قبل أكثر من قرن، جمع أثرياء اليهود 50 مليون ليرة ذهبية وعرضوا على السلطان عبد الحميد الثاني سداد ديون الدولة العثمانية مقابل تمكين اليهود من الهجرة إلى فلسطين، فرفض بشكل قاطع العرض. واليوم في 2020 يجمع حكام العرب 50 مليار دولار لتنفيذ صفقة القرن خدمةً للصهاينة وبيعهم فلسطين.
وبحسبة مواطنة عربية بسيطة , فإن نصف هذا المبلغ 25 مليار دولار يكفي لبناء: 25 مدينة عربية بكثافة سكانية لمليون شخص في كل مدينة, كذلك 10 مستشفيات عربية بسعة 550 سرير في كل مستشفى وحوالي 20 مدرسة عربية تتسع ل3 آلاف طالب في كل مدرسة, و3 مطارات عربية تستقبل 10 مليون مسافر لكل مطار, و7 جامعات عربية تستوعب 25 ألف طالب في كل جامعة.
لكن بكل تأكيد حساب الساسة مختلف تماما , خاصة إذا كانا ترمب ونتنياهو معا، وتندّرالنتن ياهو سائلًا من يمكنه رفض هذه المليارات ؟ فكيف ستوزع هذه المليارات التي تعد قروضا على الدول الممنوحة وليست هبة أومنحة أمريكية أو أموالا دولية مجانية. ولا يعرف لغاية الآن كيف ستكون شروط هذه القروض وصيغتها,على دول تعاني من تخمة بالدين العام ووضع إقتصادي حرج بالمجمل .
ذكرالمسؤولون الأمريكيون أن 27 مليارًا فقط ستكون للفلسطينيين، والبقية للأردن ومصر ولبنان.و ما يحصل هو دمج إقتصادي شبه كامل بين المشرق العربي والخليج العربي بدولة إسرائيل فكيف سيكون و بأية آلية ؟.
يبدو أن الصفقة تخطط لإعتماد الأردن شبه الكامل على كيان إسرائيل فمجموع قيمة المشاريع المخصصة للأردن في الصفقة يصل إلى 7 مليارات و365 مليون دولار, حيث يتم التأكيد مرة أخرى على أنها مشاريع التمكين الإقتصادي , وهي بمجملها مشاريع لمدة زمنية تترواح من عامين حتى 4 أعوام وأخرى حتى 10 أعوام . الغريب في الأمر أنه تم تخصيص ما قيمته 150 مليون دولار لدعم نظام المواصلات الجديد في الأردن، الباص السريع، ليربط أكبر مدينتين (عمان والزرقاء ببعضهما البعض) ، رغم أن هذا المشروع يتم العمل عليه بإشراف حكوميّ أردني ؟؟.
كذلك تنص الصفقة على مشروع بقيمة 145 مليون دولار، وهو مشروع ربط البحرالميت بالبحرالأحمرعبر قناة مائية، تقع بالكامل ضمن حدود الأراضي الأردنية، وتنفذه الحكومة الأردنية بتمويل أردني وإسرائيلي ودولي. بهدف مد جنوب الأردن، وإسرائيل، بمياه صالحة للشرب، ولكن إسرائيل تنوي بيع الأردن المياه ومع إمكانية إستخدام القناة لنقل مياه الكيان الإسرائيلي لبيعه ليُستخدم في شمال الأردن. لتصل إمدادات الأردن بالمياه الى 90 مليون متر مكعب بحلول 2024 أي بزيادة تقدر ب40 مليون متر مكعب سنويا . فهل إتضحت الصورة ؟؟؟
مشاريع أخرى بكلفة 150 مليون دولار لمشروع توليد الطاقة الشمسية , و100 مليون دولار لتأسيس إتصالات من الألياف لبصرية في مدن شمال المملكة لتربط مؤسسات المملكة ببعضها البعض , وكذلك 70 مليون دولار لبناء مركز بيانات وطني , و125 مليون لمشاريع صغيرة لا يعرف ماهيتها ؟ ولا يعرف ما قيمة هذه المشاريع ؟؟؟ وبهذه الكلفة العالية ؟؟؟.
