… بعد عشر سنوات من الحرب هل من منتصر بين السوريين؟/ ابراهيم معروف
بعد الاندفاعة السريعة والقوية من النظام إلى الحل الأمني العسكري في مواجهة المسيرات الجماهيرية والإعتصامات الواسعة، وملاقتها من قبل بعض اطراف المعارضة، التي كانت بدورها مستعدة للذهاب في هذا الاتجاه، وتراهن على إمكانية نجاحه، لذلك كانت، خلال اللقاءات التي جرت بين اطراف المعارضة بعد المظاهرات الأولى، ترفض الالتزام بنبذ العنف، وعدم الدعوة للتدخل الخارجي. وكان المتكلمون باسم هذه الأطراف، الذين شكلوا لاحقا المجلس الوطني السوري (جماعة الإخوان المسلمين وحزب رياض الترك صاحب نظرية الصفر الاستعماري وحلفاؤهم) يؤكدون أن النظام لا يمكن أن يسقط إلاَّ بالقوة المسلحة، وأنه لا سبيل للتغيير إلاَّ بهذا الطريق، ولو اقتضى الأمر تدخلاً خارجياً، بل كان واضحاً أنه يستدعي هذا التدخل، نظراً لما يقتضيه الصراع المسلح من حاجة إلى تأمين السلاح من الخارج من جهة، ومن حاجة لتأمين المال اللازم لشراء هذا السلاح من جهة ثانية.
ولم يتأخر الدعم الخارجي لدعاة العنف، وتعدى الأمر الإمداد بالسلاح إلى حشد أعداد كبيرة من المناصرين لهم من الخارج، وإدخالهم مسلحين، وجاهزين للقتال، ليصبحوا لاحقاً القوة الأساسية في مواجهة قوات النظام، وعندها لم يتردد هؤلاء برفع شعارات خاصة بهم، نادت بإقامة الدولة الإسلامية على أسس طائفية ومذهبية تكفيرية .
وخلال سنوات قليلة من الحرب سقط مئات الالاف من القتلى والضحايا، ودمرت مدناً وبلداتٍ، وبدا أن كفة الصراع تميل لصالح الجماعات المسلحة المتطرفة، المتنازعة فيما بينها كذلك، فكل جماعة تكفر اختها، وأصبح شبح الحالة الأفغانية يلوح على مناطق متعددة، تحفزاً لاقامة امارات اسلامية، متصارعة فيما بينها، الأمر الذي هدد جدياً وجود الدولة السورية ذاتها، ووحدة ترابها الوطني.
عندها ايقنت روسيا، حليفة النظام، أن القوات السورية وحلفاءها الإيرانيين ومن معهم، غير قادرين على حماية دمشق، فجاء القرار الروسي بالتدخل العسكري العنيف، الذي كانت نتيجته منع سقوط دمشق من جهة، وتثبيت النظام من جهة ثانية.
لتبدأ دورة جديدة من الصراع، نتجت عن قرار الجهات الخارجية بتقديم الدعم اللازم والمباشر للاطراف المتصارعة، واخذت كل جهة تدعم الطرف الحليف التابع لها لمنع سقوطه، وعند كل تقدم يحرزه هذا الطرف او ذاك كان يتعزز لديه وهم الانتصار، فيزداد إصراره على مواصلة القتال. واستمر هذا الحال حتى بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 2254 القاضي بحل سياسي تفاوضي. وعلى الرغم من وقوف الدول الداعمة، وبشكل خاص الولايات المتحدة وروسيا، وراء هذا القرار، واجبارها لكل من النظام والمعارضة على الذهاب إلى جنيف، لعقد جولات تفاوضية إلاَّ أن الحرب بقيت متواصلة، واستمر سقوط الضحايا، وبدت جولات التفاوض كملهاة عبثية وسط مأساة كارثية.
وهكذا، عجزت الحرب عن حسم الصراع لصالح أي من الاطراف المتصارعة، كما عجزت جولات التفاوض الماراتونية عن إنتاج حل وسط.
وكل يوم يمر يزيد من معاناة وعذابات شعبنا، المنكوب والمحاصر والمشرد، حيث يقدر عدد النازحين من مناطق الحرب إلى المناطق الامنة نسبيا في الداخل بالملايين، وكذلك عدد اللاجئين إلى دول الجوار، الذين يعيشون اوضاعا في غاية القسوة، خاصة في فصل الشتاء شديد البرودة.
هل يجرؤ وطني سوري على ادعاء النصر وسط هذه المأساة الرهيبة، غير المسبوقة، التي تعيشها سورية، والتي تهدد وحدة شعبها وترابها الوطني، الذي تتواجد فوقه قوات وجيوش لدول كبرى وأ|خرى اقليمية، بالإضافة لعشرات الآلاف من الارهابيين؟
(يتبع).