المقاومات الشعبية الفلسطينية… بين المُسمَى والوظيفة / د. باسم عثمان
عندما قررت فصائل العمل الوطني في قطاع غزة في يوم الأرض 30 مارس (آذار) 2018، انطلاقة مظهر كفاحي شعبي جديد هو جزء من حركة المواجهة العامة، “مسيرات العودة وكسر الحصار”، لم يكن سوى فعل مقاوم لحشد الطاقات الشعبية الفلسطينية في مسارها الكفاحي الشعبي، وربط سياسي بين هدف وطني كبير ينسجم مع واقع قطاع غزة السكاني مجسدا في حق العودة.
ولعل ما أعطته مسيرات الغضب والجوع الإنساني، فاق كثيرا توقعات المشاركين، وأكثر توقعات المراقبين، وأحدثت “هلعا سياسيا – أمنيا واقتصاديا” “لإسرائيل”، وتصدرت بمشهديتها السلمية والشعبية عناوين الصحف العالمية والمشهد السياسي والحقوقي الدولي. وكانت التساؤلات حينها تطرح في سياق أدوات استمرارها وهدفها واستراتيجيتها الكفاحية والوطنية؟ ,وعدم اعتبارها فعل شعبي مسقوف الزمن يراد تثميره “سياسيا” بما يخدم رؤى سياسية معينة لقوى سياسية وفصائلية بذاتها؟!.
مسيرات العودة.. الهدف المعلن لانطلاقتها:
ان المراجعة الشاملة لنتائج مسيرات العودة وكل اشكال المقاومات الشعبية، هل لها فعلا أن تحقق هدفها المعلن لانطلاقتها؟
لقد بدأت مسيرات العودة بهدفٍ معلن , يتمحور حول رسالة واضحة محددة إلى المجتمع الدولي، بان قرارات الأمم المتحدة حول حق العودة للاجئين الفلسطينيين لا زالت حبراً على ورق, وأنه المسؤول عن إفلات الاحتلال من العقاب, في الوقت الذي ما زال الشعب الفلسطيني مناضلاً ومقاتلاً لنيل حقوقه, ودعوة للمجتمع الدولي لكي يتحمل مسؤولياته القانونية والسياسية والإنسانية تجاه الشعب الفلسطيني,في الوقت الذي تعتبر فيه من اهم الأدوات الكفاحية الشعبية للفلسطينيين في وجه الاحتلال وعجزه على تطويقها او اخمادها, لذلك, عملية المراجعة لها في كل اشكالها وادواتها واستهدافاتها السياسية المعلنة والغير معلنة, كأحد خيارات المقاومة الفلسطينية, باتت أكثر من ضرورية، وذلك لضمان نجاح عودتها و استمرارها في سياق أهدافها الوطنية العامة, وليس في خدمة اجندات سياسية فئوية, استعادة استهدافاتها السياسية والوطنية بعيداً عن الاستثمار “السياسي” و توظيفه الفصائلي الضيق ,وضمان المسيرة الكفاحية الوطنية الجامعة بما ينسجم مع تطلعات الشعب الفلسطيني, ولا ينسجم مع تطلعات الرؤية الحزبية الخاصة بتحقيق مطالبها الأحادية على حساب الحق العام الفلسطيني.
ان الإبداع الفلسطيني المقاوِم تجلّى بأبهى صوَره في ابتكار أسلوب المقاومة الشعبية السلمية, تحت اي شعار من المسميات الكفاحية المعلنة, والتي يجب ان يتمحور هدفها –بغض النظر عن النوايا المعلنة و المستترة – بأن يأخذ اللاجئ الفلسطيني زِمام المبادرة في تطبيق حق العودة المكفول له دولياً، والتأكيد على منطق الثوابت الفلسطينية في تلازم حقوقه وقضيته الوطنية، التي تُعزّز الوعي المقاوِم لدى الجماهير الفلسطينية، والتي نجحت بالتأكيد في فترات سابقة الى إعادته إلى ساحات الوجدان الفلسطيني والوعي العربي والضمير العالمي.