القروض التي ستمنح للأردن قيمتها 2 مليار و900 مليون دولار ولا نظن أن الأردن بحاجة للمزيد من القروض الدولية أو قروض النقد الدولي ؟كذلك سيتم منح أموال لمشاريع إستثمارية خاصة تقدر ب2 مليار و763 مليون دولار فلمن هذه المشاريع الخاصة ومن سيشرف عليها ؟ ولصالح من ؟؟.
ولا نغفل أن إسرائيل ستبيع الغاز المسروق للأردن، و كذلك لمصر، ثم ستبيعه مصر لدول أخرى، منها فلسطين ؟؟؟؟. وستمنح لمصر 45 مليون دولار ، لإعادة تأهيل خط الغاز بين مصر وغزة، ومليار ونصف المليار من أجل تحويل مصر لمركز إقليمي للغاز في الشرق الأوسط يمكنها من الإستفادة من تصدير الغازالذي تشتريه من إسرائيل. وتأتي هذه الخطوة في سياق صفقة غاز إسرائيليّة مصرية كبيرة، مماثلة للصفقة الأردنية، التي تمتدّ 15 عامًا وقيمتها عشرة مليارات دولار.
وكذلك سيتم بناء خط نقل للطاقة بين الأردن والضفة الغربية بقيمة 50 مليون دولار.
و سيُبنى مطار جديد في الشونة الجنوبية، المحاذية لأراضي الضفة الغربية والمدينة التي أقام الأردن فيها نصب الجندي المجهول. و ربما يكون هذا المطار لخدمة مواطني الدولة الفلسطينية المستقبلية التي لم يحسم أعلان الصفقة بناء مطار خاص بها. و مع المطار الجديد، سيتم العمل على تحسين مطار الملك الحسين في العقبة جنوب الأردن، ومطار ماركا في العاصمة عمان، بتكلفة 650 مليون دولار لكافة هذه المشاريع . وسيُبنى ميناء جاف ليخدم المنطقة الصناعية في محافظة معان جنوب الأردن، بكلفة 50 مليون دولار.
كذلك سيتم ربط إسرائيل بالأردن عبر سكة حديدية وربما تربط السكة الأردنية بخط مع لبنان و أخر يربط مدينة عمان بالعقبة، ثم ربطها لاحقا بخط حديدي حتى مسقط في سلطنة عمان ، قيمة هذا المشروع تصل إلى مليار و825 مليون دولار ؟؟؟
وبقيمة مليار ونصف سيتم تمهيد أربعة طرق رئيسية خارجية في الأردن، إثنان منها سيخدمان التجارة الإقليمية مع الضفة الغربية وغزة مستقبلًا، والمشروع الثالث بقيمة مليار و400 مليون دولار لتطوير السياحة في مدينة العقبة، وتطوير «كورنيش العقبة» وبناء فنادق ومنتجعات سياحية. فهل ندخل هنا في مقاربة الحديث عن تطويرالسياحة في محافظات عدة مع هذه المشاريع ؟؟
وبعيدا عن المشاريع .. الإتفاقية تنص على أن تمنح الأردن الدولة الفلسطينية المقترحة حق إستخدام بعض ميناء العقبة لتنتفع به من خلال إتصالها بالبحرالأحمر جنوبا. ومن حق الأردن كذلك الإمتناع عن منح هذا الحق . لكن في حال الموافقة فمن حق الأردن فرض شروط أمنية وسيادية ، لكن لم يتم التوضيح إذا كان هنالك ضرائب مالية أم لا .
ومن خلال إستعراضنا لكل المشاريع في الصفقة الصهيوأمريكية، وما وصلنا له من إتفاقية الغازالأخيرة بين الأردن وكيان إسرائيل، والتي بدأ تطبيقها وضخ الغاز المسروق للأردن ، فهل ستتوقف الرسائل الخشنة ويصبح المواطن الأردني معتمدا في مصادر حياته بشكل شبه كلي على كيان إسرائيل، بالغاز والمياه والطيران والتكنولوجيا , وهل ستصل لطاولة طعامه ؟؟؟؟؟؟ فهل نفعل ؟؟؟.
دكتورة ميساء المصري-كاتبة اردنية والمقال من رأي اليوم