الدولة الأردنية ومخاطر الاستحقاقات المستقبلية: زيادة الاندماج الاقتصادي مع الكيان تهديد امني/ د. خالد مفضي الدباس
16 ديسمبر 2021، 22:03 مساءً
واجهت الدولة الأردنية منذ تأسيسها استحقاقات مفصلية، وخطيرة، كنتاج لتداعيات القضية الفلسطينية، التي كانت وما زالت الواسطة في عقد بناء هوية الدولة الاردنية، وتحديد مستقبلها، فقد بقي الأردن عبر تاريخه ينتهج سياسات تطالب بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، وحل الدولتين، وحق اللاجئين في العودة، وغيرها…. من حقوق الشعب الفلسطيني، فهي قضايا مصيرية وحاسمة تحدد مستقبل الاردن، ولذلك فإن إمكانية الانفصام بين الأردن والقضية أمر غير كائن، والعلاقة بينهما بنيوية في جوهرها وتداعياتها.
لكن شواهد العصر في وقتنا الراهن قد بدأت تشير الى ان المرحلة القادمة هي الأخطر، فإذا كانت فلسفة تشرشل قد قضت بضرورة خلق كيان سياسي ضعيف الى الجوار من الكيان الصهيوني، ويمتاز بالهشاشة ولا يشكل خطرا عليه، فأن المسألة قد بدأت تأخذ منحا تصعيديا، على نحو أخطر، باتجاه تكريس سياسة التبعية على نحو يجعل من مستقبل الدولة الاردنية بكليته رهينا لحسابات الكيان الصهيوني، وبما يضمن افراغ أي إرادة سياسية اردنية مناوئة في المستقبل، ولا يمكن ان يتحقق ذلك الا عبر التحكم بالسلع الاستراتيجية ومنها الطاقة، والمياه.
وفي ظل الاشكاليات الاقتصادية البنيوية المتعاظمة التي يعاني منها الاقتصاد الأردني، فإن الفرصة قد بدت مواتيه على نحو يعمق ارتباط الاقتصاد الاردني بالاقتصادي الصهيوني، ولتسريع هذا الاتجاه فإن الامر لا يتم الا عبر افتعال مزيد من ألازمات الاقتصادية في الداخل الأردني التي تمس حياة المواطنين ومقدراتهم، وبصورة مباشرة، كما حصل في موضوعي الطاقة والمياه، فما كانت الدولة لتجرؤ نحو مزيد من الاندماج الاقتصادي مع الكيان الصهيوني دون خلق المبررات الموضوعية اللازمة لتحقيق ذلك. فقد استبقت تفجيرات سيناء عام 2014 التوقيع على اتفاقية الغاز الاردني مع الكيان الصهيوني، واتهم داعش في وقتها بأنه الفاعل والشيطان الأكبر الذي يريد تنغيص عيشة الشعوب، وذلك قبل ان تجلي الحقائق بأن هذا التنظيم الإرهابي ما هو الا صنيعة استخباراتية لغايات التوظيف السياسي من قبل مجموعة من الشركاء الإقليميين والدوليين. وبين عشية وضحاها، تبخرت مياه السدود في الاردن، وظهرت بحيرات حمراء، وتنادى الائمة لصلاة الاستسقاء، لكن النجدة هذه المرة لم تأتي من السماء، فقد جاء اعلان النوايا ليبشر بحل الإشكالية، فقد غدونا أبناء عمومة، وأصبح العدو الصهيوني مصدر ثقة لتزويدنا بماء طهور، وتناسينا الماضي عندما شربت عمان من المياه الملوثة.
لكن التساؤل الأبرز الذي يثور هنا: الا يعلم الساسة وصناع القرار في الاردن بهذه الحقائق؟، ولماذا على الأردن ان يبقى رهينا للحسابات الصهيونية، ولمصلحة من هذا؟ فهل غدت الدولة رهينة القرار الخارجي، ولم تعد تملك من امرها شيئا، ام اننا وصلنا الى مرحلة يتعذر معها البقاء الا في إطار الاحتماء بضلال الكيان الصهيوني، وفي جميع الأحوال فإن الخطر كامن.