لذلك، أي قرار بتغيير “مسمى” الفعل الكفاحي الشعبي الفلسطيني وانطلاقته، يجب ان يخدم متطلبات الحالة الفلسطينية ومشروعها الوطني، بغض النظر عن المسمى الكفاحي (كسر الحصار عن غزة او مواجهة صفقة ترامب –نتنياهو) إذا كان ذلك يمثل اسهاما جديا في التعبئة الشعبية ضد هذه الخطة التصفوية للقضية الفلسطينية.
وبعيدا عن تفسير النوايا السياسية للقائمين على القرار في تلك الهيئة، وهل حقا ان المسألة تطويرا في الموقف ام تعديلا ليتجاوب مع “تطورات غير معلنة”، ضمن “تفاهمات” لم يتم كشفها بعد؟!، أدت الى الغاء تعبير “كسر الحصار” من مسمى الهيئة، التي وجدت أساسا لهذه الغاية؟!. المفارقة، أن هيئة المسيرات حذفت السبب الرئيسي لتشكيلها، وهو كسر الحصار، واستبدلته بمواجهة الصفقة، دون ان تقدم توضيحا مقنعا للسبب الحقيقي لهذا التغيير ذو البعد السياسي، وهل حقا انتهى الغرض من تأسيسيها، وبات لزاما تطوير مهامها وفقا للأحداث السياسية، وخاصة الخطة الأمريكية؟!. وإذا كان كذلك، ما هو المانع في ان يكون المسمى الجديد لهيئة المسيرات: بكسر الحصار ومواجهة الصفقة الامريكية معا؟!.
استخلاص:
بالنوايا الحسنة وبعيدا عن ” الريبة” السياسية، ان ابداع أدوات المقاومة الشعبية والحفاظ على استمراريتها كفعل شعبي كفاحي متصل بإنجاز الحق الوطني الفلسطيني، مع الحرص الدائم على تقييم أدائها ومراكمة إنجازاتها، وعدم التسرّع بقطف ثمارها، وقراءة مُتجدّدة للبيئة السياسية المواكِبة، من خلال وحدة المشاركة الفلسطينية في القرار والتقييم، مع الالتزام بالخطاب العقلاني الموجّه لحاضنة أدوات المقاومات الشعبية, يسهم بشكل فعال في التعبئة الجماهيرية للكل الفلسطيني في مواجهة خطط ترامب وكيان الاحتلال ويشجع على اللحمة الفلسطينية الداخلية.
يجمع التحليل السياسي الفلسطيني او يتفق بشكل عام على ان اشكال المقاومة الشعبية الفلسطينية ومنها, مسيرات العودة, شكلت تحولاً استراتيجياً مهماً , وتطوراً جديداً في استمرارية قدرة الفلسطينيين، على تبني أسلوب او مفهوم كفاحي شعبي, لمواصلة الاشتباك مع جيش الاحتلال و ترسانته العسكرية ,
لذلك,ان معالجة الثغرات والأخطاء بمسؤولية وطنية عالية, وصولاً لتطويرها وتوسيعها لتمتد إلى كل ساحات تواجد شعبنا، في غزة والضفة والقدس, شكلا من اشكال الانتفاضة الشعبية العامة وصولا الى العصيان الوطني الشامل, ذلك ما تعززه نقاشات وطنية عميقة في الحالة الفلسطينية كخيار جماهيري وسياسي لكسر شوكة الاحتلال.
ولقطع الطريق على روح “المغامرة” بشقيها ” الحربجية والاستسلامية”، بات واجبا ان تدعو مكونات هيئة العمل الوطني الفلسطيني الى وقفة مراجعة شاملة، مما كان من فعل كفاحي شعبي على مدار الفترة الماضية، والتحضير لما هو قادم، بان يتم وضع رؤية وطنية شاملة متفق عليها وبالشراكة الفلسطينية، من خلال تحديد الأهداف ووضوح الرؤية وادوات الاستمرار، لأي فعل كفاحي شعبي يخدم الحق العام الفلسطيني وليس الخاص الفصائلي.
د. باسم عثمان- الكاتب والباحث السياسي