أجرى الرئيسان الروسي، فلاديمير بوتين، والتركي، رجب طيب أردوغان، اتصالا هاتفيا، أمس الأربعاء، لمناقشة التطورات التي تشهدها محافظة إدلب السورية، بعد التصعيد الحاد الذي شهدته الأيام الأخيرة في لهجة رجب طيب أردوغان إزاء تقدّم قوات الجیش السوري في منطقة إدلب۔وسقوط ” معرّة النعمان ” ،وسراقب اللتين ” أبدت أنقرة امتعاضاً كبيراً من سقوطهما.
وأكد الرئيسان على أهمية الالتزام الكامل بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين ومنها اتفاق” سوتشي ” الذي وُقع في 17 من سبتمبر/ عام 2018م، ورکز الرٸیس اردوغان فی خطاب أمس علی بنود اتفاق (سوتشي ) ولکن کان فی حالة من الغضب بعد تطور الوضع فی إدلب ومقتل ” 7 ” من جنودة وهدد أی قوات مهما کانت سوف یکون الرد حاسماً ۔۔وقال الوضع فی سوریا هو جزء من التهدید الداخلي لترکیا ۔
وکان الرد علی اتهام اردوغان ۔من قبِل المتحدث الرسمي الروسي للکرملین ۔ إن قوات الحكومة السورية تشن غارات على الإرهابيين وليس على المدنيين في إدلب.
وکان الجانب الترکي قد توصل مع الروس بعد سقوط حلب فی ” مٶتمر آستانة ” فی مایو / 2016 م بحظر الطیران فی شمال إدلب ۔كانت العلاقة بين ترکیا ۔وروسیا قد اتخذت طابع الصداقة والتقارب بینهم ۔بعد قطیعة طویلة بعد الحرب العالمیة الثانیة وفی فترة الحرب الباردة ۔۔ منذ أن قدّم “فلاديمير بوتين ” دعمه لأردوغان في وجه المحاولة الانقلابية الفاشلة التي تعرّض لها طیب اردوغان ۔ في صيف 2016م . وقد نجم عن تلك الصداقة الجدیدة۔ تعاونٌ بين تركيا عضو حلف (الناتو) وخصم الأمس الروسي، كانت ضحيته الأولى سقوط شرق مدينة حلب ۔وتم استغلال ذلك فی بناء قاعدة (حمیمیم الجویة ) الواقعه فی نفس حزام إدلب ۔۔وأثناء خطاب اردوغان ۔ أمس إنما یدل علی مدى الخيبة التي أصابت الرئيس التركي في علاقته بنظيره الروسي. ويبدو لنا من متابعة تطورات السياسة الخارجية الروسية تجاه الشرق الأوسط ، رغم التقارب الروسي الترکي ۔ أخفقت السیاسة الخارجیة الترکیة فی قراءة المشهد السیاسي۔ ” الاستراتیجیة الروسیة ” والمصالح القومية لروسيا في المنطقة بعد خروج الخبراء الروسی من مصر والقرن الافریقي فی سبعینیات القرن المنصرم ۔فی الوصول مرة أخری الی البحار والمحيطات الدافئة، کانت سوریا هی نقطة الأهتمام ۔وجاءت من طبق من ذهب ۔بعد نشوب الحرب ودخول القوات الروسیة ۔عن البحث لها عن قدؑم علی البحر المتوسط ، فی بناء قاعدة بحریة لها فی “طرطوس ” وقاعدة جویة فی”حمیمیم ” وهذا يعني أن سوريا تمثل منطقة جغرافیة شديدة الأهمية للاستراتيجية العالمية لروسيا، في مجالات الوصول إلى المياه الدافئة، وفي توفير الدعم العسكري واللوجستي للهجوم والدفاع الاستراتيجي الروسي وتواجد القوات الروسیة بالقرب من حلف الناتو المناوٸ لها ،، لتأمین مصالحها خارج حدودها ۔ من تصدير ثرواتها ومنتجاتها من النفط والغاز والسلاح ودخول القمح منافس للقمح الأمریکي فی المنطقة ۔ وفتح طرق مع دول النفط والغاز وتأمین خطوط الغاز شرق المتوسط ۔ ومازال الدعم الروسي للجیش السوري ۔ لاستعادة السيطرة على آخر المعاقل الهامة للمعارضة السورية بمكوّناتها المختلفة والمتناقضة، من “هيئة تحرير الشام” حتى القوات التابعة للجيش التركي. ومن الطبيعي جداً، في الحقيقة، أن تدعم موسكو تلك الحملة التي تستهدف السيطرة على منطقة قريبة من الساحل السوري الشمالي حيث تتركّز قواتها، لاسيما في قاعدة حميميم الجوّية، وتتعرّض لأشكال شتى من القصف . علی الرٸبس أردوغان أن يتوقّع ماذا سيكون عليه السلوك الروسي في أخذ العبرة من تجاربه السابقة في التعاون مع موسكو في الساحة السوریة واللیبیة ۔فی دعمها ۔۔ لحکومة دمشق ۔والجنرال حفتر ۔ وقد لعبت روسيا فی دعم حكومة دمشق في إعادة مناطق شاسعة ۔ كانت قد تحرّرت من قبضته المعارضة والفصاٸل التی تدعمها ترکیا، بدءاً من شرقي حلب وصولاً إلى منطقة إدلب، من دون أن يمنح أنقرة بالمقابل سوى فرصة التقدّم على حساب الحركة الكردية المنشقة من سيطرة دمشق، بدءاً من (عملية درع الفرات) التي قامت بها تركيا لقاء تخلّيها عن دعم ” حلب ” في عام 2016 م حتى الانتشار التركي الأخير في المنطقة العازلة في شمال سوريا ۔بناء علی تفاهُمات سابقة فی” أستانة ” التي انسحبت منها القوات الأمريكية۔۔ وعلی الصعید الحرب الداٸرة فی لیبیا ۔ودعم کل واحد منهم لاحد المعسکرین فی الحرب مع جمیع الأطراف فی الصراع استطاع بوتین ۔من التدخل الترکي فی الأزمة اللیبیة ۔ حتي یمارس لعبتة المفضّلة، ألا وهي لعبة التظاهر بالقيام بدور الحكَم مع الإمساك بأهم أوراق اللعبة، على غرار الدور الخطیر الذي بات يلعبه في سوريا. ولم يمرّ وقتٌ طويل حتى انكشف مرّة أخرى وبصورة فادحة ذاك الدور الروسي الرهیب في الساحة السورية. وقد اكتسبت الدبلوماسية الروسية خبرات كبيرة من خلال تطبيق أسلوب جديد في إدارة الحرب الأهلية السورية، عن طريق ابتكار دبلوماسية ۔ مناطق خفض التصعید . وتعتبر الدبلوماسية الروسية أن منطقة الشرق الأوسط تعاني من عدد من المشاكل ومنها الجماعات الردیکالیة الأصولیة۔التی خاضت معها معارك فی افغانستان إبان الحرب الأهلیة فی ثماینیات القرن الماضی فهی حریصة علی محاربة التیارات الإسلامیة فی سوریا ومنطقة القوقاز والتی ترتبط مع ترکیا بعلاقات مع ۔جبهة النصرة ۔
وجاء قرار الأمم المتحدة رقم ( 2254 ) خوفا من وقوع كارثة إنسانية في إدلب”.
علی ان تقوم ترکیا وروسیا بتطهیر منطقة إدلب من الجماعات الإسلامیة المتشددة ۔وهذا ماستند علیة تصریح المتحدث الرسمي فی الکرملین أمس ۔ وکان الرد الترکي تفعیل ماجاء فی اتفاقیة (سوتشي ) التی وقعتها ۔ وتنص علی عشرة بنود :
1- الإبقاء على منطقة خفض التصعيد في إدلب، وتحصين نقاط المراقبة التركية واستمرار عملها.
2- سيتخذ الاتحاد الروسي جميع الإجراءات اللازمة لضمان تجنب تنفيذ عمليات عسكرية وهجمات على إدلب، والإبقاء على الوضع القائم.
3- إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 – 20 كيلومتراًداخل منطقة خفض التصعيد.
4- إقرار حدود المنطقة منزوعة السلاح سيتم بعد إجراء مزيد من المشاورات.
5- إبعاد جميع الجماعات الإرهابية الراديكالية عن المنطقة منزوعة السلاح، بحلول 15 أكتوبر (تشرين الأول).
6- سحب جميع الدبابات وقاذفات الصواريخ المتعددة الفوهات والمدفعية ومدافع الهاون الخاصة بالأطراف المتقاتلة، من داخل المنطقة منزوعة السلاح بحلول 10 أكتوبر 2018.
7- ستقوم القوات المسلحة التركية والشرطة العسكرية الخاصة بالقوات المسلحة التابعة للاتحاد الروسي، بدوريات منسقة وجهود مراقبة باستخدام طائرات من دون طيار، على امتداد حدود المنطقة منزوعة السلاح.
والعمل على ضمان حرية حركة السكان المحليين والبضائع، واستعادة الصلات التجارية والاقتصادية.
8 – استعادة حركة الترانزيت عبر الطريقين إم 4 (حلب – اللاذقية) وإم 5 (حلب – حماة) بحلول نهاية عام 2018.
9- اتخاذ إجراءات فاعلة لضمان نظام مستدام لوقف النار داخل منطقة خفض التصعيد في إدلب. في هذا الصدد، سيجري تعزيز مهام مركز التنسيق الإيراني – الروسي – التركي المشترك.
10- يؤكد الجانبان مجدداً على عزمهما على محاربة الإرهاب داخل سوريا بجميع أشكاله وصوره.
ولکن اللاعب والدبلوماسیة الجدیدة فی موسکو کانت أمهر من الجانب الترکي فی الرد علی حق سوریا فی ضرب الفصاٸل الإرهابیة وتطییر المنطقة هل انتهي شهر العسل بین روسیا وترکیا وعلی ترکیا ان تبحث عن لاعب أخر ۔۔
محمد سعد عبد اللطیف- کاتب مصري ۔وباحث فی الجغرافیا السیاسی- المقال أرسله الكاتب إلى مورينيوز