فلا يخفى على أحد منا، ان زيادة الاندماج الاقتصادي مع الكيان الصهيوني، يعني مزيدا من الانكشاف الأمني، على كافة الصعد، فالأمن الغذائي سيغدو مهددا، والامن الاجتماعي سيشهد مزيدا من الانشطار، وامن النظام السياسي سيكون عرضة للابتزاز السياسي، ولسنا من ذلك ببعيد، الم يحاصر الأردن في عهد ترامب سياسيا، وجرى تهميش دوره؟، وفرضت عليه ضغوطات هائلة من اجل تصفية القضية الفلسطينية على حسابه، بدءا من ضرورة التخلي عن الوصاية الهاشمية للمقدسات الإسلامية، والتنازل عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين واسقاط حق العودة، وتجفيف المصادر المالية للأونروا، والقائمة تطول.
والمراقب الجيد للأحداث يلحظ بكل وضوح ان الاجندات الامريكية بالتعاون مع الكيان الصهيوني تتبنى استراتيجية شرق اوسطية تقوم على ربط الأردن اقتصاديا، وامنيا بالمشروع الصهيوني، بعيدا عن محيطه العربي، لكي يتحول بالتدريج الى كيان سياسي هش لا يملك إرادة سياسية حقيقية، ولا حتى حق المناورة، كما هو حال السلطة الوطنية الفلسطينية، التي يطلق عليها البعض اسم سلطة التنسيق الأمني، لكن لماذا هذا الخيار؟
ولا تتأتى الإجابة عبر موقف أيديولوجي متزمت، لكن المراقب الجيد للأحداث يلحظ بكل وضوح، وبما لا يدع مجالا للشك، بأنه العمل جار على تحويل الأردن من دولة لها إرادة سياسية حقيقية الى مجرد سلطة تنسيق أمني مع الكيان الصهيوني، على شاكلة السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية، ولا يتحقق هذا الهدف الاستراتيجي للكيان الصهيوني الا بالسيطرة على شريان الحياة وهو التحكم بالموارد المائية ومصادر الطاقة، وهو ما يجعل مستقبل الأردن ومصير شعبه، تحت رحمة الاحتلال الصهيوني وفقا لمعادلة الهيمنة التامة، حيث تتكرس سياسية التبعية المطلقة، والقدرة على ابتزاز النظام السياسي الأردني، ويتم افراغ أي مشروع سياسي اردني مستقبلي مناوئ ، وهو ما يخلق خلق حالة من عدم الثقة بين بين النظام والشعب، وهذه المعادلة تفضي في الحسابات النهائية الى هيمنة مطلقة لهذا الكيان وتعزيز إمكاناته في تحقيق الاختراق السياسي للدولة الاردنية.
لن يقف الامر عند هذا الحد، فمصادرة القرار السياسي الاردني ستغدو امرا حتميا، وسيتحول مجرى الصراع ليكون صراعا بينيا بين السلطة والشعب، وهو ما يستدعي تضخيم قوى الامن الداخلي الأردني، ومضاعفة اعدادها على حساب القوات القتالية(الجيش)، وذلك لضمان تحقيق الامن الداخلي، وستعمل إسرائيل مع حلفاؤها الغربيين على دعم هذا التوجه، وسيتم ربط المساعدات الاقتصادية بتحقيق هذا الهدف، وتحت مسميات إعادة الهيكلة، وغيرها من المصطلحات الجميلة التي يتقنونها، وسيتحول الأردن رويدا رويدا(وفقا للمخطط الصهيوني) الى سلطة تنسيق امني حامية للحدود….وهو ما لا نتمناه، لكن من عرف أسباب علته، فقد باءت هذه العلة، على حد تعبير فرويد.