسيا والصين، ليأتي التماس مع هذه التكتلات الاقتصادية تباعا وفقا لمقتضيات المرحلة وحجم التحديات المفروضه، أما على الصعيد الشعبي فكان ملفتا وما أدهش المراقبين للوضع السوري وهو ضمن الحالات الاستثنائية في مسار المقاومة الشعبية والذي يندرج تحت عنوان الوعي الجمعي للشعب السوري، هو الحملات الشعبية واشهرها حملة ” ليرتنا عزتنا” لتتجلى ظاهرة الوعي الجمعي السوري مؤخرا في معركة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي ، وما مشهد التفاعل المنقطع النظير مع الحملات الوطنية لدعم العملة الوطنية إلا صورة تعيد من جديد حقيقة الوعي الجمعي السوري كأحد أهم أدوات المواجهة والمقاومة في وجه الارهاب الاقتصادي الامريكي وهي ظاهرة استثنائية بعثت بالعديد من الرسائل وحملت جملة من الدلالات التي تحمل طابع المقاومة والصمود .
الارهاب المجتمعي وسياسات التجويع التي تنتهجها الولايات الامريكية واستخدام الحصار وكذا العقوبات الاقتصادية تمثل جزء من سياسة أمريكا ضد الشعب السوري، والذي أفقدها أوراقها في هذا البلد، وأمام هذه السياسات يتحرك المجتمع كوحدة واحدة عبر خطوات مقاومة وبنفس بسالة الجيش العربي السوري يتصدر الشعب السوري معركة سوريا تجاه الارهاب الاقتصادي الامريكين والحراك الشعبي الأخير والذي يترافق مع حراك رسمي تصدرها المرسومات الرئاسية الخاصة بضبط الوضع المتعلق بالعملة المحلية، اعطى الحراك الشعبي زخما كبيرا للحراك الرسمي واكسبه قوة التأثير ومؤشرات الواقع تؤكد حالة التناغم في الوعي الجمعي والحصاد الحاصل سواء على صعيد سعر الصرف لليرة او على صعيد ضبط التلاعبات والمضاربات المضرة بالعملة الوطنية وضبط حيتان المال وتجار الحرب المتفرجين على ترنح اقتصاد بلدهم وهم يتسابقون لنهبه .
إلقاء الدولة السورية القبض على مجموعة كبيرة من الأشخاص ومعهم مبالغ طائلة يتلاعبو بسعرصرف الدولار امام الليرة السورية لكي يجعلوا الليرة السورية تنهار، هي خطوة بالغة الأهمية ورسالة واضحة لمن في الداخل المتآمر ولمن في الخارج العدو، أمام الوعي الجمعي السوري تسقط كل أوهام امريكا وحلفائها، فما خسروه في الحرب الدامية لسنوات تسع لن يقبل الشعب السوري أن يربحوه بالحرب الاقتصادية، ويكفي اعداء سوريا أن يستوعبوا أنه برغم كل هذه العقوبات وهذا الاستهداف للاقتصاد السوري وحرب تسع أعوام إلا أن دين الدولة السورية للبنك الدولي هو صفر .
يظل الهدف الاساسي للادارة الأمريكية في كل عدوانها الاقتصادي هو السعي إلى منع تحقيق واعلان النصر السوري الكبير على الارهاب الوكيل وعلى دول العدوان الأصيل، وإخضاع الشعب السوري عبر استهدافه في لقمة عيشه، وفصله عن قيادته عبر إثارة السخط وإحداث فجوات بينه وبين قيادته، لكن ما لا يدركه الامريكيون ومن دار في فلكهم هو أن المقاومة لدى السوريين ليست مجرد رد فعل وإنما ثقافة متأصلة لدى هذا الشعب، والذاكرة التاريخية لهذا الشعب المقاوم تثبت هذه الحقيقة فسابقا لم يستكن للاستعمار الفرنسي طويلا حتى أخرجه من الارض السورية، وكانت مقاومته لهذا المحتل منذ اليوم الأول، والحالة اليوم لا تختلف وإن اختلفت ماهية المحتل تبقى الظاهرة السورية بثقافة المقاومة والرفض لكل اشكال الاحتلال والاستعمار، وكما ذهب الاستعمار القديم سيذهب الاستعمار الجديد، وكما انتصر السوريون امس واليوم في معركة النار سينتصرون في معركة الدولار، وكما هم اليوم يحققون الانتصارات العسكرية الكبرى، هم قادرون أن يحققوا الانتصارات الاقتصادية الكبرى، وسيعمل الذين اعتدوا وتطاولوا وتمادوا على هذا الشعب المقاوم أي منقلب ينقلبون .
الدكتورة حسناء نصر الحسين-باحثة في العلاقات الدولية – دمشق والمقال لرأي اليوم